الخميس، 31 أكتوبر 2013

خضراء


الكتيبة الخضراء، والسرايا الصفراء، وليس بعيداً أن نسمع الساحة الحمراء، أو الدوار الأسود، وغيرها من مسميات. ألوان ألصقناها بمساحات مفتوحة. الأولى تم تجهيزها لتكون متنفساً لأبناء القطاع، وخصوصاً أنها قريبة من منطقة الجامعات. والثانية هي أرض فضاء اكتسبت هذه الصفة بعدما قام المحتل بتسوية المباني التابعة لوزارة الداخلية، والتي كانت مقامة عليها بالأرض، لتضيف للمجتمع الغزي فراغاً حضرياً جديداً، يمكن استغلاله ليكون مركزاً عمرانياً لهذه المدينة، بعد أن امتلأت كل جنباتها بالكتل الأسمنتية، وفي غالب الأحيان غير المتناسقة، ولا تشكل نسيجاً عمرانياً، ولا تشكيلاً معمارياً مميزاً. فقد اختلطت كل النظريات المعمارية والأسس العمرانية بصورة عشوائية غير مدروسة، وإن كانت تشكيلات الواجهات الحديثة تحاول إضفاء لمسة جديدة على هذه الكتل، عساها تسر الناظرين، وتساهم في تشكيل ذوقهم، وترسم معالم وجوههم بعد الارتياح النفسي لرؤيتها. وليسمي كل منا هذه الأماكن بما يشاء من أسماء، وليطلي عليها ما يريد من ألوان، وهي نابعة من تشكيله الحزبي للأسف، ولكن شاء أم أبى الجميع فهي في النهاية خضراء تملأ العيون بلون الطبيعة، الذي يضفي للمكان رونقاً واتساعاً وجمالاً وبهاءً، فهو اللون الذي يذهب التوتر، ويجلب للنفس الطمأنينة والسكون، ويريح الأعصاب، ويدل على النمو والاتزان، وكفى أنه لون ثياب أهل الجنة، (ويلبسون ثياباً خضر من سندس وإستبرق)، جعلنا الله وإياكم من أهلها. وبطبيعة الحال هذا الوصف بعيد عن التعصب الحزبي، ففي النهاية قوس قزح لم يمتلك جماله الباهر إلا بتعدد ألوانه، وانسجامها وتكاملها مع بعضها البعض، لتخرج بهذه الظاهرة الطبيعية واللوحة الجمالية بطيفها المتعدد والمتكامل في نفس الوقت. ومَن تجول في أيام العيد في مدينة غزة وجد أن كل هذه المساحات المفتوحة من أرض الكتيبة إلى أرض الميناء التي تحولت من مكب لركام أنقاض الحرب إلى قبلة للمواطنين بعد إنشاء الحديقة الأوروبية، وحتى قبلها بعد التطويرات التي جرت في المكان، فكانت في الصيف وفي رمضان ملاذاً للعائلات، فامتلأت الميناء والكتيبة والمنطقة المقابلة للسرايا، المعروفة بأبو خضرة، (عدنا للألوان، ولكن في هذه الحالة اللون جاهز من البداية)، وقد تم تسوية مبانيها بالأرض في معركة حجارة السجيل، لكنها تحولت أيام العيد إلى مدينة ألعاب للأطفال، وجدوا فيها متنفساً لتفريغ الطاقات الزائدة، ومجالاً للترويح عن الكبار قبل الصغار. وبالتأكيد امتلأت مدينة أصداء وبيسان، وغيرها من أماكن مماثلة من الشمال للجنوب بالزوار، رغم قلتها. فكم شعبنا بحاجة إلى هذه المرافق وإلى هذه الفراغات المفتوحة، ليمتد بصره أكثر من مسافة أربعة أمتار، هي في الغالب أبعاد غرف البيت أو مكان العمل، ليمتد معها خياله وأفقه ومداركه، ولتتفتح معها قريحته وتنفرج أساريره. وهنا كم أتمنى أن يتم تشكيل توجه شعبي لاتخاذ قرار حكومي جريء بأن تبقى هذه المساحات فضاءات مفتوحة، رغم علمي بأن منطقة أبو خضرة موقوفة كمستشفى، ولكن سؤال بسيط: هل ما زلنا بحاجة إلى مستشفيات؟ وتساؤل آخر أليس في هذه الفراغات (السرايا وأبو خضرة) عندما تتحول إلى أماكن للتنزه واللعب وتفريغ الشحنات الزائدة والترويح عن النفس والتعرض للهواء الطلق والشمس الساطعة، فيها شفاء للروح والجسد من كل الأمراض النفسية والبيولوجية؟، (هذا موضوع نتركه لأهل الفتوى، ونأمل أن يجدوا مخرجاً ولن يعجزوا). وليشرح أهل علم النفس والاجتماع مدى تأثير زيادة الفراغات المفتوحة على تقليل معدل الجريمة!. وفي النهاية أوجه همسة عتاب للمواطنين: هذه المرافق في النهاية لكم وملككم، تم إنجازها من أجلكم، فحافظوا عليها واهتموا بنظافتها، حتى تستمر الكتيبة والسرايا وأبو خضرة والميناء وغيرها، وحتى تبقى... خضراء...

الاثنين، 28 أكتوبر 2013

نهضة



مصطلحات عدة نسمعها في السنوات الأخيرة، يرددها العديد، تصدر حولها كتب ومؤلفات، وتعقد حولها دورات وندوات، تسعى لها المجتمعات النامية، ويرفعها آخرون في شعاراتهم لتكون ضمن برنامجهم الانتخابي. من هذه المصطلحات أو الشعارات: الجودة، التنمية، النهضة. وهنا سأتحدث بإيجاز عن النهضة، بذكر بعض نماذجها الناجحة. وأبدأ بسؤال تم توجيهه لمهاتير محمد عن سبب نهضة ماليزيا، فأجاب: (أن تجعل الشعب كله يفكر في المستقبل). وفي تحليل سريع لهذا الجواب، هناك أربع نقاط يمكن ذكرها: توجيه الشعب للصالح العام، وهذا يحتاج إلى دراسة من جهة قيادية حكيمة، وفق خطط رشيدة لإدارة البلاد، فوجود جهة رسمية ترسم المسار، وتحدد خارطة الطريق، يعتبر العامل الأساس في نهضة الشعوب. النقطة الثانية: النهضة لا تكون إلا بكل مكونات الشعب، وليس بفئة دون فئة، فيجب أن تشمل الشعب بكل نسيجه المجتمعي، وشرائحه وطبقاته. وثالث هذه النقاط يتعلق بأهم مسببات النهضة، ألا وهو إعمال العقل والتفكير، بالتالي وضع الخيارات الأنسب، التي بها تتحقق النهضة. والنقطة الرابعة تخص النظرة الثاقبة والواعية، ألا وهي النظرة المستقبلية، فإن فكر الجميع وعمل على تحقيق غد مشرق ومستقبل واعد، فإن تطوير الحاضر يصبح أمراً واقعياً، أو كما يقال تحصيل حاصل. ونترك ماليزيا لنتوجه إلى البلد التي وُعِدنا قبل حوالي عشرين سنة أننا سنصبح مثلها، ألا وهي تلك الجزيرة الصغيرة في المساحة، الكبيرة في التقدم والتطور والنهضة: سنغافورة. بلد كانت من ضمن الدول النامية، حتى جاء صانع نهضتها، لي كوان يو الذي رسم طريق النهضة، وعرف العوامل التي تؤدي لها. اسمعوا له وهو يقول: (الدول تبدأ بالتعليم، وهذا ما بدأت به عندما استلمت الحكم فـي دولة فقيرة جداً، اهتممت بالاقتصاد أكثر من السياسة، وبالتعليم أكثر من نظام الحكم). فتقدمت سنغافورة في كل المجالات، فكانت أول دولة طبقت الحكومة الالكترونية. وسعت للنهضة من خلال الاهتمام بالكرامة البشرية، وباختيار العنصر البشري المناسب في مكانه الصحيح، (اخترنا دائماً الفرد أو العنصر الأفضل لأي مهمة أو واجب، مهما كانت انتماءاته)، والكلام للي كوان يو، الذي اختار اللون الأبيض كزي موحد لأفراد حزبه كدلالة على الشفافية والنظافة. وننتقل معكم إلى بطل الفقراء، وصانع نهضة البرازيل الحديثة لولا داسيلفا، الذي استطاع خلال دورتين رئاسيتين أن ينهض بالبرازيل من هاوية الفقر والاقتصاد الضعيف إلى دولة تملك فائضاً ومخزوناً مالياً كبيراً، وذلك من خلال خطة اعتمدت على النهوض بالاقتصاد، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وتحديث الجيش، وقبلها الاستثمار في التعليم. ودلالة على نهضتها السريعة، استطاعت البرازيل أن تحظى بشرف تنظيم كأس العالم لكرة القدم في العام المقبل، ودورة الألعاب الأوليمبية عام ٢٠١٦. ورغم أن أمثلة الدول التي استطاعت أن تشهد نهضة ملحوظة كثيرة، إلا أنني سأكتفي بالمثال الأخير عن تركيا. تركيا التي لا يتسع المقال لذكر خطواتها النهضوية في ظل حكم حزب العدالة والتنمية لها خلال العشر سنوات الماضية، وعلى رأسها أردوغان. ولا ينكر أحد كيف استطاع هذا الرجل من الصعود بتركيا من طريق الانحدار إلى القمة في كافة القطاعات، لتحجز مكاناً مرموقاً بين الدول اقتصادياً وسياسياً كذلك. وعن سر نهضة تركيا يقول أردوغان: (سياستنا الأفعال لا الأقوال)، وفي جواب آخر يقول: (أنا لا أسرق). فهي إذن سياسة مبنية على الشفافية والنزاهة والعمل المتواصل في كافة المجالات. وهنا نرى أن كل النماذج من أجل تحقيق نهضة شعوبها، ركزت على القطاع الاقتصادي، فالأبدان الجائعة لا يمكن أن تنتج، ولا تستطيع أن تعمل بالاتجاه الصحيح، واهتمت بالقطاع التعليمي فلا تطور ولا تقدم إلا وفق أسس علمية، والشعب الجاهل لا تجدي معه أي سياسة نهضوية، وكذلك القطاع الأمني بمفهومه الواسع من خلال الاستقرار والعدالة والشفافية والنزاهة. وصدق الله تعالى الذي قرن عبادته بأمرين (الذي أطعمهم من جوع، وآمنهم من خوف) وهو عز وجل الذي أنزل القرآن فيه تبيان كل شئ، وأول كلماته كانت (اقرأ). فهل رسمنا خارطة طريق فيها خير البلاد والعباد، ويكون شعارها ونتيجتها... نهضة...

الخميس، 24 أكتوبر 2013

اختلاف



مما لا شك فيه أن حالة التوافق والانسجام والتنسيق التام بين أفراد المؤسسة الواحدة أو حتى المجتمع، لها دور كبير في نجاح هذه المؤسسة، أو تقدم هذا المجتمع. ولكن بالطبيعة البشرية هذه الحالة لا تكون في كل الأوقات، أو في كل المواقف. وهذا أمر فطري، وهذا ما أيدته الآية الكريمة: (وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ). وهذا الاختلاف ينتج عن اختلاف المشارب والبيئة التي نشأ كل واحد فيها، وكذلك التربية التي شب عليها من البيت والشارع والأصدقاء والمدرسة والمسجد والجامعة وغيرها من محاضن متعددة تساهم في تكوين شخصية الفرد، مما ينتج معها تنوع في الطباع وتعدد في الأفكار. ومن المؤكد أن تنوع الآراء حول نقطة معينة وتعددها وبالتالي اختلافها عن بعضها البعض، وبلا أدنى شك، يثري النقاش حول هذه النقطة، ويضع أمام صانع القرار خيارات عدة وبدائل متعددة وحلول متنوعة، قد يأخذ بأحدها، أو يمزج بعضها ببعض ليخرج بالخيار الأفضل والحل الأمثل. بالتالي فإن من مهارات القائد الناجح كيفية إفساح المجال لاختلاف وتنوع الرؤى المقدمة من مساعديه أو موظفيه، حتى يضمن استمرارية نجاحه، بل وتقدمه في مؤسسته. وأود هنا الإشارة والتأكيد على نقطة مهمة، ومبدأ أساس في عمل المؤسسات وفي إدارة المجتمعات، ألا وهو: أن نكون على قلب رجل واحد لا يعني مطلقاً أن نكون على شاكلة أو هيئة رجل واحد، سواء في نمط التفكير، أو طريقة الإدارة، أو حتى في المظهر والسلوكيات الفردية في التعامل مع الآخرين، أو في مختلف المواقف. وهنا الاختلاف، أو إن شئت قل التنوع محمود ومطلوب وضرورة للتقدم. وهذا لسبب بسيط، أنه عندما يكون الجميع نسخة طبق الأصل، أو إذا تم اتباع سياسة النسخ واللصق، أو التقليد،  فإنها ستؤدي غالباً إلى نفس النتائج، والتي قد يشوبها النقص، أو الجمود، وحتى لو كانت هذه النتائج إيجابية، فإنها مع تغير البيئة المحيطة بالمواقف، وكذلك مع البعد الزمني فإنها ستتناقص تدريجياً، أو قد تنقلب إلى سلبيات، أو على الأقل فإنها ستولد رتابة مملة، وتكرار يفقد بريقه مع الزمن. والاختلاف المقصود هنا في أمور الدنيا المتروكة للبشر صياغتها وإدارتها والتعامل معها كيف يشاؤون، وليس بطبيعة الحال في أمور الدين المتفق عليها، حينها يصبح الاختلاف مذموماً ومرفوضاً، ومما جاء في أحاديث المصطفى عليه الصلاة والسلام قوله: (وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين)، وهذا لا يتنافى مع المقولة المشهورة: (اختلاف الأئمة رحمة للأمة)، فاختلافهم هنا في اجتهاداتهم وفتاويهم هي التي تأتي ضمن حدود الشرع، وفي الأمور الفرعية، وليس في الأصول. ويندرج ضمن الاختلاف المذموم، ذلك الذي يأتي انتصاراً للنفس، أو اتباعاً للهوى، أو بهدف الشذوذ عن الجماعة.
وأمر آخر نحن بأمس الحاجة إليه طالما أننا أكدنا أن الاختلاف أمر طبيعي ووارد في كل المجتمعات، وخصوصاً ونحن نعيش عصر الانفتاح المعلوماتي، ألا وهو التحلي بآداب الاختلاف، ونشر ثقافة تقبل الرأي الاخر، وقبول التحاور مع الفكر المعاكس، فإذا كانت أهدافنا نبيلة، وغاياتنا سليمة، فلا بد أن نلتقي مهما اختلفت وسائلنا، أو آراؤنا، طالما أنها بعيدة عن نطاق الاختلاف المذموم. ولكن للأسف تجد أن العديد، وخصوصاً من الشباب، يتعصب لرأيه أو لرأي حزبه أو مؤسسته بصورة عمياء، لا يتقبل معها أي رأي يختلف عن الذي تم تلقينه له، أو أي توجه مخالف عن التوجه الذي اقتنع به، وهذا الأمر بكل تأكيد يؤدي إلى تخلف المؤسسة بتحجر عقول أفرادها، أو إلى تراجعها مع الوقت مقارنة بالمؤسسات الأخرى، والتي تمارس سياسة الرأي والرأي الآخر. ومن القواعد الذهبية التي تبعدنا عن حالة التحجر الفكري والتعصب الذاتي، مقولة الإمام الشافعي رحمه الله: (رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب)، هذه هي القاعدة التي يجب أن ينطلق منها الحوار والنقاش بين أفراد المؤسسة الواحدة، وكذلك بين مكونات المجتمع، حينها ستكون العقول مفتوحة لسماع الرأي المخالف، والصدور مشرعة لتقبل التوجه المختلف، فلا تدخل الشحناء والبغضاء والحقد والضغينة بين النفوس، وهذا ما يحدث إذا كانت العقول مغلقة بأقفال التعنت الشخصي، والأهواء الذاتية، ورفض الآخرين لأنهم اختلفوا معنا لسبب أو لآخر. ولذلك فإنه يتبع هذه القاعدة قاعدة عملية أخرى، ألا وهي: (اختلاف الرأي لا يفسد في الود قضية). لكن للأسف هذه العبارة في كثير من الأحيان لا تخرج إلا من الفم، ولو أنها تخرج من القلب لانتشر الحب والوئام ولزاد الود والانسجام، ولما تأثرت المؤسسات لو كان بين أفرادها في الأفكار تطابق أو... اختلاف...

الاثنين، 21 أكتوبر 2013

تقلقش



بداية تقبل الله طاعاتكم وكل عام وأنتم بخير، وعودة ميمونة ومباركة إلى ميادين العمل والإنتاج، أو مشاوير البحث عن العمل، فأعلم أن عدداً لا بأس به من شبابنا يبحثون عن فرصة للعمل، يثبتون من خلالها ذاتهم، ويحققون تطلعاتهم بغد مشرق وسعيد، عساهم يتمكنوا من تكوين أسرة جديدة تضاف إلى هذا المجتمع، وعساهم يحققوا سعادتهم المنشودة في الدنيا والآخرة. ولا أبالغ إن قلت أن مجتمعنا يعيش حالة من التناقضات العجيبة والغريبة، بين العمل والبطالة، الغنى والفقر، الأفراح والأتراح، السعادة والآلام، ولكنه يتعايش معها بصورةٍ عجيبة، حقيقةً تحتاج إلى دراسة، مع يقيني أن الدراسات التحليلية المعتمدة على أرقام ومعادلات البشر، لن تصل إلى حلول أو نتائج مقنعة. وهذا يعود إلى أمر بسيط، وهو أن حسابات رب البشر فوق كل الحسابات، وتتجاوز كل المقاييس والنظريات البشرية، فهو الذي إذا أراد شيئاً فإنما يقول له كن فيكون. شعبنا يرزح منذ زمن تحت نيران الاحتلال، وما زال يعاني من آثاره السلبية هنا وهناك، حصار مطقع في غزة، فلا يريدوا لسكانها الشعور بنعيم الحرية، التي نالها بعد دحر الصهاينة من هذه الأرض الطيبة، ومداهمات متواصلة في الضفة، وما يتبعها من اعتقالات شبه يومية، وفي القدس جرح مفتوح، ونزيف مستمر، في إصرار شديد على تهويدها وتفريغها من أهلها، وفي الشتات حدث ولا حرج، من تهجير إلى تهجير، يصاحبه إراقة دماء، وتنغيص حياة، وحقوق ممنوعة ومسلوبة، ليس لسبب إلا لأنك فلسطيني. وصدق الشاعر يحيى برزق، الذي وصف حال الشعب الفلسطيني فقال: لأني أحمل الإيمان والجرح الفلسطيني... لأن غمائم صهيون لم تخمد براكيني... لأني لم يكن إلا جهاداً دامياً ديني... أُشرد في منافي الأرض أُجلد في الزنازينِ.. هذه الجراح المنكوءة قد تؤثر على البعض لفترات قد تطول أو تقصر، ولكنها لن تفتت من عضد أبناء هذا الشعب الصابر المحتسب. جراح هنا وهناك، وآهات قد لا يسمعها إلا رب البشر، وآلام قد لا يتحملها غيرنا من البشر، ورغم ذلك فلا تسمع إلا في فلسطين: مهرجان شدو الجراح، ولا ترى إلا في هذه الديار: استراحة مسك الجراح، فنعم التناقضات هي. وقد استوقفتني بعض التعليقات على مقالي السابق (فرحة)، والتي تستغرب دعوتي للجميع أن يفرح ويدخل السعادة على أهل بيته وأبنائه في هذه الأيام المباركة أيام العيد، بل في كل الأيام، استوقفتني وهي تستعرض المآسي وما أعظمها، والتي قد تنوء منها الجبال، ورغم ذلك كان ردي: برغم الجراح سنفرح، برغم الألم سنفرح، برغم ما يدور بنا من أحداث سنفرح، فهذه سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم. هذه السعادة والفرحة والسكينة لا يعرفها وهو يواجه خضم الحياة ومتاعبها إلا من غمر وعمر الإيمان قلبه، فاسمعوا إلى هذه الزوجة الصالحة كيف ترد على زوجها وهو يقول أنه سيحرمها من السعادة، تقول له بثقة تامة: لو كانت السعادة في راتب لقطعته عني، أو في زينة من الحلي لحرمتني منها، ولكنها في شيء لا تملكه أنت ولا الناس أجمعون! وأكملت قولها: إني أجد سعادتي في إيماني، وإيماني في قلبي، وقلبي لا سلطان لأحد عليه غير ربي. وهذا الذي يفسر أن الحياة في غزة تستمر وتتواصل رغم الصعاب، ورغم حرمان البعض من مقومات الحياة، تجد محلات تأجير الكراسي تنقلها من بيت عزاء هنا إلى سهرة لفرح في مكان قريب، وشاب يحمل شهادات عليا وحزمة من الدورات التدريبية ومعطل عن العمل يودع آخر سيسافر للالتحاق بأحد برامج الدراسات العليا، وأطفال أثرياء ينظرون بشغف إلى آخرين يلعبون فوق ركام بيوتهم. هذه هي فلسطين، وهذه هي طبيعة الحياة فيها، وطبيعة أبنائها الذين لا يعرفون المستحيل، ولا الصعاب، في أحلك الظروف يبتسمون، في أصعب المواقف يبدعون، منعوا عنهم الوقود فأوجدوا البدائل، منعوا دخول البضائع من المعابر فشقوا الأرض أنفاقا، هدموا بيوتهم فاستخدموا الركام في تعبيد الشوارع، وفي تدعيم سور اللسان البحري في ميناء الصيادين. لم يعجز ولن يعجز هذا الشعب في تخطي الصعاب والأزمات المتتالية، وربما أصعب الهموم حالياً هو هم توفير فرص العمل، وهو هم موجود في كل دول العالم حتى المتقدمة منها، وهنا يزيد، فمعظم الشعب من الشباب، وأملنا بالله كبير وثقتنا به عظيمة، أن هذا الهم إلى زوال، طالما هناك من يجتهد في إيجاد الحلول لذلك. والأهم طالما هناك عقول متدبرة، ونفوس سوية، وقلوب مطمئنة، وعيون ساهرة،  وأيادي متوضأة، وأرجل ساعية للفلاح، ولذلك كله فأمام هذه المشاكل والأزمات، وأمام كل المخاوف البشرية فلن تجد من أبناء هذا الشعب المرابط إلا رداً واحداً، وهو الكلمة السحرية: ما... تقلقش... 

السبت، 19 أكتوبر 2013

خطاب هنية



يرى العديد من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي أن #خطاب_هنية لم يحمل مفاجأة كانوا يتوقعوها أو ينتظروها، وخصوصا فيما يتعلق بالمصالحة وإنهاء الانقسام، ورغم ذلك عن إيجابيات الخطاب أقول:
* مناسبة الخطاب: فلقد جاء الخطاب في مناسبة عزيزة على الشعب الفلسطيني، ألا وهي ذكرى صفقة وفاء الأحرار وما تحمله من مؤشرات، وأهمها: واجب تحرير الأسرى والاهتمام بهذه القضية الوطنية، وكذلك سيلة التحرير الأنجع والتي يفهمها المحتل ألا وهي المقاومة، بالإضافة إلى كيفية المفاوضات مع الصهاينة.
* توقيت الخطاب: وخصوصاً في هذا الوقت التي بدأت تتأزم فيه الأمور داخليا وخارجيا، وكذلك سير المفاوضات المجهول والذي قد يصل الى تنازلات جديدة، فجاء الخطاب ليؤكد على الثوابت الفلسطينية والتمسك بها، والهجمة الإعلامية الشرسة ضد الشعب الفلسطيني، ووضع فلسطيني الشتات وخصوصاً في سوريا وبعد غرق سفينة اللاجئين الأخيرة والأهم مخطط تهويد القدس من الصهاينة الذي يستغل حالة البلبلة وعدم الاستقرار في العالم العربي للاستمرار في أعماله التخريبية.
* لغة الخطاب: فكانت لغة واثقة بالله وبنصره وتمكينه لعباده مهما اشتدت الأزمات، بها بدأ الخطاب ويها انتهى، وكذلك كانت لغة توافقية تدعو للتعاضد والتعاون والتنسيق التام في القضايا الوطنية وعلى رأسها القدس والأسرى واللاجئين، ولغة شاملة لجميع مكونات الشعب من فصائل وتوجهات مع التأكيد على هوية الحركة وتوجهات الحكومة، ولغة تحفيزية من الإشادة بالمقاومة وبطولاتها، بالشعب وصموده، وبالامة ونصرتها لفلسطين، وبأحرار العالم ومواقفهم الانسانية، وبالشباب وبمبادراتهم الفعالة.
* محاور الخطاب: فلقد شمل الخطاب جميع المحاور المتعلقة بالقضية الفلسطينية وخصوصا الثوابت الوطنية ومن كافة الجوانب السياسية والاقتصادية والإعلامية والقانونية وكذلك الأكاديمية وسبل دعم فلسطين وشعبها. وكذلك البعد العربي والإقليمي والدولي في العلاقات والسند والدعم والتعاون والتأكيد على نصاعة اليد الفلسطينية من أي بلبلة تحدث هنا أو هناك، والأهم الشأن الداخلي والتأكيد المستمر على مد يد الوحدة من جديد ليبقى بإذن الله الشعب موحدا بحكومة واحدة وتشريعي واحد ورئيس واحد وليستمر الشعب في تسخير مجهوداته نحو التحرير الكامل للبلاد والعباد وعسى ذلك أن يكون قريباً.

الأحد، 13 أكتوبر 2013

فرحة


يهل علينا غداً بإذن الله تعالى عيد الأضحى المبارك، ويهل معه الخير الكثير، حيث قارب الحجيج من الانتهاء من مناسك الحج، بعدما اجتمعوا من كافة بقاع المعمورة، ليوحدوا الله ويكبروه ويشكروه على نعمائه، وليشهدوا كذلك منافع لهم، في جو مليء بالإيمانيات، تصفو فيه القلوب، وترتاح فيه النفوس، وتغسل فيه الدموع التي تتساقط من العيون بدون إذن صاحبها، لتطهره من داخله، وتشاركها مياه زمزم الطيبة مما يشربه أو يسكبه منها على رأسه بعد الانتهاء من الطواف، فيرجع كما ولدته أمه خالياً من كل سوء ودرن وضغينة ومتاعب وهموم بإذن الله. ويتسابق الحجيج على إرضاء الله تعالى في هذه الأيام المعلومات، يعظمون حرماته فهم يعلمون علم اليقين أن في ذلك خيرهم في الدنيا والآخرة، ويعظمون شعائره عز وجل، فهم يريدون أن يصلوا إلى مرحلة تقوى القلوب. جاءوا من كل فج عميق، هدفهم واحد، ومقصدهم واحد، ومناسكهم واحدة، وحتى لباسهم واحد، لا فرق بين غني أو فقير، أو بين أمير أو غفير، أو بين أبيض أو أسود، أو بين عربي أو أعجمي، كلهم سواسية لا يتمايزون عن بعضهم في هذه الأيام المباركة إلا بقدر جهدهم واجتهادهم في الطاعات والعبادات والذكر والصلاة. حقيقة هنيئاً لمن قدر الله أن يطوف بالبيت العتيق في هذه الأيام، نعمة ما بعدها نعمة، نعمة يعرف قدرها وعظيم شأنها من جربها وذاق طعم الإيمان بعدها، وشعر بعظمة الإسلام، والأهم استشعر بمعية الله ورحمته بعبيده. يستشعر ذلك وهو يطوف حول الحجر الأسعد، ويزاحم من أجل تقبيله مقتدياً بالمصطفى عليه السلام، يستشعره وهو يسعى بين الصفا والمروة متذكراً معنى التوكل على الله، واللطف الإلهي، وعدم اليأس، وأهمية الأخذ بالأسباب، يستشعره وهو يقف بعرفة يتعارف فيها على أمة محمد صلى الله عليه وسلم، التي جاءت من أصقاع الأرض ليعلنوها من بداية المناسك: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك)، ويبيت بمنى ويرمي الجمرات، ليعلن رفضه للرق والعبودية، ولفظ الشيطان واتباعه وأعمالهم الشيطانية. ويستشعر ذلك وهو ينحر، ليؤكد معه أهمية الامتثال لأوامر الله، والثقة واليقين بأن الله لا يريد لعباده إلا الخير، ولكن عليهم الطاعة وتنفيذ ما يطلبه منا دون التطرق إلى أسباب ذلك، فهو الأرحم بعبيده. وبعدما يتموا الحج يشدون الرحال إلى مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام، حيث السكون والهدوء والراحة والطمأنينة، حيث قبر الرسول ومنبره وبيته وما بينهما من روضة من رياض الجنة، وحيث البقيع ومسجد قباء ومسجد القبلتين، وحيث أحد جبال الجنة. ويعود بعدها إلى دياره مغفور الذنب مقبول التوب، تغمره الأمنيات بالعودة من جديد، فقد شعر بفرحة ما بعدها فرحة، لا يفوقها إلا فرحة مصاحبة المصطفى عند الكوثر وفي الفردوس الأعلى، وأعلى فرحة النظر إلى وجهه الكريم جل في علاه.
وأما من لم يُقَدر له تأدية هذه الفريضة، فهو كذلك في نعمة كبيرة، نعمة حصاد الحسنات بالعمل الصالح فيها بطاعة الله وذكره، هذه الأيام ولياليها العشر وصف المصطفى العمل فيها بأعظم من الجهاد. فيها يتقرب المسلمون بصيام أيامها التسعة، وخصوصاً يوم عرفة، والذي فيه يقول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: (صيام يوم عرفه أحتسب على الله أنه يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده)، فهنيئاً لمن قدر الله صيام هذا اليوم، بل هذه الأيام. ويأتي يوم العيد، ويأتي معه إحياء سننه من التكبير، والذي يمتد حتى عصر رابع أيامه، والصلاة في العراء، والنحر، وصلة الرحم. يأتي العيد، ويجب أن يأتي معه التصالح والتصافح والتسامح والتزاور.  وهنا لا بد من التنويه أن العيد هو عيد الأحياء وليس عيد الأموات، والحمد لله بدأت البدع المقرونة بالوفاة تقل في مجتمعنا، فتقريباً اندثرت زيارة المقابر والمكوث فيها طوال يوم العيد، وبقي عند البعض وللأسف الجلوس في البيت لاستقبال المعزين في أول عيد للمتوفى، ولكنها ستنتهي فالوعي بفضل الله بين أبناء شعبنا بازدياد. وأيام العيد أيام يقول عنها رسول الله عليه الصلاة والسلام: (إنها أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل)، فهي أيام غذاء للروح وللجسد، وأيام شكر لله على نعمائه. وهي أيام للترويح عن النفس، فهي أيام فرح ولهو ولعب وسرور ومتعة بنعم الله، في حدود الأدب والمعقول. وعلى الجميع أن يجتهد أن يدخل البهجة والسرور في نفس عائلته وخصوصاً الأطفال منهم. فرحبوا بالعيد، وغنوا له ما طاب لكم من الكلام، فالعيد فرحة، وأجمل... فرحة...

الخميس، 10 أكتوبر 2013

اجتماع


تعتبر الاجتماعات وسيلة من وسائل إدارة المٍؤسسات مهما كان نوعها، حكومية أو خاصة. ولا يجب أن يختلف الهدف الأساس منها في جميع الحالات، ألا وهو تقدم العمل بهذه المؤسسة. ويتم وضع تصور متكامل للوصول لهذا الهدف (نظرياً) من خلال هذه الإجتماعات. ويكون ذلك إما من خلال التشاور بين المجتمعين لوضع خطة عمل المؤسسة، أو متابعة تنفيذ بنود هذه الخطة في محاورها المتعددة، أو من خلال مناقشة سير العمل في المؤسسة. وكذلك قد يكون الهدف من الاجتماع هو التواصل بين الجهة العليا في المؤسسة وبين الجهة التنفيذية فيها، أو بين الجهة العليا مع بعضها البعض، أي أن الاجتماع يكون على المستوى الرأسي أو الأفقي للمؤسسة، أو قد يكون مع جمهور المؤسسة من جمعيات أو أفراد أو مؤسسات أخرى تتقاطع في عملها معها، أو تستفيد من خدماتها. وفي جميع الأحوال لا يجب أن يكون هذا الاجتماع هدفاً بحد ذاته، لأنه في هذه الحالة سيكون قليل الجدوى، وهذا لا يعني أن الالتقاء بين أفراد المؤسسة بين بعضها أو مع جمهورها أمر غير محبوب، بل بالعكس هو مطلوب لزيادة العلاقات الأخوية، وجلاء الصدور لما قد يكون حل فيها، بسبب اختلاف الأراء الطبيعي في العمل، وما يتبعه من إشكالات بسيطة، ولكن هذا لا يعتبر اجتماعاً وإنما لقاءً اجتماعياً أو احتفالاً أو علاقات عامة، بالتالي المقصود هنا هو الاجتماع الرسمي الذي قد ينتج عنه قرارات أو توجهات مستقبلية تخص المؤسسة وقطاع عملها. وهنا أضع بين أيديكم بعض النقاط الأساسية حتى يكون الاجتماع مثمراً وفعالاً وذا فائدة، وبهدف الاستفادة من الوقت المخصص له بأكبر قدر ممكن، فالوقت من ذهب كما يقولون. علماً أن إدارة الاجتماعات وأدبياتها أصبحت فناً وعلماً، يحرص المتميزون على إتقانه والإبداع فيه، وذلك لأنهم يحرصون على حصد الثمار بأقل جهد ووقت ممكن. وفيما يلي بعض هذا النقاط، وهي تتعلق بما قبل أوأ ثناء أو بعد الاجتماع، ولديكم المزيد:
 -وضع هدف للاجتماع، والتفكير به جيداً مع من تثق بقدرتهم وكفاءتهم وأمانتهم، وبناءً عليه يتم تحديد المشاركين في الاجتماع.
- عدم الإكثار من عدد المدعوين، لإن ذلك قد يؤدي إلى صعوبة إدارة الاجتماع، واستهلاك وقت أكبر في مدته، وخصوصاً إذا ما أراد الجميع الإدلاء بدلوهم في كل بند من بنود الاجتماع.
- اختيار الزمان والمكان المناسبين لعقد الاجتماع، لتوفير بيئة عمل مريحة، تساعد على الإنتاجية.
- وضع جدول أعمال، وجدولة زمنية لكل بند، وإلا فستكون نتيجة الاجتماع مجرد دردشات.
- توزيع جدول الاعمال مفصلاً قدر الإمكان بوقت كافٍ حتى يستطيع الاعضاء تدارسه قبل الاجتماع.
- تجهيز مكان الاجتماع بكل ما هو مطلوب من أوراق ومستندات وخدمات لوجستية قبل الاجتماع.
- احترام وقت الجميع، والبدء فور اكتمال النصاب القانوني، وذلك عندما يحين الوقت المحدد للاجتماع.
- الترحيب بالحضور، والحرص على إضفاء جو ودي، دون الإخلال برسمية الاجتماع، أو التقليل من احترام المكان أو الحضور.
-التقليل من بند ما يستجد قدر الإمكان، ففي الغالب أي قرار يلزمه التحضير المسبق فيما يتعلق بكل جوانبه وتبعاته: الإدارية والفنية والمهنية والمالية والقانونية.
- تقليل عدد مرات تخديم الضيافة أثناء الاجتماع، لأن كثرتها قد يسبب بلبلة، وفي المقابل عدمها قد يسبب الملل.
- العمل على إشراك وتفاعل أكبر عدد ممكن من الحضور.
- ترك المتكلم يدلي برأيه، ولكن بدون إسهاب، وبدون مقاطعة، واللباقة بعدم السماح بتكرار ما تم قوله من الآخرين.
- عدم السماح بالكلام الجانبي، وإلا سيفقد الاجتماع أهميته، وعدم السماح برفع الاصوات مهما كان السبب.
- الاستعانة بالوسائل التوضيحية الحديثة من برامج عرض قدر الإمكان.
- الخروج بقرارات واضحة غير قابلة للتأويل.
- توضيح المطلوب من كل عضو، بحيث يخرج كل واحد من الحضور وهو على معرفة تامة بالمهام التي وكل بها.
-العمل على طباعة محضر الاجتماع مفصلاً، وتوزيع التوصيات والقرارات على الحضور.
-جدولة تنفيذ التوصيات والقرارات، ومتابعة تنفيذها في المواعيد المحددة لها.
هذه بعض النقاط، وغيرها كثير، من المناسب الأخذ بها إذا أردت أن يكون كل اجتماع تديره هو أفضل وأنجح... اجتماع...

الاثنين، 7 أكتوبر 2013

إتقان



تتقدم الدول وتحجز مكانها ضمن الدول العظمى لعدة مسببات، وقد يكون مكانها على قدر قوتها الاقتصادية والإنتاجية. وهذا القدر وهذه المكانة لم تتحقق لها إلا بعد أن سخرت كل طاقاتها وإمكاناتها ليكون جميع أفرادها منتجين ومبدعين في عملهم، وليس فقط في توفير فرص عمل لهم، فهم يعلمون أن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة. هذا العلم ترجمه أفراد هذه المجتمعات إلى واقع، فتراهم يتسابقون نحو التميز، والذي لا يتحقق لهم إلا لأنهم أدوا أعمالهم بقدر كبير وعالٍ من الحب والانتماء والمهنية، فتحقق لهم السبب الأساس وراء التميز ألا وهو: إتقان العمل. وهذا الأمر ليس ببعيد عن مفاهيمنا ومعتقداتنا ومبادئ وتعاليم ديننا الحنيف، فكلنا يحفظ الآية الكريمة التي يأمرنا فيها الله سبحانه وتعالى بالعمل، ويعقب لنا بعدها مباشرة أن هذا العمل مراقب ومتابع وسيراه الجميع، وأولهم الله جل في علاه، فبالتالي يجب أن يكون على أحسن وجه: (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون). وكلنا يحفظ كذلك حديث المصطفى عليه الصلاة والسلام: (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه). وفي هذا الجانب، وعن مدى احتياجنا ليس للعاملين بل للمتقنين أعمالهم، يقول المرشد السابق لجماعة الإخوان المسلمين في إحدى رسائله: (والمجتمعات الإسلامية، ومصر منها، في تعطُّش وظمأ لهذا النوع من العمال والموظفين المخلصين المتقنين لأعمالهم؛ لكي تنهض من كبوتها وتتقدَّم من تخلُّفها، وتصير كما كانت في سالف عهدها خير أمة). حقيقة كم نحن بحاجة إلى هذا النوع من العمال والموظفين مهما كانت طبيعة عملهم، ومهما كانت درجتهم الوظيفية. وقد يستطيع العاملون أن يقنعوا مسؤوليهم بأنهم يعملون بإتقان، ولكنهم نسوا (فسيرى الله...) فعين المسؤول قد تغفل عنك، ولكن عين الله تراقبك، وستحاسبك يوم لا ينفعك بعد رحمة الله إلا صالح أعمالك. فالمراقبة الذاتية هي أول عوامل تحقيق إتقان العمل. وثاني هذه العوامل هو حب هذا العمل مهما كان، فأنت عندما تحب عملك ستنجح فيه، وستؤديه على أحسن وجه، بل وستكون مميزاً فيه، ومخرجات هذا العمل المتقن ستكون واضحة للعيان، وستتحدث عن نفسها. وعلى النقيض، تجد من يذهب لعمله وهو كاره له، يشعر بحمل ثقيل على كاهله، ويصدق فيه الوصف القرآني: (كأنهم يساقون إلى الموت). وكم تكون سعادتي عندما أذهب إلى إحدى المؤسسات التي عملت فيها، وأرى مراسلها، والذي بالفعل على بساطة عمله إلا أنه أحبه فكان مميزاً فيه، ويؤديه بأريحية تامة وبابتسامة تزين كل ما يقوم به من أعمال. أمر ثالث يساهم في إتقان العمل القناعة بالواقع الوظيفي والمردود المالي لهذا العمل الذي تقوم به. فقد انتشرت وللأسف في الفترة الأخيرة بين بعض الموظفين جملة (على قدر ما بيعطوني بأعطيهم)، أو (أنا محبط لأن درجتي الوظيفية لم تتغير) فتراه يؤدي عمله على عجل، فلا يتم إنجازه بالصورة المطلوبة، أو على استرخاء شديد، فيعذب الآخرين معه ويعطل  مصالحهم، ونسي أن الله سيحاسبه على ذلك. وهنا فإنه غَلَّب وللأسف مكافأة البشر على محبة رب البشر، بل قد يكون نسي: (وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئُكم بما كُنْتُمْ تعملون). وبكل تأكيد أهم عوامل إتقان العمل المهنية والمتابعة الدائمة لآخر التطورات في مجال العمل، وكذلك تطوير الذات والقدرات، وإن لم يكن من خلال المؤسسة التي تعمل بها، فليكن بصورة ذاتية. هذه هي بعض الأمور التي تساعد على إتقان العمل لتساهم في نهضة الأمة وتقدمها ورقيها، ولكن يبقى قبل كل هذا وبعده  أمر هام، ألا وهو استحضار النية وعقدها بأن يكون إتقانك لعملك تقرباً لله عز وجل، حتى تحصل على الأجر والأُجرة بإذنه تعالى.
واسمعوا إلى أمير الشعراء في خطابه للعمال: أيها العمال أفـنوا العمر كداً واكـتساباً
وأعمروا الأرض فلولا سعيكم أمـست يباباً
أتقنوا يحببكم الله ويرفعكم جـنابا
إن للمـتقن عند الله والناس الثوابا
فهي إذن دعوة مفتوحة للجميع: لا تنظروا الشكر والثناء وقبول العمل إلا من رب العالمين، ولأنه تعالى الذي أتقن كل شئ فأدوا عملكم بمهنية و...إتقان...

الأربعاء، 2 أكتوبر 2013

لوامة



يعيش الإنسان في حياته بين تجاذبات الخير والشر، الحق والباطل، الهدى والضلال. الصح والخطأ، وهو في هذا المشوار يميل إلى هذا الجانب أو ذاك حسب ما تقوده نفسه وتسول له، وحسب ما تبرره له من إيجابيات أو سلبيات هنا وهناك. وفي نفس الوقت حسب ما يوجهها هو إلى الفجور أو إلى التقوى، (ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها)، وحسب ما يقرره هو بسلوك طريق الفلاح، والوسيلة واضحة: (قد أفلح من زكاها)، أو أن يتخذ طريق الخيبة، ونفس الأمر هنا فالطريق جلية: (وقد خاب من دساها). ولقد تطرق القرآن الكريم إلى تصنيف النفس، فكانت على الوجه الأساس تنقسم إلى ثلاثة أنواع: الأمارة بالسوء، والمطمئنة، واللوامة. فأما النفس الأمارة بالسوء، فهي نزعة غالبة على البشر، إلا من رحم الله، وجعله يتغلب على هواه. وهنا يظهر الفرق بين شخص وآخر، بين الذي ينتصر على نفسه، ويقودها هو إلى الخير والرشاد والفلاح، وبين من تقوده هي إلى الشر والضلال والكساد، فيصبح كالأنعام التي يقودها الراعي حيث يشاء، بل أضل سبيلاً، (وما أبرئ نفسي، إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي). ولأن النفس جبلت على حب الشهوات والملذات والمغريات الدنيوية وما أكثرها، لذا فإن مجابهتها ومجاهدتها بالبعد عن هذا الطريق المغري ليس بالأمر السهل ولا بالهين. وعلى قدر الانتصار على النفس يكون مستوى الإيمان، وهذا الانتصار يكون بتعويدها على فعل الخيرات بشتى أنواعها، والاستمرار على نهج إصلاح الذات وتقييمها أولاً بأول، حتى لا تحيد عن السراط المستقيم. لذا من الضروري إرغام النفس على الخير، فهي إن لم تعودها على الخير دعتك إلى الشر وزينته لك، وإن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل، وإن لم تأمرها بالطاعة جرتك إلى المعصية، وإن لم تقدها إلى المعروف أبعدتك عنه. وأما النوع الثاني من النفس فهي في عباد الله في الدنيا، وفي جنته في الآخرة. هي النفس المؤمنة بالله وبقضائه وقدره، لذا دخلت السكينة فيها، وحل الوقار عليها، واتصفت بالهدوء والاطمئنان، فهي راضية بحكم الله وبحالها وبما هي عليه، لا تسعى إلا للخير وبالخير، فحق لها أن تكون مرضية عند رب العالمين. وعلى النقيض من النفس الأمارة بالسوء النفس اللوامة، التي تذكر صاحبها بيوم القيامة، الأولى تقول أيان يوم القيامة؟، أما هذه فموصولة بيوم القيامة، وحساب يوم القيامة، (لا أقسم بيوم القيامة، ولا أقسم بالنفس اللوامة). ارتباط جعل من صفات النفس اللوامة أنها في صراع دائم مع ذاتها في كافة المجالات وخصوصا في قضايا الثواب والعقاب، وواقع الدنيا والآخرة. وتتضح طبيعة هذه النفس ويتضح معها صدق نواياها عندما يكون هناك تضارب بين المصلحة الخاصة والعامة، وبين فعل الخير وفعل الشر. فهي دائمة التذكير لصاحبها بزجره عن هواه، وبثنيه عن طريق الضلال، لا تقبل أن يحيد قيد أنملة عن الجادة، بل تطلق له صافرة الإنذار عند أي هفوة بسيطة، أو عند ارتكابه أي خطأ، صغيراً كان أو كبيراً، وسواء كان مقصوداً أو غير مقصود. وهنا من باب التذكير أود التنويه إلى أن نفوساً عديدة حملت أرواحها بين أيديها في زمن التحديات والصعاب، ولكن بعضها تراجع قليلاً إلى دنياه، عندما بدأت قلة تنزل عن الجبل لتحصد غنائم محدودة وموقوتة، ونسيت أن راحتها وقوتها وعزتها وكرامتها كانت عندما باعت الدنيا بما فيها رخيصة في سبيل الله. هذه النفوس هي نفوس لوامة، لا صعوبة بتاتاً أن تعود إلى أصلها بقليل من الجهود المخلصة، وبتقديم القدوة العملية ممن هم أهل القدوة، والمجتمعات على أديان أسيادها، وأسياد هذا الزمان والمكان باعوها لله، فهل ستعود هذه النفوس إلى التجارة الرابحة، وهل سترجع إلى ربها راضية مرضية!؟ عسى أن يكون ذلك قريباً قريبا. وهذا السؤال وهذه الأمنية من باب عدم القبول بأي مرتبة أدنى من المثالية، فالمبتغى رضوان الله. ومن باب زجر النفس والبعد عن الإعجاب بالذات، فهذا من المُهلكات، التي يحددها المصطفى عليه الصلاة والسلام في حديثه: (ثلاث مهلكات شح مطاع وهوى متبع وإعجاب المرء بنفسه). لذا فيا فوز من انتصر على نفسه وهواها، فأصبحت مطمئنة راضية مرضية أو ...لوامة...