الاثنين، 17 أكتوبر 2011

نصر من الله...

يحق لنا أن نفرح، يحق لنا أن نفتخر، يحق لنا أن نبقي رأسنا مرفوعةً عاليةً كما هي دائماً، يحق لنا أن نرفع الرايات عالية خفاقة، رايات العز والنصر والكرامة والشرف والحرية، كيف لا.. ونحن على موعد مع حدث تاريخي، يكتب بمداد من ذهب، وأحرف من نور. هذا الحدث الذي شارك في صنعه كل الشعب الفلسطيني، الشعب الذي جاهد الاحتلال ليل نهار، بكل ما أوتي من قوة وإمكانات، الشعب الذي قدم خيرة شبابه وقادته من أجل نسيم الحرية، الشعب الذي غيب الاحتلال فلذات أكباده وراء القضبان، الشعب الذي وقف صامداً أمام التعنت الصهيوني وحصاره الظالم وعدوانه الغاشم، وأمام كل هذا لم يعرف إلا الصبر والمصابرة واحتساب ذلك عند رب العالمين، لأنه يدافع عن الأمة وشرفها. إنها صفقة الأحرار وفاء للأحرار. تعجز الكلمات عن وصفها وعن ذكر دلالاتها، ولكنها انتصار من نوع جديد تسجله المقاومة الفلسطينية. تعودنا من المقاومة الإبداع في الميدان، وعرفناهم متقدمين في حرب العقول الذكية، ولكنهم الآن يلقنون الآخرين درساً في أسس المفاوضات.
ولأسرانا المحررين بإذن الله نقول أنتم منا ونحن منكم، مهما تكلمنا عنكم فصبركم لا يمكن أن يوصف، تهانينا لكم ولأهلكم ولحكومة المقاومة ولفصائل المقاومة، وشكراً للمجاهدين وكذلك للمفاوضين، فاليوم عرفنا منكم مغزى الشعار الخالد: حق... قوة... حرية. فابشروا بعد هذا النصر من الله بفتح قريب إن شاء الله.

الخميس، 13 أكتوبر 2011

الشباب والمشاركة الفعالة

65% من المجتمعات العربية من الشباب، هذه الشريحة التي لم تلاق الاهتمام الكافي في معظم الدول العربية، إلا من جمل إنشائية وعبارات تردد في المؤتمرات والندوات وورش العمل، ومنها أن الشباب عماد الوطن وأمل الأمة وقادة المستقبل. المجتمعات الغربية مجتمعات بدأت تضرب فيها الشيخوخة، ورغم ذلك فإن جل اهتماماتها بهذه الشريحة الأقل لديهم، ورغم ذلك ابتكروا مفاهيم جديدة ومنها التنمية بكافة أنواعها، وركيزتها الأولى التنمية البشرية، وبالطبع الفئة المستهدفة الأكبر هم الشباب. هذا المصطلح أو هذا المفهوم بدأ بالانتشار الواسع في مجتمعاتنا، ولكن أزعم أنه ليس على أسس سليمة وصحيحة، وكذلك فهو يأتي لحل مشكلة وقتية دون التشخيص الحقيقي والحل المتكامل لها، بالإضافة إلى أنه يرتكز بصورة كبيرة على نقل تجارب الآخرين دون تنقيح أو تكييف أو تطوير. ومن أسباب الجدوى المحدودة للتنمية البشرية في مجتمعاتنا، وجدواها اللامحدودة في المجتمعات الأخرى، أن المجتمعات المتقدمة والدول المتطورة هي التي يشارك أكبر نسبة من أفرادها في دفع عجلة التنمية والتطور، ويكون لهم دور أساسي ومشاركة فعالة في كل مراحل البناء والتقدم. والمقصود بهذه المراحل جميع المراحل التي يمر بها أي مشروع من بداية التحليل والتفكير ومن ثم التخطيط والإقرار وبعدها التجهيز والتنفيذ، ويليها بطبيعة الحال حتى يكون المشروع متكاملاً التقييم والتقويم.

وهنا المشاركة الفعالة تعني المشاركة الإيجابية والمتبادلة والتكاملية، ليس فيها مرسل ومستقبل، بل الجميع في بوتقة واحدة تقوم على اندماج الشباب بصورة كاملة مع كل فئات المجتمع وليس فقط في القضايا ذات الطابع والعناوين الشبابية، بل في كافة القضايا المجتمعية.

والمجتمعات المتقدمة تعتبر أن المشاركة الفعالة من الشباب هي غاية ووسيلة في نفس الوقت. غاية: لدمج الشباب في المجتمع كعضو فعال يساعد في تغييره نحو الأفضل، ولإشعارهم بأهميتهم ومدى حاجة مجتمعاتهم لهم، وتقوية إحساسهم بالمسئولية نحو المجتمع، ولإبعادهم عن الهاوية والفساد والضياع. بالإضافة إلى زيادة الثقة بالنفس، وصقل قدراتهم الذاتية القيادية التخطيطية والتنفيذية، وتوجيهها، ونقل الخبرات إليهم بصورة عملية، وخصوصاً أنهم قادة المستقبل وبالتالي تحقيق النهضة المنشودة لهذه المجتمعات والعمل على توفير مستقبل أفضل.

ووسيلة لتطوير المجتمع والاستفادة من كافة شرائحه، وخصوصاً من ديناميكية هذه الشريحة وحماسها ودافعيتها وحيويتها المتجددة، وقدرتهم الفائقة على التجديد والابتكار والإبداع، وللاستفادة من الطاقات الكامنة لديهم، ولتسخيرها في الصالح العام، ولتوجيهها نحو المسار البناء،وكذلك وسيلة لتوفير الأمن المجتمعي من خلال توجيه هذه الطاقات الكامنة بتحميلهم مسؤولية الحفاظ على مقدرات المجتمع وركائزه، وكذلك من خلال الاطمئنان على مستقبل البلد بأنها ستكون بأيد أمينة وواعية وواعدة.

والمشاركة الفعالة بكل تأكيد هي ناتج طبيعي لقناعة المجتمعات بالعمل الجماعي واستغلال كافة طاقاتها والاستفادة من كل مكوناتها، وأهمية بث روح الأسرة الكبيرة والفريق الواحد في مسيرة التطوير المجتمعي، ولذلك فهي تتطلب وخصوصاً في مجتمعاتنا بناء جسور الثقة مع الشباب، بل بين كافة فئات المجتمع، لتنتهي حالة عزوف البعض عن حمل هموم الوطن والمجتمع واللجوء إلى الانطوائية والأنانية والمصلحة الفردية البحتة.

وهذه الجسور لن تبنى إلا من خلال:

- الإيمان بأهمية الشباب وقدرتهم على التغيير والتطوير، وبجدوى مشاركتهم في بناء الوطن، وإشعارهم بأنهم جزء أساس من التنمية.

- توفير الحرية الكاملة والمنضبطة في نفس الوقت للشباب للتعبير عن آرائهم، ولطرح أفكارهم، دون التقليل منها أو النقد السلبي الهدام لها.

- فتح كافة المجالات للمشاركة دون حصرها على مجال دون آخر، وعدم تقزيم هذه المشاركة فقط في قضايا الشباب، بل المشاركة في القضايا السياسية والفكرية والثقافية والاجتماعية والبيئية والتنموية وغيرها من قضايا المجتمع المتكاملة.

- تنوع أماكن المشاركة، وعدم اقتصارها على المؤسسات الحكومية أو على مؤسسات المجتمع المدني من جمعيات أهلية أو مراكز تنموية أو نواد ثقافية أو اجتماعية أو رياضية، فلكل ميوله الخاصة وتوجهاته الذاتية.

- محاربة استغلال الشباب من بعض الشركات أو المؤسسات، والنزول إلى الميدان من الجهات الرقابية، وعدم الاكتفاء بالعمل المكتبي.

- تعزيز ثقافة الحوار وزيادة مساحة التواصل بين صناع القرار والشباب.

- فتح المجال للجميع دون استثناء، أو نظر إلى لون دون آخر.

- التأكيد على أن مشاركة الشباب الفعالة في كافة المجالات هي ضرورة مجتمعية، وليس الهدف منها إشغال وقت الشباب بالمفيد فقط، بل غرس اليقين في نفوس الشباب أن المجتمع لا ينتظر فقط مشاركتهم بل مبادراتهم كذلك.

- وأد المفاهيم التقليدية الهدامة، ومنها (الشباب ما زالوا صغار السن)، (الشباب طائش، وتنقصهم الخبرة)، (الشباب ما زالوا بحاجة إلى تكوين الشخصية)، وفي الطرف الآخر: (أنا مالي)، (لن أغير الكون لوحدي)، (هذه قضايا للكبار)، وغيرها.
-
إن عمليات التغيير الأخيرة التي شهدتها وما زالت تشهدها الساحة العربية تتطلب من الجميع إعادة دراسة الواقع والعمل بجدية نحو التغيير، بهدف الإصلاح والتطوير والتنمية الشاملة والتقدم، وحل كافة المشاكل المجتمعية ضمن منظومة متكاملة تقوم على المشاركة الفعالة من الجميع وخصوصا من الشباب.

ولقادة الرأي والمجتمع أقول: إن بناء جسور الحوار والثقة والتفاهم مع الآخرين وخصوصاً الشباب وتوسيع مساحة المشاورة والمشاركة الفعالة منهم لهي أهم عناوين الإبداع المجتمعي والقيادة الآمنة والحكيمة والبناءة للمجتمعات.

وللشباب أقول: مجتمعك بحاجة إليك كما أنت بحاجة له، والمستقبل أمامك.

أيها الشباب ... تهانينا

(الشعب يريد إنهاء الانقسام) لم يكن ولا يجب أن يكون شعاراً يكتب على اليافطات ونرفعها بأيدينا ونكتفي بذلك، وليس هتافات نصدح بها في المسيرات أو الاعتصامات، وليس أغاني أو أناشيد نرددها هنا وهناك.

(الشعب يريد إنهاء الانقسام) يجب أن يكون غاية نعمل لها وندافع عنها ونسخر لها كل السبل والوسائل من أجل تحقيقها، وهذا الحراك لا يجب أن يقف عند مسيرة أو اعتصام أو مطالبة، فهذه وسيلة من الوسائل وليست كل الوسائل، في يوم 15 آذار كان الشعب الفلسطيني في الداخل وفي الشتات على موعد مع حراك شبابي هادف وحضاري، انتهى اليوم واختلفت فيه الآراء حول ما جرى فيه وحول تقييم نتائجه. هذا التقييم أبعد البعض عن الهدف الأساس الذي من أجله بدأ هذا الحراك. ولكن مهما كانت هذه الاختلافات ومهما كانت التقييمات، فإننا على يقين أن 15 آذار سجل واقعاً جديداً في تاريخ فلسطين والشعب الفلسطيني، وليس بأقل معالم هذا الواقع الجديد هو تفاعل الشريحة الأكبر والأهم من الشعب مع قضاياه.

خرج الشباب في كل مكان ليعلن أنه عازم على إنهاء الانقسام، ففلسطين أكبر منا جميعاً ووحدتنا وتلاحمنا أهم من كل الحسابات الشخصية، وبكل وضوح نقول إن المشاركين والداعين إلى هذا الحراك ينقسمون إلى ثلاث فئات، فئة مقلدة وفئة محرضة والفئة الأكبر والأهم هي فئة الشباب الواعي المنتمي لشعبه ولدينه ولوطنه.

إلى الفئة الأولى: نقول يا شباب فلسطين احذروا التقليد، كونوا دوماً في مقدمة المبدعين والمجددين، فأنتم النموذج الذي يقلده الآخرون، لأنكم سطرتم جزءاً من التاريخ وما زلتم، فاحرصوا على أن تكون لكم بصمة خاصة تنبع من الواقع الفلسطيني، بل إن حركات التغيير الأخيرة استمدت مقوماتها منكم، فلفلسطين السبق في نشر وبث روح المقاومة ونثر رياح التغيير في العالم العربي.

وأما الفئة الثانية وهي قليلة فنقول لها: حان الوقت لتعودوا، لتعودوا إلى رشدكم إلى مجتمعكم وشعبكم وأهلكم إلى قضيتكم وعقيدتكم وهويتكم. وأما الشريحة الأهم فنقول لهم: لقد حملتم رسالة عظيمة ونبيلة واجتهدتم أن توصلوها إلى أصحاب القرار، قمتم بحراك مؤثر، استلم رسالتكم من أراد أن يستلمها وتبناها بل وبادر فوراً بالإعلان عن الخطوة الأولى في إنهاء الانقسام لفتح باب الحوار والمصالحة على مصراعيه.

ولكن اعلموا أن الانقسام لن ينتهي بصورة حقيقية وعلى أرض الواقع إلا بإنهاء مسبباته، وبصورة جدية وعملية، وإلا فإن عودة الوحدة تكون صورية وللصور والكاميرات فقط، وما نلبث أن نعود للخلاف كما حدث بعد اتفاق مكة.

وبدقة أقول لن ينتهي الانقسام إلا بانتهاء التنسيق الأمني وتحريم الاقتتال الداخلي والاعتقالات السياسية والتمسك بالثوابت الوطنية، وهذه أمور ليست من الصعوبة بحال. فالانقسام إلى زوال، والاحتلال إلى زوال، ولن تبقى إلا الوحدة، وحدة الدم ووحدة العقيدة ووحدة الدين ووحدة الوطن، فما هي إلا سحابة صيف وستنقشع، فالمخلصون كثيرون من أبناء شعبنا، وأنتم على رأسهم.

وهنا أقول لكم: تهانينا لكم أيها الشباب، لكل ما قمتم به في 15 آذار وقبله وبما ستقومون بعده، فمهما كانت الانطباعات، ومهما كانت السلبيات هنا وهناك، ومهما كانت الانتقادات في أي مكان ومن أي كان، تهانينا لكم لأنكم بدأتم بالمبادرة، لأنكم بدأتم تشعرون أكثر بهموم الوطن والقضايا المجتمعية، لأن فيكم الخير الكثير وبكم سننتصر، وبكم سنتوحد من جديد، وبكم ستعود الأخوة ورص الصفوف من جديد، فالذي يجمعنا كثير والذي يفرقنا قليل.

أيها الشباب: ما أجمل أن تبقى مبادراتكم بكل الشعارات التي رفعتموها، وأملي بمشاركتكم بصورة تفاعلية أكبر وبمبادرات أكثر في كل القضايا المجتمعية، وكلي أمل أن لا تتوقف تحركاتكم عند موضوع الانقسام (وعلى أهميته)، هذه التحركات نريدها بناءة لخدمة الوطن والمجتمع، وهذا أمر يتطلب نفساً طويلاً وقناعتي أنكم قادرون على ذلك.

وفي هذه المبادرات والتحركات قد لا نتفق على ترتيب الأولويات ولكن يجب أن نتفق، ونحن جميعاً متفقون على أنها أولويات، وأننا لو توحدنا على رفعها في قلوبنا وفي أذهاننا وفي تصرفاتنا، في أفكارنا، في بيوتنا، مع أصحابنا، مع من نتفق ومن نختلف معه، تأكدوا حينها أن المعادلة ستتغير، والبوصلة ستعود لتتجه نحو القبلة الصحيحة، قبلة فلسطين كل فلسطين، قبلة القدس والأقصى، قبلة العودة واللاجئين، قبلة الوحدة وإنهاء الانقسام، قبلة إنهاء الاحتلال وقيادة الأمة. فحي على الصلاح ، فالوطن بحاجة لكم والخير بكم قادم إن شاء الله.

سنيورة ايجيديا... ننتظرك

(عناق كبير لكم، كبر البحر الأبيض المتوسط الذي يفرق بيننا، ولكنه في الحقيقة يوحدنا)... كلمات لفيتوريو أريغوني، هذا الإنسان الإيطالي الذي ترك وطنه وأهله، وتخلى عن ترف العيش في أجمل بلاد العالم، ليعيش مع من يحتاج إليه، ليحيا بين الأطفال الذين أوشكوا على الموت بسبب شراسة القتلة والمحتلين، فهو على قناعة أنهم بحاجة إليه ليعيد العدالة لمن فقد صوته، أو ربما ليوصلها لمن لم يمتلك آذان ليستمع بها.

طرقات غزة وشوارعها تعشقك يا فيتوريو عشقها للحرية، وأطفالها يحبونك حبهم للحياة، وأبناء فلسطين يعدونك واحداً منهم، كيف لا؟ وأنت الذي خضت الصعاب لتكون معهم! كيف لا وأنت الذي ركبت الموج مع الصيادين عساهم يعودون بغذاء يومهم؟ كيف لا؟ وأنت الذي قلت بأعلى صوتك: لتقف القرصنة الإسرائيلية. وأنت الذي عشت معنا الحرب الشرسة (الرصاص المصبوب) بلحظاتها لحظة لحظة، تقف بجانب الجرحى وتساعد فرق الإنقاذ، تساعد فلسطين كل فلسطين، وتنقل الواقع، تنقل حقيقة الاحتلال وواقع المقاومة بقلمك وبكتاباتك، لم تكتفِ أن تحتضن المقاومة بقلبك وأن تدافع عنها بمدونتك الخاصة، وأن تعلنها واضحة أمام الجميع أنك مع المقاومة راسماً لفظها على يدك...

يدك الكريمة التي امتدت للجرحى من الأطفال لتمسح دمعتهم، والتي امتدت لشباب غزة تصافحهم وتسلم عليهم وتقول لهم "كلنا فلسطين"، و"غزة حرة"، و"تحيا فلسطين"، وها هم اليوم يقولون لك: أنت واحد منا يا فيتوريو، افتقدتك غزة كما افتقدتك بولتشاجو حيث كنت تسكن، هناك مع والدك ووالدتك وأصدقائك، ولكنك آثرت الأشواك على الحرير، وآثرت التعب على الراحة، عذراً فأنت تعدّ راحتك في إنهاء معاناة الشعب الفلسطيني التي تطلب من الجميع أن يعرفها، تطلب من الأهالي أن يضعوا كتابك (كن إنساناً) في مكان يسهل للأطفال الوصول إليه، عساهم يعرفونك أن هناك عالماً آخر ليس ببعيد عنهم، حيث اللامبالاة والعنصرية من المحتل الذي يمزق أقرانهم ويقتلهم وكأنهم دمى بالية.

وعساهم يتحركون لنصرة المحتاج وهم في سن مبكرة. لم أقرأ كتابك، ولكن ما قرأته في صفحتك على الفيسبوك وأنت تسعى لترويجه ليحقق ربحاً مادياً ومعنوياً، معنوياً بنشر حقيقة الحرب وبفضح المحتل ولزيادة المتضامنين والأنصار، لينتشر في المكتبات العامة والخاصة وفي كل البيوت، في كل المراكز الثقافية والمنتديات الاجتماعية، ومادياً ليس لتصبح غنياً، فلست من الذين يبحثون عن مكاسب شخصية، ولو كنت كذلك لما جئت، ولكن لتقدم هذه الأرباح إلى من تبقى من أطفال فلسطين بعد الحرب الضروس، لتخفف من جراحاتهم ومن الصدمات التي تلقونها بسبب المجرمين.

ليس غريباً ولا عجيباً أن تكون كذلك يا فيتوريو، أن تكون إنساناً، أن تكون فلسطينياً بداخلك وتعشق فلسطين، فوالدتك هذه الصابرة المناضلة التي تقول لدولة رئيس الوزراء وهي تشكره على وقفة الحكومة الفلسطينية وقراراتها وتحركاتها بخصوص العمل الإجرامي الذي نال منك، بل نال منا جميعاً، نال من غزة ومن فلسطين، فها هي والدتك تقول: "أنا أعرف أن كل الفلسطينيين يحبون فيتوريو فهو واحد منهم، ومن قتل فيتوريو لا يمكن أن يكون فلسطينياً، من قتل فيتوريو لا يحب فلسطين".

والدتك وهي عمدة بلدية بولتشاجو القريبة من مدينة ميلانو، وهي المحبوبة في قريتها لإنسانيتها ولمبادئها المجتمعية النبيلة، انتخبوها لمرتين لمواقفها، فهي التي تؤمن أن العدل والسلام يسيران مع بعضهما البعض، وهي التي تحب العيش بين الناس، وتعدّ التضامن ومساعدة الضعفاء من أساسيات الحياة ليس الشخصية فقط ولكن العامة كذلك، وهي التي تتبرع بكل مخصصاتها كعمدة للبلدية إلى صندوق خاص في البلدية للأهداف الإنسانية والمشاريع الخيرية. هذه أمك يا فيتوريو وهذا أنت، فنعم الأم والابن.

من قتل فيتوريو ليس فلسطينياً، فما مصلحة فلسطين في قتلك، من قتلك ليس وطنياً ولم يفهم الدين الإسلامي على حقيقته، فأنت المستأمن بيننا، بل أنت نصيرنا، ولسان حالنا، فكيف يقتلك فلسطيني؟؟؟ كيف يقتلك فلسطيني وآخر ما كتبته في مدونتك يحمل الاحتلال والحصار وفاة المواطنين في الأنفاق، وتدافع فيها عن حق الشعب المحاصر بالبحث عن الحياة، فهي حرب غير معلنة في صراع الحياة. وأنت الذي تعترض قبلها على رئيس الوزراء الإيطالي بيرليسكوني الذي يتعهد (لإسرائيل) بعدم السماح بانطلاق أسطول الحرية، ترفض هذه التصريحات بل تتهكم على مواقفه من (إسرائيل).

وها هو رد والدتك يأتي واضحاً ومجلجلاً أمام الكون (سأشارك في أسطول الحرية) خسرت يا من قتلت أريغوني، فمبادئه باقية وراسخة في نفوس المتضامنين جميعاً، فغزة آمنة وستبقى كذلك، مهما حاولتم العبث بها، والجريمة معزولة، فهي لا تمثلنا، لا تمثل مبادئنا ولا مواقفنا ولا آراءنا، ولا معتقداتنا، هي غريبة عنا، وفلسطين بريئة منها.

سيدتي إيجيديا: مواساتنا وتعازينا لافتقادك ابنك، ولكن شباب فلسطين كلهم من الآن أبناؤك، إن استطعت القدوم إلى غزة، فكل نساء غزة ورجالها وشبابها ستخرج لاستقبالك، وإن لم تتمكني من ذلك فأنت حاضرة بيننا، في قلوبنا وفي نفوسنا، بل تراب غزة الذي قبله ابنك يتوق لرؤياك، بكل معاني الاحترام والتقدير والشكر والثناء والمواساة سيدتي إيجيديا: ننتظرك...

الشباب الذي نريد

ربما ما زال الوقت مبكراً للحديث عن الأبطال، أبطال الثورة، ثورة التغيير، ثورة الحرية والكرامة من ميدان التحرير. ولكن وجدت نفسي مندفعاً للحديث بعجالة عن نموذج من هذا الجيل الجديد من الشباب، والذي للأسف الكثير الكثير من الدول العربية بل وبعض القادة العرب اعتبروه جيل الإنترنت وجيل (الجل والموضة)، وتناسى واقع الشباب بل واقع الأمة، وتجاهل حقيقة هذا الجيل من الشباب، والذي سمح له عصر الإنترنت إلى اختيار طريقه وتكوين أفكاره وشخصيته بطريقة ذاتية.

صحيح أن البعض أثرت فيه التكنولوجيا بصورة سلبية، ولكننا غالباً وللأسف ننظر إلى الجزء الفارغ من الكأس، ونتناسى أو لا نعطي أهمية أو أولوية للجزء الممتلئ من هذا الكأس مهما صغر أو كبر. ونفس الأمر بالنسبة إلى استخدام الإنترنت والثورة التكنولوجية هناك سلبيات ولكن في نفس الوقت الإيجابيات كثيرة. ومن إيجابيات هذه الثورة التكنولوجية ما أطلق عليه البعض شباب الفيسبوك والتويتر وغيرها من وسائل سخرها الشباب للتعبير عن ذاتهم وعن كيانهم وشخصيتهم وعن آرائهم وأفكارهم وواقعهم.

لذلك نجد أن هذه المرحلة الجديدة من التغيير في العالم العربي، بل ربما في العالم كله بدأت بالتعبير عن الذات وتحليل الواقع وبالتالي التخطيط للتغيير ومن ثم البدء فيه من خلال هذه الوسائل المتطورة. وبعد انطلاق ثورة التغيير في مصر وبداية التعرف على بعض من كان لهم الفضل بهذه الثورة الشاملة التي جمعت كافة فئات الشعب وأطيافه، ظهر هذا المهندس الذي دخل قلوب جميع من استمع إليه، رغم أن إطلالاته الإعلامية كانت قليلة، ولكنها مؤثرة ومعبرة لسبب بسيط وبسيط جداً، وهذا السبب يكمن في أنها كانت صادقة وغير متصنعة وواضحة الأهداف.

وائل غنيم الشاب الذي كان أحد الذين فجروا البركان الصامت داخل الملايين من الشعب المصري المظلوم. وائل غنيم نموذج الشاب الذي نريد لما يتصف به من صفات نبيلة يحتاجها كل شعب يريد أن يتقدم ويتطور، فما بالك بالشعوب التي تريد أن تتحرر. ونحن هنا في غزة وفي ظل عام الشباب الذي أعلنته الحكومة الفلسطينية وشكلت له لجنة عليا برئاسة وزارة الشباب والرياضة، لتعلن هذه اللجنة أن شعار العام وشعار اللجنة هو مستقبلنا أجمل. وهنا نقول إن مستقبل الشباب لن يكون أجمل ولا أفضل إلا إذا رسخت في نفوس شبابنا مجموعة من الخصال والصفات لمسناها في الشباب المصري، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر الشاب، وائل غنيم. وللحق أقول إن الشباب الفلسطيني فيه الخير الكثير وفيه ربما أكثر من هذا الشاب ولكننا هنا نأتي بها من باب التأكيد والتذكير ليس إلا.

فمن هذه الصفات التي نريد في شبابنا ليكونوا بإذن الله قادة التحرير، والتي سنمر عليها باختصار:

- العلم: فهذا الشاب مهندس حاسوب وحاصل على ماجستير إدارة أعمال. ولولا علمه الذي تحصن به لما استطاع تسخير الوسائل الحديثة لصالح شعبه ومجتمعه وأبناء بلده، ناهيك عن الفوائد الذاتية.

- التميز: فهو متميز في عمله وأدائه وفي كل المواقع التي عمل بها، فنحن لا نريد أرقاماً تضاف أو أعداداً تزيد الكم، ولكننا نريد إضافات نوعية فعندنا من الأعداد ما يكفي في كل المجالات.

- إتقان العمل: وهذا كان واضحاً في كل الخطوات التي قام بها، والأعمال التي أنجزها، ولا ننسى أن إتقان العمل من الأمور التي يحبها الله. وهذا الأمر هو الذي يميز عملاً عن آخر ومشروعاً عن آخر وكذلك أشخاصاً عن آخرين.

- حب الوطن: فكان بإمكانه أن يبقى مترفهاً في عمله الناجح في الإمارات، ولكنه آثر بلاده على أوضاعها ليقيم بها مفضلاً إياها على غيرها ليساهم في الإصلاح والتغيير، ودائماً نقول إن الإصلاح يكون من الداخل وبالمشاركة الفعالة وليس بالنظر من الخارج والانتقاد غير الهادف.

- المبادرة: فهذه من الصفات التي تجعل الأفراد يتميزون عن بعضهم، والتي تصنع منهم القادة. فبعد الدعوات على صفحات ومواقع الإنترنت المختلفة من فيسبوك وتويتر وغيرها، وقيادة الشارع في البدايات وبعد خروجه من الاعتقال يعود ليبادر بالدعوة إلى الاستمرار في المشوار حتى النهاية، وحتى بعد النهاية ها هم الشباب ينزلون للشارع يبدأون تنظيف الميدان بعد أن نظفوه من خبث النظام، بل ويدعون الجميع إلى العودة إلى العمل من جديد لتصبح بلدهم متقدمة ومتطورة كما لم تكن من قبل.

- الإيمان بالفكرة: هذا الإيمان جعله وفي أول تصريح له بعد خروجه من الاعتقال يدعو إلى مواصلة الاعتصام، بل ويعود إلى مواصلة الاعتصام في الميدان. وأي فكرة لا يكتب لها النجاح إلا إذا آمن بها حاملوها ودافعوا عنها بكل ما أوتوا من إمكانات، غير آبهين بالصعاب وبالأشواك والتحديات التي قد تواجههم.

- وضوح الهدف: فالهدف كان واضحاً منذ البداية، وهو إسقاط النظام، ولذلك توجهت كل الأعمال والتصريحات والمواقف نحو تحقيق هذا الهدف الواضح والمحدد، دون تشتيت للأفكار أو للجهود.

- التواضع: وهو يخرج من السجن يقول (لا تصنعوا مني بطلاً فأنا كنت غائباً عن الميدان)، فكان من السهل أن يمجد نفسه، أو أن يدخل الكِبْر في نفسه. وهالات الإعلام وأضواء الصحافة قد تدخل الكِبْر في نفوس البعض، ولكنه التواضع الذي جعله يستمر حتى النهاية، وحصَّنه من الوقوع في الهاوية.

- الاتزان وعدم التسرع: وخصوصاً في قطف الثمار، ورغم أن الشباب يتصفون بالحماس والدافعية، إلا أنهم في ميدان التحرير كانوا حكماء في تصرفاتهم وردود أفعالهم. رغم أن البيانات التي كانت تصدر من الجهات الرسمية المختلفة كانت كفيلة بأن تجعل الكثير من الحكماء يخرج عن السيطرة.

- وليس بآخر: التفاؤل: فرغم صعوبة المؤشرات خلال أيام الاعتصام لم يبارح التفاؤل عيون الشباب ولا تصريحاتهم، وخصوصاً أنهم تربوا على شعار (لا يأس مع الحياة، ولا حياة مع اليأس).

كثيرة هي الصفات التي نريدها في شبابنا حتى نواصل معاً مسيرة التغيير والإصلاح، ومسيرة البناء والتعمير، بناء الفرد والمؤسسات والمجتمع والهيئات المختلفة، وتعمير النفوس والأرواح والمرافق والمباني والبلاد. ولكننا كلنا أمل بأن الخير قادم والأفضل ينتظرنا بإذن الله تعالى، فوعده نافذ لا محالة. ولكن هذا الأمر يتطلب منا المزيد من الحراك، ونحن على يقين بأن شبابنا مليءٌ بهذه الميزات ويتصف بأكثر من ذلك، ونحن على ثقة أيها الشباب، بكم ومعكم ومن أجلكم، ولأنكم تتصفون بهذه الصفات وتحملون في جنباتكم هذه المزايا والخصال نحن على ثقة: أن مستقبلنا أفضل وأجمل بإذن الله.

من غزة بدأ التغيير


25 يناير سيبقى راسخاً في أذهان الجميع، فقد أصبح تاريخاً فارقاً في حياة الأمة العربية، حيث بدأت معه الصحوة، صحوة الشعب المصري المظلوم والمقهور، بدأت معه رياح التغيير والانفجار، انفجار البركان. بدأت معه ثورة الشبان لتقطف ثمارها بعد ثمانية عشر يوماً من التضحيات والنضال والصمود، وليعلنوا بعدها أنهم جاهزون لبناء الوطن، الوطن الذي يحلمون أن يعيشوا به بحرية وكرامة، وهل هناك أغلى من الكرامة. الكرامة التي ادعى البعض هنا في غزة أنهم سيثورون من أجلها، ونسوا أوتناسوا أن غزة تعيش بعزة وكرامة، نسوا أو تناسوا أن رياح التغيير بدأت من غزة. فغزة كانت البداية وهي كانت القدوة في الثورة على الظلم و الطغيان بكافة أشكاله.

كانت البداية في 14/6 /2007 عندما كان الحسم أو الانقلاب، سمَّه كما تشاء لن نختلف على العنوان، فالمضمون هو الأساس، فإن شئت فهو حسم عسكري على أجهزة أمنية باعت وطنها ومبادئها وقيمها، وحاربت شعبها ومجتمعها وقضيته، ونهبت أمواله فكان الحسم المبارك. وهو إن شئت انقلاب على الظلم وعلى الجلاد، وعلى النظام الفاسد الذي استباح كل شيء، واستهان بالبلاد والعباد، ونصَّب نفسه طاغية يرهب العباد فكان الانقلاب المحمود. وإن كنت أحبذ تسميته بالتصحيح الأمني أو التغيير المجتمعي. فكان 14/6 بداية التغيير، وخصوصاً إذا ما عرفنا أن التغيير هو الانتقال والتحول من واقع غير مرغوب به إلى واقع منشود أو مرغوب به.

وهذا ما حدث في غزة، حيث انتهت حالة الفلتان الأمني التي عانى منها الجميع، وانتهت حالة الترهل الإداري الذي طال كل المرافق والمؤسسات، وانتهى واقع المحسوبية والواسطة والظلم والفساد، ليحل محله واقع جديد يحمل بصدق معنى الحرية والإصلاح والتغيير.

لقد ثارت غزة من أجل الكرامة والأمن والأمان والحرية، ولإيقاف الظلم بكافة أشكاله، لقد بدأت غزة برسم خارطة طريق جديدة في المجتمعات العربية، وبتحديد معالم الحياة الشريفة والكريمة التي تتناسب مع الإنسان العربي المسلم التواق للحرية، لتبدأ بعدها غزة ورغم الحصار والاحتلال والحرب والحدود المغلقة والجراح (وخصوصاً بعد معركة الفرقان) بتصدير معاني العزة والحرية والكرامة والإصلاح والتغيير.

وهذا ما لاحظه وأكد عليه جميع من زار غزة بعد الحرب، وهذا ما سمعناه من جميع الوفود التي أتت للتضامن مع غزة وشعبها، فكلهم ومع اختلاف توجهاتهم وأفكارهم والبلاد التي جاءوا منها، إلا أنهم اتفقوا على أنهم عرفوا في غزة معنى العزة، وتعرفوا على مسببات الحرية، ورأوا معالم الإصلاح، وعاشوا معاني الكرامة، وتنسموا رياح التغيير، فرجعوا محملين بكل هذه الخصال، لينقلوها إلى شعوبهم وليبثوها في أوطانهم بين مجتمعاتهم. وكلنا يقين أن كلماتهم لم تكن من باب المجاملة فلم يكونوا مجبورين على ذلك، ومن استمع إلى نبرات أصواتهم ، ومن رأى قسمات وجوههم وهم يعبرون عن ذلك يعلم علم اليقين حقيقة هذا الكلام.

لقد تربى قادة التغيير في غزة على منهج رباني متكامل، أنشأوا المجتمع المسلم في أنفسهم بدأوا بها, غيروها, وأصلحوها وربوها على معاني الخير والعطاء والمبادرة والإصلاح، وكونوا البيت المسلم الذي ساهم في وضع لبنات التغيير الأولى؛ ولكنها قوية ومحصنة بالفكر والأخلاق والقيم والآداب، فهموا معني التغيير من خلال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعملوا على تحرير ديارهم من المحتل بكل ما أوتوا من قوة ومن عتاد بعد أن تدبروا أمر الله (وأعدوا).

وبالرغم من أننا نحمد الله تعالى على حالة التغيير التي بدأتها غزة، وعلى هذا الواقع الذي آلت إليه الحياة فيها، رغم كل العوائق والتحديات ورغم كل الأشواك المحيطة بطريق الحرية الكاملة وطريق الإصلاح المنشود؛ إلا أننا نقول إنه ما زال أمامنا الكثير الكثير من العمل والإصلاح، ومن البناء والإعمار والتطوير، وبطبيعة المسلم الذي يتوق دائماً للأفضل، ولا يقبل بالحالة التي هو عليها مهما كانت إيجابية، لأنه دائماً ينظر للأعلى.

إن المرحلة المقبلة في حياة الشعب الفلسطيني بحاجة إلى تضافر جميع الجهود المخلصة، وتكامل وتكاتف أصحاب كل المشاريع البناءة، وتعاضد جميع الأيادي الفتية والعقول النيرة، وهذا كله لن يكون إلا إذا حصل الشباب على الفرصة الكاملة ليكونوا معاول للبناء والتطوير.

والتطوير لن يكون إلا بكم أيها الشباب، فإن لم تتحركوا لهذه المقاصد بأفكاركم بمبادراتكم بأعمالكم بتواجدكم وبإصراركم على أن تكونوا جزءاً من المرحلة بل أنتم المرحلة، فماذا أنتم فاعلون؟؟؟

دولة القانون

في شريعة الغاب البقاء للأقوى، وأما في شريعتنا الأفضلية للأتقى، وبين هذه وتلك تتراوح المجتمعات بين من يغلب منطق القوة أو قوة المنطق. والمراد بالمنطق هنا القانون وسيادة التشريعات والأنظمة المتعارف عليها. قد يسود منطق القوة أو شريعة الغاب لفترات طويلة ولكنها بكل تأكيد إلى زوال، ولا مكان لها بين الشعوب الحرة والمتحررة. وشريعة الغاب قد تكون فردية أو تأخذ غطاءً حزبياً أو عائلياً أو جهوياً أو أشكالاً أخرى.
وقد يمارس أهل شريعة الغاب شريعتهم هذه في بعض الأحيان دون الحاجة لها، ويقومون بها لمجرد التنفذ والتسلط، ولإثبات القوة والتحكم بالآخرين فقط.
وحتى فيما بينهم في كثير من الأحيان تجد الصراع مستشرياً، وكما يصفها الشاعر بقوله:

وَالْغابُ ساحُ تَصارُع ٍ
وَالفَوْزُ تَحْسِمُهُ الْقُوى
مَنْ لَيسَ يَمْلِكُ قُوَّة ً
فَإلى مَهالِكِهِ أوى
مَنْ لَيْسَ مِنْ عُصَبِ الْقُوى
فَبِشِرْعَةِ الْغابِ اكْتَوى


وقد يقبل الأفراد أو الجماعات منطق القوة مغلوبين على أمرهم لفترة من الزمن، ولكن لأن دولة الظلم ساعة ودولة الحق إلى قيام الساعة، فلن تكتمل هذه الساعة حتى ينبري نفر من أهل الحق والقانون ليصوبوا الأمور ويعيدوها إلى وضعها المنشود. حينها يجب أن تتكاتف جميع الجهود المخلصة لاستكمال واستنهاض مؤسسات القانون بكل ما أوتيت من إمكانات وقدرات ومؤهلات وقوة مضبوطة إن لزم الأمر، للحفاظ على هذه المكتسبات، حتى لا تعود الأمور من جديد إلى الوراء، وكأننا عدنا إلى شريعة الغاب، وهذا أمر بكل تأكيد لا يقبله أحد مهما كان منصبه أو مكانته، وخصوصاً أننا نعيش في زمن ريع الثورات العربية، ولا يقبل كذلك من تنسم الحرية والعدل، وشعر بالأمن والأمان وبقوته المعنوية المرتكزة على القانون أن يتنازل عن هذه المكتسبات، ولا يقبل كذلك أن يضيع بين أبطال أحمد شوقي في شريعة الغاب، أو أن تهدر حقوقه بفتاوى ثعلب شوقي في هذه المسرحية، أو أن يكون مثل حسن في مفقودات أحمد مطر.
بدولة القانون سيسود الحق والاستقرار والرخاء. أفلا تضافرت الجهود لتثبيت قوة القانون، وللحفاظ على مؤسسات القانون، وللاستمرار في بناء دولة القانون؟

إنها فلسطين...

أشلاء هنا وهناك...أجساد بريئة تتناثر...طفولة تسلب أمام الجميع...حريات تصادر... وسنين تسرق من رجالات الوطن...أراضي تنهب وحرمات تنتهك...والجلاد يستمتع ويبرر ويقاوح...والضمير العالمي في سبات عميق. باختصارٍ شديد هذا هو حال فلسطين وأهل فلسطين. عشرات الشهداء والجرحى في أيام معدودات، وعشرات الغارات الجبانة هنا وهناك، مستوطنات جديدة لمن جاؤوا بلا عنوان لينهبوا منا الزمان والمكان. القدس تدنس كل يوم أمام عيون مليار مسلم ويزيد، ثلاثمائة يوم قاربت على نواب القدس ووزيرها وهم في خيمتهم، تنسيق أمني وتبادل أدوار، كل هذا ولم يكتف الجلاد، فوسع دائرة الصراع في أوروبا وفي العالم العربي، هي بدايات، ولا أظنها ستقف. فمن الذي سيوقف هذا المحتل؟! من الذي سيضع حداً لهذه الانتهاكات؟! من الذي سيقف أمام الجلاد ليقل له كفى، من يوقف حقداً أسود... بل ويتعدى ذلك ليقول له عد من حيث أتيت.

بداية خير كانت مع تقرير جولدستون، ولكنه يحاول أن يتراجع. إنه اللوبي الصهيوني، إنه الضغط الإعلامي والنفسي والمدروس، علهم يشككون في هذا التقرير، أو لعلهم يخففون من الخزي والعار الملازم لهم بعد معركة الفرقان وأسطول الحرية. وكأن ما حدث في معركة الفرقان يحتاج إلى تقارير!!!. ألم تكن الصور كافية، أليست آلاف القتلى والجرحى والثكالى والأيتام بدليل على جرم الجلاد!!! كم من البيوت يريدون أن تدمر حتى يصدقوا أنها كانت مجزرة بحق الإنسانية، أم كم عائلة يريدون أن تشرد وتهجر حتى يصدقون أنها كانت مأساة سطرها بنو صهيون على مرأى ومسمع العالم؟؟؟

ولم يكتف المحتل بكل ذلك، ليل نهار يواصل الاعتداءات والانتهاكات في القدس، في غزة، وفي الضفة. فهو يعلم أن العالم العربي مشغول بثوراته والتي ينظر إليها بعين الخوف، ونحن ننظر إليها بعين الأمل، عساها تعود بالحكومات العربية إلى رشدها لتلتحم مع شعوبها، شعوبها التي تهتف وربما قبل هتافها الذي أضحى شعار المرحلة: الشعب يريد إسقاط النظام، فالأمة كل الأمة تهتف من داخلها: الشعب يريد زوال (إسرائيل). لذا فليس غريباً أن يدعم بنو صهيون المتغطرسين من بني عروبتنا، فكل يوم يبقى طاغية على كرسيه هو مكسب لبني صهيون. فنحن على يقين أن تحرير فلسطين يبدأ بعد تحرر الشعوب العربية، ويبدأ بعد أن تنفض الأمة غبار الخنوع والخضوع عن كاهلها، وها هي بدأت تتحرر من القيود التي كبلت بها لعقود من الزمن. فهو تاريخ جديد يسطره الشباب والشرفاء الأحرار، ليعلنوا نهاية حقبة الذل والتركيع وطأطاة الرؤوس، لتبدأ مرحلة جديدة قائمة على الحرية والديمقراطية والعدل. إن الثورات التي شهدها العالم العربي في الفترة الأخيرة هي ثورات يجب الحفاظ عليها بكل ما أوتينا من قدرات، ليتم توظيفها في التحرير الشامل والكامل للأمة جمعاء.

ولكنه كذلك تاريخ يأبى المحتل إلا أن يضيف فيه المزيد من العدوان والاغتصاب بكافة أشكاله وأنواعه، بل إنه يتفنن في ذلك وكأنهم الجرمان في لعبة الترافيان في وحشيتهم، فهم يريدون أن يضيفوا إلى مملكتهم الواهية المزيد ولو على حساب الإنسان (مع الاعتذار لعشاق هذه اللعبة، فربما فيها من المبادئ ما هو ببعيد عن الإسرائيليين)، وأين الإنسان، فلا إنسان بالنسبة لهم إلا من نسل يهود، والباقي مجرد عبيد.

وأمام هذا الصلف الصهيوني وهذا الحقد الدفين، وهذا النهج الدموي، لا نملك نحن أصحاب الحق إلا أن نبقى متمسكين بحقوقنا، متجذرين في أراضينا، متوحدين في مواقفنا، وما أكثرها المبادئ والشعارات التي يمكن أن نجتمع عليها وتوحدنا ـ القدس، الأقصى، اللاجؤين، حق العودة، الأسرى، المقاومة....ـ فلنتمسك بها ولنرفعها عالياً في قلوبنا في عقولنا في تفكيرنا في كلماتنا ولنجسدها في أفعالنا، عساها تخفف من الواقع الصعب، وعساها تكون باعثة للتفاؤل، فالحياة لن تستمر إلا بذلك، فمهما طال الليل فالفجر قادم. وشعب فلسطين صدق فيه القول:

أنت الذي وقف أمام الاحتلال كالسد المنيع ....
لا تأبه بالصعاب،
وترفض أمام العقبات الخضوع...
أنت الذي لا يقبل لغير ربه الركوع...
لذا قريباً ستضاء في الأقصى الشموع
ستستمر الحياة رغم الآلام والجراح، ستتواصل بحلوها وبمرها، بأفراحها وأتراحها، نحياها كما هي، نضمد الجراح ونتناسى الآلام، فالمشوار طويل والتحديات صعبة، والأشواك كثيرة، ولكن الغاية عظيمة: إنها... فلسطين.

الأربعاء، 12 أكتوبر 2011

بسم الله

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله الكريم وعلى آله وصحبه أجمعين
يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك
د. اسامة عبد الحليم العيسوي