الاثنين، 24 فبراير 2014

المال العام


(اتق النار ولو بشق تمرة) حديث شريف نردده كثيراً، وخصوصاً عندما نريد أن نشجع الآخرين على التبرع ولو بالجزء اليسير، فربما يكون هذا الجزء القليل، والذي قد يصل إلى مثقال ذرة كما وصفه الله تعالى من الخير والشر، والذي ستجده أمامك في ميزان أعمالك، هو الذي يرجح كفة حسناتك، فيؤدي بك بإذن الله وفضله إلى الجنة. ومن هنا يأتي الحديث عن موضوع بسيط في المال العام، والذي بكل تأكيد يسعى الموظفون للحفاظ عليه وعلى مقدرات العمل، فهم المؤتمنون عليها، وهم المسؤولون عنها في نهاية المطاف. ولكن في بعض الأحيان نستهين ببعض الأمور، نحسبها صغيرة ولكنها ليست كذلك. وما قصة قنديل الخليفة عمر بن عبد العزيز عنكم ببعيدة، حينما قام رضي الله عنه بإطفاء القنديل الذي كان مضيئاً، وأضاء آخر، لأنه بكل بساطة الأول كان زيته من بيت مال المسلمين، وأما الثاني فهو من ماله الخاص، فاستكبر عليه رضوان الله أن يناقش مع ضيفه قضية خاصة به على ضوء قنديل وقوده من المال العام. وهذا أمر وإن كان البعض يرى فيه نوعاً من التعفف والحرص الزائد، إلا أنه المثال الذي يجب أن يكون أمام أعيننا وفي أذهاننا ونحن نمارس العمل العام، ونستخدم المقدرات العامة مهما صغرت، ومهما قلت أو كبرت نسبة الاستخدام. ولتوضيح الأمر بأمثلة من الواقع، يأتي في بداية التفكير استخدام ماكينات تصوير الأوراق لتصوير مستندات شخصية، وكذلك استخدام الهاتف لمكالمات خاصة، أو استخدام الحواسيب والطابعات لملفات شخصية، أو استخدام المركبات الحكومية المعروفة بمركبات الحركة لأعمال عائلية، وغير ذلك من أمثلة، قد يجيزها البعض إن كانت بعلم المسؤول وبموافقته، ولكن الأبرأ للموظف أن يبتعد عنها من باب زيادة الحيطة، وعملاً بهدي الصحابة الذين كانوا يتركون كثيراً من أبواب الحلال خوفاً من الوقوع في الحرام، فما بالك في الأمور التي فيها شبهات؟. ويدخل كذلك في إهدار المال العام بصورة غير مباشرة استغلال أوقات الدوام الرسمية لأمور خاصة ومنها الدراسة، ولا يأتي البعض ليقول أنه يقوم بذلك في الأوقات التي لا يكون لديه عمل أو مراجعين، فأوقات الدوام الرسمية هي للعمل العام، وإن توفر وقت فراغ، فالأولى أن يقضيه في التفكير في العمل وفي تطوير آليات العمل، أو في مساعدة زملائه إن اقتضي الأمر ذلك. ومن السلبيات التي بدأت تظهر مؤخراً استعانة الموظفين بزملائهم لتنفيذ أمور شخصية أثناء وقت الدوام، وهذا خطأ مضاعف. وهنا وجب التنويه أن الحال في مؤسساتنا ليست سوداوية كما كانت في السابق، حيث كانت وللأسف سرقة المال العام بطرق إدارية ملتوية، وكل ما ذكر أعلاه وأكثر كان منتشراً بصورة فاضحة، من تزوير معاملات وتمرير مناقصات وتلاعب في الأراضي، وغيرها من أمور يصعب ذكرها هنا. وحقيقة أن معظم الموظفين هذه الأيام يتسمون بالعفة والأمانة، وهذه الكلمات تأتي من باب زيادة الحرص، ومن باب (وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين)، وكذلك خوفاً من أن تقوم بعض الأنفس الضعيفة بتهوين هذه الأمور ليتقبلها الشخص، فتصبح عادة بعد أن كانت درباً من دروب الحرام، أو قل الشبهات. وتحضرني قصة الصحابي الذي توفي يوم خيبر، فقال صلى الله عليه وسلم: (صلوا على صاحبكم، إن صاحبكم غل في سبيل الله)، ففتش الصحابة متاعه فوجدوا خرزاً من خرز اليهود لا تساوي درهمين. فالحرص كل الحرص على البعد عن أمور فيها شبهات حفاظاً على المال العام تقرباً لله تعالى وبعداً عن الوقوع في الحرام، ولنضرب مثالاً يحتذى به للموظف المسلم، وكلكم أهل لذلك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق