الأربعاء، 12 فبراير 2014

مصالحة


بعد أكثر من ست سنوات من الحسم العسكري وما تبعه من انقسام داخلي، وثمانية سنوات من الانتخابات الأخيرة، وما نتج عنها من حصار، يقف المواطن الفلسطيني متسائلاً ويحق له أن يتساءل: غزة إلى أين؟ بل فلسطين إلى أين؟ وهل صحيح أن ساعة المصالحة قد اقتربت؟ وهل هذه هي المرة الأخيرة التي نسمع فيها عن زيارات بين الأخوة المتخاصمين ليصبحوا بعدها متحالفين؟ وعن حوارات هنا وهناك، ونية للزيارات الحاسمة والتي قد تحمل بشائر الخير، يصاحبها أفعال تجسد الأقوال. ولكن ما يدور الآن، حديث عن مصالحة ورغبة في إنهاء حالة الانقسام مصحوب ببوادر حسن نية، تم ترجمة بعضها على أرض الواقع وبعضها قريب التنفيذ، وفي الضفة الاخرى من الوطن تجد اعتقالات لطلاب وناشطين شباب، وملاحقة أسرى محررين، ومداهمة بيوت لم تتوقف يوماً، مصحوبة بتصريحات في بعض الأحيان تجتث براعم الأمل من جذورها. وما أقوله هنا هو واقع يومي. ومن ليس على دراية بذلك، بإمكانه العودة للمواقع الإخبارية، أو الاستماع لنشرة أخبار محايدة، أو تقليب صفحات المواجع على مواقع التواصل الاجتماعي. ورغم ما قد يبدو من إشارات تشاؤم في هذه الكلمات، إلا أن أملنا كبير بأن تنطوي صفحات الانقسام إلى غير رجعة، وأن يصبح الماضي خلفنا، نستفيد من سلبياته لبناء الحاضر والمستقبل. ومن كثرة التباري على من الملاك ومن الشيطان في الأحداث السابقة، وهل ما حدث هو حسم عسكري أم انقلاب؟، أضعنا التركيز على ثوابت وطنية، وبكل تأكيد استغلها الاحتلال ليمارس سياسته المعتادة من تهويد واستيطان وسرقة ماضي وحاضر ومستقبل. وإن كنت مراراً قلت، وما زالت هذه قناعتي: أن الانقسام لن يزول إلا بزوال مسبباته، وكلنا يعلم أن السبب الأول للحسم العسكري هو التنسيق الأمني. وحالة الرعب التي عاشتها غزة، بدأت معالمها منذ تسلم الحكومة العاشرة مهامها، وازدادت رغم تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، لتنفجر ومجلس الوزراء منعقد بجانب بيتي، بوابل من النيران لم يتوقف إلا مع صلاة الجمعة الشهيرة  كما أعلنها الشهيد نزار ريان: (والله لنصلين الجمعة في المنتدى). هدأت النيران من فوهات البنادق ولكنها لم تهدأ من كافة الفوهات الإعلامية والاقتصادية والسياسية. ومع ذلك فإن الأمل قائم، وهذا يتطلب المزيد من التنازلات من كل الأطراف، ليتحقق حلم الجميع، ويتحقق الشعار الذي رفعه الشباب فترة من الزمن، وهو: الشعب يريد إنهاء الانقسام. فليذهب الانقسام إلى الجحيم بلا عودة، ولتعود الوحدة على أسس وطنية ووضوح تام وكامل، لتكون مصلحة الوطن والمواطن فوق أي اعتبار، دون تفريط في الثوابت، أو تنازل عن الحقوق، ومنها حق وواجب المقاومة، ولتبتعد كل النوايا الخبيثة بسحب البساط من تحت أي جهة، ففلسطين بكل ألوانها ولكل أطيافها، والصناديق الشفافة هي الفيصل، حتى وإن كان هذا الخيار لا يروق للاحتلال، وبالتالي قد لا تكتمل الفرحة عند انتهاء الانقسام بانتهاء الحصار، وعودة الحياة كما كانت بصورتها الطبيعية، ولكن على الأقل حينها تكون مشاكلنا فعلاً معلقة على شماعة الاحتلال. وحقيقة أتمنى على كل الناطقين الإعلاميين البعد كل البعد عن حالات التبشير المفرطة أو التنفير القاتلة، والاتزان قدر الامكان في بياناتهم، فقد مل الشعب من كثرة هذه التصريحات، وحتى أن فرحة الوحدة قد تكون فقدت رونقها وبهجتها من كثرة التصريحات. وعلى الساسة تحمل أمانة المسؤولية تجاه شعبهم ووطنهم، فوحدة الشعب أمانة، والتفريط بالثوابت خيانة، وحماية المقاومة كوسيلة للتحرير الكامل واجب، والمصالحة أساسية لتحقيق كل ذلك، ولتبدأ بالمصالحة مع الله ثم مع الشعب ومع أنفسنا ليزول من قاموسنا بلا رجعة مصطلح: انقسام، وتعم بإذن الله المصالحة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق