الاثنين، 30 سبتمبر 2013

تواضع


يعيش الإنسان في حياته باذلا ً كل جهده كي يرتقي من مكانة لمكانة، وينتقل من درجة إلى درجة في السلم الوظيفي أو المجتمعي. ومع هذا الانتقال والارتقاء تزداد مسؤولياته، ويزداد حجم العمل المطلوب منه، ويزداد معها حجم الأمانة الملقاة على كاهله. هذا الارتقاء وهذه المسميات الجديدة للمسؤولين لا يجب أن تزيدهم إلا يقيناً بأن ما أصابهم من نعمة فهو بتوفيق الله وبتيسيره عز وجل، وبالتالي يجب أن يزداد عطاؤهم، وأن تزداد أخلاقهم رفعة وسمواً. وقمة الأخلاق في هذا المجال هو التواضع، عملاً بالقاعدة الكونية: (من تواضع لله رفعه). إذن التواضع لله مع الموظفين ومع المراجعين، حتى تستمر النعمة التي هو فيها، بل تزيد وتنمو. والتواضع بكل تأكيد يشيع جواً من الحب والاحترام والتفاهم والتسامح كذلك. ولكن وللأسف في بعض الأحيان، تجد أن الواقع عكس ذلك، فما أن يتم تكليف البعض (وخصوصاً أصحاب النفوس الضعيفة) بمسؤولية جديدة، إلا وتجد أن طريقة معاملته مع الآخرين بدأت تتغير، فيبدأ بإلقاء الأوامر هنا وهناك، وبنبرة فيها نوع من التعالي، ويبدأ برفض مقابلة هذا أو ذاك، من باب التنويه أنه أصبح رجلا ً مهماً، أو يجعل مرؤوسيه أو المراجعين ينتظرون على بابه، حتى يبدو لهم أنه مشغول بحل قضايا الأمة، ونسي أنه بالأمس القريب كان ينتقد مثل هذه التصرفات. هذه التصرفات التي تخرج صاحبها من التواضع، وتضعه في فئة المتكبرين، لذا فاسمعوا ماذا ينتظرهم بناءً على قول رسولنا محمد عليه الصلاة والسلام: (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر). وعلى النقيض فإن المتواضعين لهم مكانة عالية عند رب العالمين، يقول جعفر الصادق: (أحب الخلق إلى الله المتواضعين)، وفي الآخرة ليس لهم مكان إلا الجنة. وما أجمله من تشبيه  للمتواضعين وللمتكبرين بالسنبلة، كلما كانت فارغة كلما كانت منتصبة، ويزداد انحناؤها كلما زاد الخير فيها والمنفعة، أي كلما كبرت ونضجت حبات القمح فيها. وجاء في كتاب الروح لابن القيم تعريف جميل للتواضع، حيث يقول: (هو انكسار القلب لله، وخفض جناح الذل والرحمة بعباده، فلا يرى له على أحدٍ فضلاً، ولا يرى له عند أحدٍ حقاً، بل يرى الفضل للناس عليه، والحقوق لهم قِبَلَه، وهذا خلُق إنما يعطيه الله عز وجل من يحبُّه، ويكرمه، ويقربه.) وهذه الكلمات لوحدها تجعلنا نحرص على هذه الصفة، صفة الأنبياء والصالحين والأتقياء. وعلينا جميعاً وخصوصاً المسؤولين، مراجعة ذاتية لتصرفاتنا وأفعالنا وأقوالنا، وأن نحرص على زيادة هذه الصفة في نفوسنا حتى تصبح ركيزة في حياتنا، وهذا يكون بالاستماع إلى الآخرين مهما كانت درجتهم، والجلوس مع الجميع دون التقيد بالرسميات والأمور الشكلية، وكذلك التواصل مع كافة الفئات دون تمييز، ومشاركتهم مناسباتهم قدر الإمكان، وأمور أخرى تساهم في محو الكبر والكبرياء والتكبر من النفس بصورة كاملة. ورحم الله الشيخ الشعراوي الذي أراد أن يؤدب نفسه، ويعيدها إلى تواضعها المحمود، بعدما تم تكريمه من الطلاب في إحدى الجامعات المصرية، ولما شعر أن نوعاً من الغرور أو الكبر دخل في نفسه، أوقف مركبته أمام مسجد الحسين لينظف حماماته بيده، ليمحو ما أصابها من مرض عارض، وليذكرها بحقيقتها، فتعود إلى تواضعها المنشود. ومع هذا كله فإن التواضع يصبح مذموماً وغير مقبول في بعض الأحيان، وخصوصاً مع الأعداء، بل إن المحمود حينها هو الخيلاء والتبختر، وفي ساحات القتال على وجه الخصوص. وكذلك فإن التواضع مع المسؤول الظالم غير مقبول، حيث أن ذلك يعتبر مداهنة، وسنداً له في تماديه بظلمه. وكذلك لا يجب أن يظهر المتواضع بمظهر الضعيف، فحينها تنقلب الإيجابيات إلى سلبيات. وأخيراً هي كثيرة الفوائد المرجوة من هذه الصفة الحميدة، ليس بأقلها أنه لا رفعة ولا تميز في الدنيا والآخرة بلا ... تواضع...

الخميس، 26 سبتمبر 2013

إخوان


بداية لا أقصد بعنوان المقال الحديث عن جماعة الإخوان المسلمين، وإن كان محتواه سيتطرق بكلماته المتواضعة إلى أحد ركائز هذه الجماعة، وأحد أركان بيعتها العشرة، التي يلتزم بها أبناؤها، بناءً على دعوة مؤسس الجماعة الإمام حسن البنا رحمه الله، والتي يبايعون الله على الوفاء بها، وتطبيقها في حياتهم، لينالوا خير الدنيا والآخرة. وإنما أريد من هذا العنوان الصفة التي يجب أن يتصف بها أبناء المجتمع، والحالة التي يجب أن يكونوا عليها، من تآخي يؤدي إلى شيوع حالة التعاضد والتكافل والتسامح والتكامل، حتى يكون مجتمعاً متراصاً قوياً منتجاً، وليس مجتمعاً متناحراً متناخراً  ومتفكك الأوصال والروابط، تتداعى عليه الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها. وكلنا يعلم أن أول عمل قام به المصطفى عليه الصلاة والسلام في المدينة هو المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، فهو أول تشريع أقره ونفذه عليه الصلاة والسلام، ليكون أول دعائم وركائز الدولة الفتية، وليؤكد من خلاله أن قوة المجتمع تكون بالاندماج التام والشامل بين أفراد المجتمع، اندماج لا يعرف فرقاً بين قوي وضعيف، أو أبيض وأسود، أو غني وفقير. وما أعظمه من اندماج قائم على تطبيق هذا المبدأ الأساس في رفعة الأمة وتقدمها وقوتها، ألا وهو مبدأ الأخوة. وهنا أود التنويه إلى نقطة هامة، ألا وهي أن الشيطان وأعوان الشيطان يحاولون أن يدسوها بين أبناء الشعب الفلسطيني الواحد، فكل فترة وأخرى تظهر في الميدان نعرة (ضفاوي وغزاوي)، أو الأدهى من ذلك (مواطن ولاجئ)، وهذا باب من أبواب التفرقة بين أبناء الشعب الواحد والمجتمع الواحد، والذي يتنافى مع مبدأ الأخوة، بل مع مبدأ وصفة الإيمان، وذلك تأكيداً لما جاء في قوله تعالى: (إنما المؤمنون أخوة). هذه هي العلاقة الوطيدة والرابطة المتينة التي يجب أن تكون بين أفراد المجتمع، ليس أخوة النسب، ولا أخوة العشيرة، أو القرابة، بل أخوة الدين المبنية على المودة والرحمة، والقائمة على أسس الإيمان. وعودة إلى الفكر الإخواني القائم على الشريعة السمحاء، يقول الإمام البنا في رسالة التعاليم عن ركن الأخوة: (وأريد بالأخوة: أن ترتبط القلوب والأرواح برباط العقيدة، والعقيدة أوثق الروابط وأغلاها، والأخوة أخت الإيمان، والتفرق أخو الكفر، وأول القوة: قوة الوحدة، ولا وحدة بغير حب، وأقل الحب: سلامة الصدر، وأعلاه: مرتبة الإيثار). وهنا لا بد من الحرص والمحافظة على رابطة الأخوة، فإن تعززت في النفوس تلاشت أمامها كل المشاكل والخلافات، وإن تزعزعت بدأت الفرقة تدخل بين النفوس، وبدأ انهيار المجتمع وبنيانه. والمجتمع المتآخي كالبنيان المرصوص، المتكامل الأركان، بل إن أفراده يصبحون كالجسد الواحد، يحمل بعضهم بعضاً، ويؤازرون بعضهم في السراء والضراء. ويعيشون بنعمة الله سبحانه وتعالى (فأصبحتم بنعمته إخوانا)، بل ويدعون لبعضهم بالخير والمغفرة (ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان)، فإن تحققت فيهم هذه المعاني والقيم فجزاؤهم عند ربهم في جناته (إخواناً على سرر متقابلين). وعن الأخوة الحقة يقول الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه؛
إن أخاك الحق من كان معك...ومن يضر نفسه لينفعك...ومن إذا ريب الزمان صدعك...شتت فيه شمله ليجمعك. هذه هي الأخوة التي تظهر واضحة في وقت الأزمات والشدائد، فهي التي تكشف لك عن حقيقة إخوانك، الذين يزدادوا قرباً منك في وقت الضيق، ولا يتركوك لوحدك تواجه الأزمات. وحتى لو لم يقدموا لك حلولاً لما تمر به من مشاكل، فإنهم بوقوفهم بجانبك يرفعون من معنوياتك، لتستشعر حينها قيمة ومعنى الأخوة. لكل ما سبق فإن دعوتي إلى جميع أبناء فلسطين المرابطين، بل لكل البشرية، ليتحقق لهم خير الدنيا والآخرة، هي تطبيق وصية رسولنا المصطفى عليه الصلاة والسلام: كونوا عباد الله... إخوانا...

الأحد، 22 سبتمبر 2013

إثم



كلنا متفقون أننا لا نعيش في مجتمع ملائكي، ولا نمر بظروف وردية، بل إن الأزمات الناجمة عن الاحتلال، وتبعات الاحتلال، من حصار وعدوان وخلافه، ومن ممارسات تهدف إلى تضييق الخناق على المجتمع الفلسطيني من أجل تركيعه، ليصل في نهاية المطاف إلى رفع راية الاستسلام، مروراً بالتضييق الاقتصادي وخلق الأزمات المالية، مما يغوي أصحاب النفوس الضعيفة لارتكاب أخطاء هنا وهناك من أجل تخطي هذه الأزمات، ولكن للأسف بتصرفات غير مقبولة، قد تصل إلى السرقة والتزوير وسلب حقوق الغير، وغيرها من تصرفات مرفوضة شرعاً وعرفاً وأخلاقاً. والموظفون بصفة عامة، والعاملون منهم في المؤسسات الخدماتية بصفة خاصة، والتي لها علاقة بالجمهور، ويقومون بمعاملات تأخذ طابع الايرادات  والبعد المالي، عرضة أكثر من غيرهم للوقوع في إغواءات النفس وإغراءات المال، وخصوصاً إذا كانوا يمرون في ضائقة مالية. وهنا تظهر التربية الإيمانية للأفراد، وهل وصلت إلى حد المراقبة الذاتية الكاملة على الأعمال الشخصية والتصرفات مع الآخرين، وخصوصاً في التعاملات المالية. هنا يظهر الفرق بين شخص وآخر، فلا رقيب لك إلا الله، قد لا يلاحظ مسؤولك في العمل أو حتى زملاؤك ما قمت به من أعمال، قد تكون أنت نفسك في وقت اليسرة غير راضٍ عنها، بل وتحاربها، وترفضها جملة وتفصيلا ً. ولكن لأنك تمر في أوقات عصيبة، تحتاج فيها المال لسبب أو لآخر، فتزين لك نفسك الأمارة بالسوء هذا العمل وتبرره لك. وقد تتعود مع تكرار هذا العمل، بل هذه الجريمة عليها، وتصبح أمراً مألوفاً، وقد تصل بك الحال إلى عدم إنكاره، حينها يجب عليك أن تصلي على نفسك أربعة تكبيرات بلا إقامة ولا ركوع أو سجود، فلقد ركعت لأهوائك، وسجدت لإغراءات دنيوية، زائلة لا محالة، وحتى إن استمتعت بأثرها في الدنيا، فكيف ستلقى ربك وقد أدخلت في جوفك الحرام وما اشتريته من حرام، حينها تلقى وعدك من الله شديد العقاب، واحمل مع أوزارك أوزار آخرين عاونتهم على الإثم والعدوان، وأوزار ذريتك الذين أطعمتهم من حرام. مع التأكيد على أن الأمر لا يتوقف على المعاملات المالية، بل يشمل كل أنواع التعامل مع الجمهور، وكل العلاقات بشتى أنواعها بين الموظفين ومن الجنسين، ومعرفة أي فعل أنه حلال أو حرام، وأنه قربى إلى الله أو معصية، تقوى أو عدوان، بر أو إثم، أمر بسيط جداً، وهين على من يتحرى رضوان الله، ويتطلع إلى الفردوس الأعلى، ففي كتاب الله تعالى، وسنة نبينا المصطفى عليه الصلاة والسلام، وفي شرعنا الحنيف توضيح لذلك، بل إن في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إشارة واضحة لذلك، حيث يقول: (البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في نفسك، وكرهت أن يطلع عليه الناس). فاستيضاح أي أمر إن كان فيه إثم أو غير ذلك سهل وبسيط، لا يتطلب منك إلا أن تسأل نفسك: هل سنفعله أمام الآخرين، وخصوصاً زملاءك ومسؤولك؟ هل إذا علم به المسؤول سيشكرك عليه أم سيستجوبك ويعنفك، وربما يشكل لجنة تحقيق لك على فعلتك هذه؟. وهنا يأتي دور المسؤول في حماية موظفيه من الوقوع في هذه المشاكل، إما بتفعيل الرقابة الداخلية، أو بالمتابعة الدورية للعمل، وعدم السكوت عن أي هفوة أو خطأ مهما كان صغيراً يصدر هنا أو هناك. حتى لا يتجرأ مرتكب الخطأ أو زملاؤه على تكراره، أو ارتكاب خطأ أكبر، فتقع الواقعة التي لا يحمد عقباها. وتنزيل العقوبة بالمخطئ بكل تأكيد يساهم في دحر هذه الأخطاء وعدم تحولها إلى ظاهرة. ومن وسائل حماية الموظفين اتباع سياسة التدوير، فلها أكثر من فائدة منها تجديد الدماء، ونقل الخبرات، والتطهير، وتحريك المياه الراكدة والتي هي أكثر عرضة لنقل الفيروسات الضارة. وهنا يجب على المسؤول الإسراع في معالجة مثل هذه الأمور وعدم التستر عليها، فعلاجها يسجل له، مهما كان العلاج حتى لو كان فصل الموظف من عمله، فبسكوته يساهم في نشر الفاحشة والإثم. وعلى الموظفين أن يراجعوا أنفسهم دائماً، وأن يسألوها دوماً، هل هذا العمل فيه خير؟ أم فيه... إثم... 

الخميس، 19 سبتمبر 2013

مقاومة



زاد في الفترة الأخيرة الحديث عن المقاومة، وأنها قد تكون المطلوب رقم واحد في المنطقة للقوى الغاشمة الاحتلالية والاستعمارية والانقلابية، رغم أنها المحبوب رقم واحد للشعوب العربية بصفة عامة، والفلسطينية بصفة خاصة. وبكل تأكيد فإن أي حديث سلبي، أو أي تشويه إعلامي ضد المقاومة لا يصب إلا في مصلحة الكيان الغاصب. من هنا جاءت الاستعراضات الأخيرة لفصائل المقاومة ومسيراتها وبياناتها، لتؤكد أنها موجودة لهدف واحد، لا يختلف، أو من المفروض ألا يختلف عليه إثنان، ألا وهو تحرير المنطقة من دنس الاحتلال الصهيوني، وتطهير المنطقة منه، ومن أذنابه وعملائه، لتعيش المنطقة بل البشرية جمعاء بأمن وآمان، وباستفرار وسلام. ولكن بطبيعة الحال، هذا الأمر لا يروق للوبي الصهيوني، من هنا فهو يجند كافة قدراته وإمكاناته بوسائل متنوعة ومتعددة لمحاولة القضاء على المقاومة. ولا يسمح الكيان الغاصب بمساعدة قوى الشر العظمى الدولية والمحلية لأي دولة محيطة به أو قريبة منه أن تملك جيشاً حراً شريفاً ينتمي إلى وطنه وقوميته، ويزود عن حمى الأمة العربية، وبالتالي فلن يسمح لأي جيش نظامي أو لأي فصيل مقاوم بأن يمتلك القدرات والإمكانات العسكرية واللوجستية. ومن أجل ذلك يقوم كل فترة وفترة بخلق حالة من البلبلة والاقتتال الداخلي، شاهدنا ذلك بوضوح في لبنان، وفي العراق، بل دمر المنظومة العسكرية فيها، وشتت أولوياتها. وعمل على تدمير صناعاتهم ومقدراتهم وخصوصاً العسكرية، في ليبيا وسوريا وحالياً في مصر. وأما عن فلسطين، وهي رأس الحربة في مواجهة هذا الجسم الغريب والدخيل على الأمة، والمرفوض من البشرية، بسبب تصرفاته اللا إنسانية، يل الإجرامية في حق فلسطين أرضاً وشعباً ومقدسات، فلسطين التي استطاعت أن تزيل خرافة (الجيش الذي لا يقهر) ابتداءً من أطفال الحجارة، مروراً بالاستشهاديين والاستشهاديات، وصولاً إلى الكتائب المقاومة، والتي لقنت العدو درساً مريراً في أكثر من مواجهة، وخصوصاً في حجارة السجيل. ولأن الاحتلال لم ولن يستطع بإذن الله القضاء على المقاومة الفلسطينية لأسباب عدة، ليس بأقلها أنها أصبحت أمل الشعب الفلسطيني في التحرير والتحرر، بل أمة الأمة الإسلامية جمعاء، وأنها كذلك تطورت بصورة كبيرة ليس في مجال المواجهة والتخطيط والتنفيذ، بل والتصنيع كذلك، وهذا ما يربك حسابات العدو، ويجعله يتصرف في بعض الأحيان تصرفات غير مدروسة، فينقلب السحر على الساحر. والسبب الأهم في قوة المقاومة اعتمادها على الله سبحانه وتعالى، فثقتها بالله كبيرة، ويقينها بسنده ونصره ليس له حدود، لأنها تأخذ بالأسباب، مطبقة لأمر الله تعالى: (وأعدوا)، فهي تقوم بالأعداد والتجهيز بأقصى قدراتها وإمكاناتها البشرية، وتعلم أنه في النهاية أن الأمر بيد الله، والنصر من عنده مهما كانت قدراتها وعدتها وعتادها، فالأمر في النهاية: (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى)، و (وما النصر إلا من عند الله). وأعتقد أنه من يحمل ويحمي، ويبني ويتبنى مشروع المقاومة لا يمكن بأي حال من الأحوال، ومهما كانت الظروف، أن يحيد قيد أنملة عن المبادئ والقيم والأخلاق، وكذلك لا يمكن أن تنحرف بوصلته الجهادية ولو ميلليمتر واحد عن هدفها ومضمونها وقبلتها. وهنا في فلسطين، البوصلة موجهة باتجاهها الصحيح نحو تحرير قبلة المسلمين الأولى، والهدف واضح المعالم، ألا وهو تحرير فلسطين، كل فلسطين، والسلاح مشرع نحو عدو واحد، ألا وهو الاحتلال الصهيوني، ولا يمكن أن يوجه نحو أي جهة أخرى سواءً في الداخل أو في الخارج، بل أكثر تحديداً وحتى هذه اللحظة أعلنتها المقاومة صريحة أن ساحة الصراع محصورة في حدود فلسطين، ولن تتخطاها. وسيبقى دعم الشعب وسيتواصل للمقاومة لأنه يعلم علم اليقين أنه لا عزة ولا كرامة ولا حرية له بدون... مقاومة...

الاثنين، 16 سبتمبر 2013

وتعاونوا


طلبت مني  إبنتي أن أقوم بتنقيلها قطعة من كتاب المطالعة والنصوص، فاستوقفتني هذه الفقرة من مقال (المحبة بين الناس) للكاتب حسن منصور، يقول فيها: (فما نالت أمة نصيبها من رغد العيش، واستقرار الرأي، إلا بالتعاون والاتحاد، ولا فاز شعب بحقه في الاستقلال، ونصيبه من التقدم والازدهار، إلا بتكاتف أفراده، واجتماع كلمتهم، وتعاونهم تعاوناً صادقاً فيما ينفع مجتمعهم، ويقوي وجودهم، ويزيد من تضامنهم في تنفيذ كل عمل مفيد للصالح العام). وحقيقة كم نحن بحاجة لتطبيق ما جاء في هذه الفقرة من مفاهيم ومبادئ، تعاون واتحاد، تكاتف واجتماع. هذه المبادئ الأساسية لأي مجتمع حتى يعيش حياة سعيدة، مليئة بالتفاهم والتآلف والتكامل. وما أعظمه من تعبير حينما ربط حرية الأمة واستقلالها بتعاون أفرادها، وتضامنهم مع بعضهم البعض. وهذه المفاهيم وأهميتها وحيثياتها جمعتها الآية الكريمة التي يقول فيها الله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان). فقد حددت الآية الكريمة معالم التعاون بما فيه خير الجميع وصلاح الدنيا والآخرة، والنهي عما يسبب، أو قد يؤدي إلى فساد البشرية، وكساد حال المجتمعات. ولقد اشتملت الآية حسب ابن القيم رحمه الله على جميع مصالح العباد في معاشهم ومعادهم، فيما بينهم بعضهم بعضاً، وفيما بينهم وبين ربهم. وقد يستطيع الفرد لوحده القيام بما جاء في مفاهيم الآية الكريمة من بر وتقوى، ولكنها الجماعة، والعمل الجماعي، وما يتركه التعاون والاتحاد فيما بينها من آثار إيجابية، ونتائج أكبر وأفضل، فيد الله مع الجماعة، والشيطان من الجماعة أبعد. وانظروا إلى هذه المثال الذي نعيشه يومياً، فقد يؤدي الفرد الصلاة لوحده وتكون صحيحة ومقبولة بإذن الله، ولكن كم يتضاعف الأجر عندما تكون في جماعة؟، إنه التعاون على البر والتقوى. وتكون المجتمعات في أمس الحاجة إلى هذه القيم في وقت الأزمات أكثر من باقي الأوقات، لأنه في الأزمات قد تظهر الأنانية والتفرد والاحتكار والاستغلال، وتظهر معها الحاجة إلى التعاون والتعاضد حتى تمر هذه الفترة الصعبة من حياة المجتمع. ولو أكملنا الآية الكريمة لنجد أن الله تعالى توعد من لا يطبق هذا الأمر بأشد العقاب، (واتقوا الله، إن الله شديد العقاب)، وما من كوارث تصيب البشرية والأمم إلا بسبب التعاون على الإثم والعدوان، (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس). وما أجمل حديث الدكتور محمد راتب النابلسي عن التعاون، حيث يقول: (يبدو أن التعاون الذي أراده الله سبحانه وتعالى يأخذ مناحي عدة، فهناك تعاون فكري، هناك تعاون مالي، هناك تعاون مادي في الأجسام والأعمال، وهناك تعاون نفسي، وقد أمرنا أن نفعل كل هذه الأعمال من التعاون). إذن للتعاون أوجه عدة وطرق متعددة، كلها يؤدي إلى رضا الله، وتحقيق المصلحة الفردية والعامة. ومن أوجه التعاون النصح والشورى وتطبيق القرارات، وتيسير المعسر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتواصي بالحق وبالصبر وبالمرحمة، والتعاون في نزع فتيل الفتنة والبلبلة والفرقة، والعمل على ثبات الأمن والآمان والاستقرار، ومحاربة الاستغلال والاحتكار. وصدق الشاعر حين قال:
معاً للمعالي يداً باليد نشيد البناء بكل الهمم..
وكل الأيادي إذا اجتمعت دنا المجد حتما لنا وابتسم..
بغير التعاون لن نرتقي وليس لنا ذكر بين الأمم.
فهي دعوة إلى الجميع أفراداً ومؤسسات، مسؤولين ومواطنين، إلى العمل بهذه القيم والمبادئ، عسى الله ينظر إلينا ونحن يداً واحدة وعلى قلب رجل واحد، متعاونين متكاتفين متحدين مجتمعين، فيغير حالنا هذا إلى أحسن حال، وتكون يده معنا، فيزيل الهم والكرب، ويكتب الفرج والخير من عنده، فهو القادر على كل شئ، والرحيم بعباده، ولن يكون ذلك إلا إذا أخذنا بالأسباب، وعلى رأسها تنفيذ أوامر الله تعالى، ومنها... وتعاونوا...

الأربعاء، 11 سبتمبر 2013

حصار


لقد اختصرت الفنانة القديرة أمية جحا في كاريكاتيرها الأخير واقع قطاع غزة، والمعاناة الشديدة التي يعيشها هذا الشعب المرابط على هذه القطعة الصغيرة من أرض فلسطين. شعب محاصر من كافة الجوانب  ومن كافة الجهات من كافة الأطراف، حتى أصبح مخنوقاً تماماً بين فكي الكماشة. وللأسف تنوعت الجهات المشاركة في هذا الحصار الغاشم والظالم. فبعد أن تمعن الاحتلال في حصار غزة وشعبها منذ ما يزيد عن ست سنوات، بسبب خيارها الديموقراطي بانتخاب من يمثلها، ومن يقودها، ليحقق لها ليس فقط أمنها وأمانها بمجابهة فرق الظلم والموت، بل وشطبها نهائياً بلا رجعة من قاموسها المحلي، وكذلك من يحقق لها عزتها وكرامتها بمجابهة الاحتلال ومقاومته ودحره إن فكر مرة جديدة باحتلال هذه البقعة المباركة بشعبها التي تم تطهيرها من دنسه، حتى وإن بقي له أعوان يحاولون بين الفترة والأخرى زعزعة الأمن من خلال مشاركتهم في محاولات الاغتيال وتوصيل معلومات وبيانات ودس الفتنة هنا وهناك، وليس بآخرها المحاولة البائسة واليائسة من إيجاد ما يسمى بحركة تمرد. هذه الحركة لن ترى النور بإذن الله على أرض الواقع، بل هي مجرد غوغائيات في نطاق العالم الافتراضي في مواقع التواصل الاجتماعي، ولن تتعدى هذا النطاق، بل ستندثر كذلك قريباً بإذن الله حتى من على الصفحات التواصلية إن تم إهمالها وإعطاؤها حجمها الحقيقي، ولا حجم لها. ستندثر وسيندثر الاحتلال وحصاره الغاشم، لأنه ببساطة، غزة وشعبها صابرون محتسبون، رغم المعاناة ورغم الآلام والأزمات والصعوبات التي مر ويمر بها، فثقته بالله كبيرة، ويقينه بأن قيادته الحالية هي خير من تمثله، رغم التشويهات الإعلامية، ورغم الأخطاء البشرية التي قد تحدث هنا وهناك من مسؤول أو آخر. وهم يعلمون أن هذه القيادة لا تدخر جهداً في الوصول بالشعب إلى حياة سعيدة هانئة، وهي تواجه الضغوطات من الجميع دون استثناء. وللأسف فقد تعددت أبواق الباطل التي بنعيقها تساهم في تعميق الخناق على أبناء الشعب في النواحي الحياتية الاقتصادية وحتى الإنسانية وحتى الإعلامية. وما نشهده في الفترة الأخيرة من إجراءات ظالمة من الجيش المصري بتدمير الأنفاق، وتفجير البيوت المتاخمة للحدود الفلسطينية المصرية، وإغلاق المعبر، لم نكن نتوقعها أو نتخيل أن تحدث في يوم من الأيام. فمصر كانت وستبقى بإذن الله الرئة التي يتنفس من خلالها القطاع وأبناء القطاع. وقناعتنا أن هذا التغيير هو بمثابة سحابة صيف وستنقشع، ويعود الأمن والأمان والاستقرار إلى مصرنا الحبيبة، لتعود معه الحياة إلى غزة. ولكن إلى حينه لا بد من التراجع عن هذه السياسة الخاطئة والممارسات غير المقبولة من تدمير أنفاق وغلق المعبر. هذان الأمران يؤديان بلا أدنى شك إلى تعطيل الحياة، ولا أريد أن أقول إلى قتل الحياة، فهما الشريان الوحيد للمواد الأساسية والسلع الضرورية والاحتياجات الانسانية من أدوية وخلافه، ومن مستلزمات حياتية. وكذلك إغلاق معبر رفح الذي يؤدي إلى فقدان الكثير مواقع عملهم في الخارج، وعدم تمكن آخرين من الالتحاق بجامعاتهم، والمرضى من السفر للعلاج في الخارج، والسلبيات كثيرة لا تعد ولا تحصى. وإن كانت السلبية الأكبر والأكثر جرحاً هي السلبية المعنوية، فكنا وما زلنا ننظر إلى مصر بأنها الأخ الأكبر، وأنها الحاضنة لعموم الأمة العربية، والتي تدعم إخوانها وأشقاءها وأبناءها وخصوصاً في فلسطين معنوياً ومادياً، فهي السند الحقيقي والأول ليس في تحقيق وتوفير متطلبات الحياة، بل في تحرير فلسطين كل فلسطين بإذن الله. فبالتالي لا نتوقع أن تستمر كثيراً بأن تكون أحد أذرع الكماشة، بل ستردد عملياً وقريباً غزة حرة عزيزة مكرمة وبلا...حصار...

الأحد، 8 سبتمبر 2013

شراكة





قبل أيام دعا دولة رئيس الوزراء الجميع للمشاركة في إدارة قطاع غزة، وأعتقد تماماً أنها دعوة جادة وحقيقية. وهذا ليس بالشئ الغريب ولا الجديد، فهذا هو نهج والتصرف الطبيعي لمن هو مقتنع تمام الاقتناع أن الوطن من الجميع وللجميع. لا يمكن أن يقوم وينهض إلا بجميع مكوناته وأبنائه، ولا يمكن أن يكون إلا لجميع الأطراف والأطياف والألوان، وإلا فإن الشعب مهما صبر فلن يتحمل كثيراً. ولكننا للأسف حتى هذه اللحظة لم نرى تجاوباً يرقى إلى أهمية الدعوة في المضمون والتوقيت. وإن كان المسير العسكري الجماعي (حتى مع تخلف بعض الفصائل عنه) يعتبر مؤشراً إيجابياً ويبنى عليه، ولكننا ما زلنا بحاجة إلى المزيد من القرارات الشجاعة من الفصائل ومن مؤسسات المجتمع المدني لترجمة هذه الدعوة إلى حقيقة وإلى واقع يلمسه الجميع، ويراه القاصي قبل الداني، لأنه بكل تأكيد سيكون المسمار الأخير في نعش الانقسام، بل إن شئت فقل في نعش الاحتلال، فقوتنا في وحدتنا، ووحدتنا هي قبول كل طرف منا بالآخر. صحيح أنه لكل منا أفكاره وتوجهاته ومبادئه، ولكنها في الغالب لا تختلف عن بعضها البعض كثيراً، فإن كان هدفنا وبصورة حقيقية هو تحرير فلسطين، فبكل تأكيد ستلتقي هذه الأفكار في نقطة واحدة تتجمع فيها، وتشد من بعضها البعض، لتكون نقطة الانطلاقة الحقيقية للتحرير الفعلي لفلسطين كل فلسطين، وليس كما يتخذها البعض مجرد شعارات تنطوي مع أول منعطف، أو مع أول نقطة حرجة تواجهه في مساره. وإن كان تحرير فلسطين هو الهدف الأكبر الذي يسعى له الجميع، فهناك بكل تأكيد أهداف آنية، بتحقيقها نصل إلى الهدف المرموق، وليس بأقلها مواجهة التحديات والمخططات التي يرسمها البعض لضرب غزة، بما تعنيه الكلمة في كافة نواحي مجالات الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية وغيرها من مجالات. هذه المخططات تتطلب منا جميعاً أن نضع خلافاتنا على جنب، ونبدأ مرحلة جديدة مبنية على مفهوم الشراكة لا التفرد، وعلى مفهوم التكامل لا الحزبية. وإن كنت أؤكد أنه حتى هذه اللحظة لم يصدر قرار واحد مبني على الحزبية ولا بصورة متفردة، ولكن ما نقوله هو من باب التأكيد على أن الأيادي ممدودة للجميع لشراكة حقيقية قائمة على التفاهم والتكامل والتعاون والتناصح، وبكل تأكيد هدفها مصلحة الشعب بكامل نسيجه المجتمعي وبكل أطيافه وألوانه وتوجهاته. وبطبيعة الحال المجال مفتوح للمشاركة المجتمعية، فلن نصل إلى ما نسعى إليه إلا بتكامل القطاع العام مع القطاع الخاص، فقوة القطاع الخاص هي قوة للقطاع العام، ولا قوة للقطاع الخاص إلا بدعم القطاع العام، فالجميع مكمل لبعضه البعض، وفي قوتهما فائدة للمجتمع. وكذلك الأمر بحاجة إلى تعاون مؤسسات المجتمع المدني ومنها بل على رأسها المبادرات الشبابية مع المؤسسات الحكومية، تعاون كامل يؤدي لتحقيق المشاركة الحقيقية والشراكة الكاملة. وعملياً أقول أن العديد من الوزارات تسعى لمشاركة القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني قي قراراتها وفي خططها وفي مشاريعها، فعلى سبيل المثال ما قامت به وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في إفساح المجال للقطاع الخاص والمؤسسات المجتمعية ذات العلاقة بالمشاركة في وضع الاستراتيجية الوطنية لقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وحالياً نفس الأمر تقوم به وزارات أخرى. إذن هي دعوة جادة وهادفة ونبيلة للجميع، فمهما اختلفنا ففلسطين تجمعنا وتوحدنا وتستحق منا إنكار ذاتنا والتنازل عن الكثير من الآراء الشخصية من أجل المصلحة العامة، فمن أجل ذلك، ومن أجل مستقبل واعد   لا بد أن نسعى جميعاً أن نكون يداً واحدة وعلى قلب رجل واحد، وهذا يحتاج من الجميع إلى تعاون وتكامل و... شراكة...

الخميس، 5 سبتمبر 2013

عجبي



تطرق الأديب والفنان ورسام الكاريكاتير المصري صلاح جاهين في كثير من أعماله إلى أمور مجتمعية عدة بنظرة ناقدة ناصحة، وفي بعض أحيان فاضحة، ورغم اعتراضنا على كثير منها، وخصوصاً التي يتطاول فيها على علماء الدين، إلا أنه في المقابل كان له بعض الأعمال التي انتشرت بغزارة، لأنها خاطبت الحس المجتمعي، وخصوصاً رباعياته، والتي ذيل جميعها بكلمة (عجبي)، ومما جاء فيها:
عجبي على العجب العجيب العجاب
لما الحقيقة تطل بعد احتجاب
وعلى هذا النسق أترككم مع مجموعة من العبارات، أو قل إن شئت بالمصطلح العصري، مع مجموعة من التغريدات ذات العلاقة، والتي تبدأ بـ(عجبي)، بعضها يتطرق إلى نقاط سلبية منتشرة في المجتمع، والبعض الأخر إيجابي، عساها تلقى أثراً بين قارئيها:
عجبي ممن يعلم أن الحياة فانية فيتمسك بها كثيراً؛ ويعمل كأنه لا شئ بعدها.
عجبي ممن يعلم أن الموت سيدركه؛ ولا يعمل لما بعد الموت.
عجبي ممن يدرك أن رزقه مقدر من رب العالمين؛ فيتوسل لبشر مثله.
عجبي ممن يقينه أن الأمر بيد الله؛ ويتوجه لغيره.
عجبي ممن يعرف أنه يجب أن يسعى لرزقه؛ ويقف متواكلاً في مكانه.
عجبي ممن يعلم أن الله يعلم ما تخفي نفسه؛ ويجاهر بالمعصية.
عجبي ممن يحفظ كلام الله ولا يتدبره؛ ولا يطبقه.
عجبي ممن عرف طريق الحق والرشاد والسعادة في الدنيا والآخرة؛ ويحيد عنه.
عجبي ممن يقابلك بوجه أبي بكر وبقلب أبي جهل.
عجبي ممن يرى المنكر؛ ولا يسعى في تغييره.
عجبي ممن يسعى في نشر الفاحشة؛ وهو يقصد أو لا يقصد.
عجبي ممن يسعى في الأرض فساداً؛ وهو يحسب أنه يحسن صنعاً.
عجبي ممن يدعو الناس للفلاح؛ وينسى نفسه.
عجبي ممن يلقي الخطب العصماء؛ ولا ينفذ كلمة منها.
عجبي ممن لم يترك طريقاً للفساد؛ إلا وسلكه.
عجبي ممن يسعى في إصلاح بيوت الآخرين؛ وبيته آيل للسقوط.
عجبي ممن ينظر إلى عورات الناس؛ ونسى أنه له عورات كذلك.
عجبي ممن حباه الله من فضله الكثير؛ ولا يحمده على ذلك.
عجبي ممن يستبدل الذي أدني بالذي هو خير.
عجبي ممن تنسم ربيع الحرية؛ ولكنه آثر العودة للعبودية.
عجبي ممن يقف محايداً، ولا يدعم الحق، ظاناً أنه ينأي بنفسه عن الحساب.
عجبي ممن يبحث عن سبب المشكلة؛ ولا يبحث في  طرق حلها.
عجبي ممن يتفنن في عذابات الناس؛ وينسى أن هناك يوم حساب وعقاب.
عجبي ممن يقرأ كتاباً أو أكثر، فيطلق على نفسه خبيراً، أو استشارياً.
عجبي ممن يستعجل في قطف الثمار قبل نضجها.
عجبي من المسؤول الذي ينسى أنه سيسأل في يوم من الأيام.
عجبي من المسؤول الذي يعتقد أنه مخلد في مكانه.
عجبي ممن يمشي بالغيبة والنميمة بين الناس؛ ويظن أنهم سيرحموه بعد تركه لهم بثوانٍ.
عجبي ممن ينتقد تسلط رئيسه عليه؛ وهو يمارس نفس الأمر مع مرؤوسيه.
عجبي ممن ملأ الظلام قلبه؛ رغم النعيم الذي يحيطه من كل جانب.
عجبي ممن يحسد الآخرين على ما هم فيه؛ رغم أنه أفضل منهم.
عجبي ممن في ريعان شبابه؛ ويتصرف برعونة أو كأنه شيخ كبير.
عجبي ممن بلغ من العمر عتياً؛ ويتصرف تصرفات صبيانية.
عجبي ممن همومه كزبد البحر؛ ولكن الابتسامة لا تفارقه.
عجبي ممن يزرع السعادة في قلوب الآخرين؛ وقد يكون بحاجة لها.
عجبي ممن لا يجد قوت يومه؛ ولكنك تحسبه غنياً.
عجبي ممن فقد كل مقومات الحياة؛ ولكنه لم يفقد الأمل.
عجبي ممن فقد البصر؛ ولكنه مفعم بالبصيرة.
عجبي ممن يعرف أن طريق النجاة مليئة بالأشواك؛ ولكنه متمسك بها.
عجبي ممن لا تسلك طريقاً لإرضاء الله إلا ووجدته أمامك.
عجبي ممن يذكر اسم رسول الله أمامه عليه الصلاة والسلام؛ ولا يصلي عليه.
لكل هؤلاء لتصرفاتهم السلبية، أو الإيجابية، لا أملك إلا أن أقول لهم... عجبي...

الاثنين، 2 سبتمبر 2013

رقيب


تسعى الدول المتقدمة إلى راحة مواطنيها، ولتقديم الخدمات اللازمة لهم وفق إمكاناتها وقدراتها على أحسن وجه. ومن أجل ذلك فهي تحسن من أدائها باستمرار، وتضع الخطط المدروسة، وتنفذ المشاريع التطويرية، وتنمي القدرات البشرية لهم، وتستحدث مفاهيم التنمية المستدامة والجودة والحكومة الالكترونية، وغير ذلك من مفاهيم تساهم في تقدم المجتمعات وتطورها وفق إدارة رشيدة. ولقد قسم علماء الإدارة الوظائف الإدارية لأي مؤسسة أو لأي عمل إداري حتى يتم تنفيذه بتميز إلى خمس وظائف وهي: التخطيط والتنظيم والتوظيف والتوجيه والرقابة. إذن للرقابة دور هام وحيوي وفعال في تحقيق الإدارة السليمة وفي تطبيق الحكم الرشيد. ولن نسهب في أهمية الرقابة وفوائدها وأهميتها وما تمثله من تغذية راجعة لصناع القرار والمسؤولين في سبيل التقييم والتقويم والتطوير، فهذا أمر من المفروض أن يكون بديهياً، وإن كان وأقولها للأسف: إن هذا المبدأ وهذا الإجراء الوقائي والتصحيحي بل والتطويري كذلك غير مرغوب به، بل وفي كثير من الأحيان قد يصبح أعضاء فريق الرقابة غير محبوبين من بعض الموظفين، لأنهم يعتقدون أنهم جاءوا ليتصيدوا الأخطاء، وليبحثوا عن نقاط التقصير في أعمالهم وفي إداراتهم. وكلنا يذكر العبارة المغلوطة (من راقب الناس مات هماً)، والتي كتبها الكثير من الطلبة على السبورة في أوقات الامتحانات، كمحاولة واهية لثني المدرس عن مراقبتهم، ليتمكنوا من الغش بدون رقيب، فالرقابة إذن أمر غير محبوب من النفس البشرية.
وأقولها بصراحة، إن مفهوم الرقابة الصحيح لم يصل في مجتمعاتنا إلى المستوى المطلوب، لا من الجهات القائمة عليها، ولا من الموظفين بصفة عامة، وهذا يتطلب جهداً أكبر من القائمين على هذا العمل الهام والأساس في الحياة العملية وخصوصاً الحكومية منها، مع التأكيد على أن المجتمعات النامية بحاجة إلى الرقابة على عملها أكثر من المجتمعات الراقية، وذلك لسد مداخل الفساد الإداري والمالي، والتي تعتبر العائق الأهم والأكبر أمام التنمية. وتتنوع الرقابة في الحكومة وتتعدد من أكثر من جهة، فهناك المجلس التشريعي الذي يمارس الرقابة من خلال لجانه المختلفة، وهناك ديوان الرقابة المالية والإدارية، والإدارة العامة للرقابة في وزارة المالية ولها مندوبون في كافة الوزارات، وكذلك وحدة الرقابة الداخلية في كل المؤسسات الحكومية (وإن اختلف مسماها من جهة لأخرى)، بالإضافة إلى رقابة المجتمع. ومهما تعددت هذه الجهات ومهما كان مستوى القائمين عليها فإن الرقابة الأكثر نجاعة والأكثر تحقيقاً للهدف منها هي الرقابة الذاتية. فإن لم يكن الوازع داخلياً والدافع لحسن الأداء وشفافيته وصحته ذاتياً، والقناعة شخصية بذلك فلن تنفع مع هذه النفس أي رقابة، بل إن الموظف سيستطيع التهرب منها والالتواء عليها وتغطية أفعاله بإجراءات  ظاهرياً سليمة مئة بالمئة. والموظف المسلم الذي يتدبر قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)، وقوله: (ﻣﺎ ﻳﻠﻔظ ﻣﻦ ﻗﻮﻝ ﺇﻻ ﻟدﻳﻪ ﺭﻗﻴب ﻋﺘﻴد)، (وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا)، (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ)، والآيات كثيرة في هذا المضمون، والذي يستشعر حديث المصطفى (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه، وعن علمه فيم فعل به، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه)، والذي يستمع إلى قول ابن القيم (المراقبة دوام علم العبد وتيقنه باطلاع الحق سبحانه وتعالى على ظاهره وباطنه)، والذي يقرأ أبيات الشاعر:
إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل...خلوت ولكن قل علي رقيب
ولا تحسبن الله يغفل ساعة...ولا أن ما تخفيه عنه يغيب..
سيستشعر حجم الأمانة الملقاة على عاتقة والمسؤولية المناطة به بتأدية واجباته على أحسن وجه سعياً للوصول لدرجة الإحسان، بالتالي سيكون لذاته ولأعماله خير... رقيب...