الجمعة، 2 نوفمبر 2018

عمارة الإنسان


عمارة الإنسان خاطرة العمران العدد 14

كانت العمارة وستبقى ما بقي الإنسان انعكاساً لحضارة الأمم وواقعها وقيمها، ومبادئها وثقافتها، وعاداتها وتقاليدها، أو قل سلوكياتها، وكما يقول تشرشل: (نحن نصنع أبنيتنا، ومن ثم هي تصنعنا وتنظم مجرى حياتنا)، ويعني ذلك أننا نشكّلُ أبنيتنا، ثم هي تؤثر قي تشكيلنا بعد ذلك. ومن هنا تنبع العلاقة التكاملية بين العمارة والإنسان، وضرورة الاهتمام بإنسانية العمارة لتلبي كافة احتياجاته المادية والروحية، الفيزيائية والنفسية، الوظيفية والإحساسية، وبهذا تكون العمارة بالفعل عمارة الإنسان يحيا فيها وتحيا فيه، بوجدانه... بأفكاره... بسلوكه... بتخيله... بحياته اليومية... وتأملاته... وأماله المستقبلية، وهذا هو الفيصل الأساس في الحكم على المنتج المعماري من ناحية النجاح أو الفشل، وإن كانت النتيجة هنا نسبية وتختلف حسب أولويات الإنسان. ومنذ اليوم الأول لتواجد الإنسان على هذه الأرض (أو قل المعمورة) وهو يسعى في عمارتها، وفي الاستفادة مما حوله ليعمل على تطويره (هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا)، واستمر هذا التطور والتطوير معتمداً على احتياجات الإنسان، وعلى التقدم العلمي الذي وصل إليه في كافة المجالات، وحتى منذ بداية التنظير للعمارة في كتب المعماري الروماني ماركو فيتروفياس (Marcus Vitruvius) العشرة عن العمارة والتي دارت حول أن الإنسان هو محور هذا الكون، فإنه للحصول على فضاءات عمرانية متجانسة وتشكيلات معمارية ناجحة، لا بد من الأخذ بعين الاعتبار جسد الإنسان نفسه الذي خلقه الله في أحسن تقويم، ليمارس فيها الإنسان حياته بسهولة وانسيابية وراحة تامة تتحقق معها المنفعة الحقيقية والجمال الكامل.
ولأن العمارة هي هوية الأمة، يأتي واجب المعماري في الحفاظ على هذه الهوية، بالإضافة إلى ما تم ذكره اعلاه من تحقيق إنسانية العمارة وتلبيتها لاحتياجات مستخدميها المتعددة والمتنوعة، ويأتي دوره في تشكيل المكان منطلقاً في أعماله بالزمان ومستجداته، وبكل تأكيد الإنسان وهويته، وكما يقول المعماري فرانك جيري (Frank Gehry): (يجب أن تتحدث العمارة عن زمانها ومكانها، ولكنها تتوق إلى الخلود) لتكون شاهدة على عصرها في المستقبل. وقد يقول البعض أن هذا الأمر لا يمكن تحقيقه إلا في مجتمعات مستقرة، ويصبح من ترف القول إن طلبنا من معماريينا المحليين العمل جاهدين على تحقيق البصمة الشخصية والهوية المحلية لعمارتنا في مرحلة تتسم بعدم الاستقرار السياسي وبالكساد الاقتصادي وبالظروف الاجتماعية الصعبة! ولكن نقول: هذا هو بيت القصيد من هذه الخاطرة، أن ينطلق معماريونا بأفكارهم... بمبادئهم... بتصوراتهم لعمارة المكان بما يتناسب مع الإنسان بعيدين عن التقليد الأعمى والتكرار المزعج في التكوينات المعمارية المحلية، متحدين كافة الظروف الصعبة. وكلنا ثقة بأن لدينا من الإمكانات المعمارية الكثير ممن هم قادرون على تحقيق ذلك، حتى من الخريجين الجدد المليئين بالحيوية والحماس والرغبة في التغيير، وبكل تأكيد يحدوهم الأمل والتفاؤل نحو مستقبل أفضل في عمارتنا المحلية لتتحقق معها عمارة الإنسان. وكما يقول المعماري البريطاني نورمان فوستر(Norman Foster): (إذا لم تكن متفائلاً، سيكون من المستحيل أن تكون معمارياً).