في العادة أبدأ كتابة المقال باختيار عنوانه، بعد تفكير في مضمونه. فالعنوان يحمل رسالة المقال، والهدف المرجو منه. وبصراحة في هذه المرة احترت بين عنوانين، وهما ألم وأمل. هذان العنوانان حقيقة، يجسدان طبيعة وحال المشهد الأسبوعي لاعتصام أهالي الأسرى المعتقلين في السجون الصهيونية. فمع صبيحة كل إثنين يشد أهالي الأسرى المغيبين عن العيون منذ سنوات عجاف، يزداد عددها يوماً بعد يوم، يشد الآباء والأمهات والزوجات وفي بعض الأحيان الأولاد عزيمتهم، يخرجون من بيوتهم من الشمال والجنوب، يركبون الحافلات ويتجهون إلى مقر الاعتصام الأسبوعي أمام مكتب الصليب الأحمر في غزة، يحملون معهم آلام البعد والغياب الطويل لأحباب قلوبهم، ويعتصرون حزناً لهذا الفراق القسري، يحملون صور الأسرى، ويجلسون في المكان الذي أصبح يحفظهم عن ظهر غيب، بعد أن ينزلوا من الحافلات، وتنزل معهم ذكريات سعيدة وحزينة، ولكنها محفوفة بالهموم والمعاناة والخوف. فهم مهمومون على أبنائهم، قلقون عليهم وعلى أوضاعهم الصحية، وليس النفسية، فهم يعلمون علم اليقين أن نفسياتهم عالية علو قمم الجبال، ويقينهم بالحرية القريبة راسخة رسوخ الجبال، فلا خوف من ذلك، ولكن تخوفهم أن تمر الأيام وينتهي أجلهم وأعمارهم، دون أن يحضنوا الغوالي من جديد، فالحنين يزداد، والشوق يكبر، والآهات تعلو، ولكن التغيير بسيط، والإفراجات قليلة، والحل ليس جذرياً، فيقينهم أن الحل الجذري لا يكون إلا بتبييض السجون والمعتقلات الصهيونية. امتزجت الروايات والأحداث والقصص والهموم والآلام والآمال بين هذه العوائل حتى أصبحوا جسداً واحداً، إذا اشتكى أحدهم تداعى له الجميع بالشكوى لله، ولله وحده، وإذا دخلت الفرحة في بيت أحدهم تقاسموها، وأعلنوا الليالي الملاح في بيوتهم. ويستمرون على ذلك طوال الأسبوع، حتى يأتي الموعد الجديد، فيجددون معه الأمل، بلقاء قريب، يصبرهم على ذلك زيارة سريعة لدقائق معدودة من وراء جدر، فخوف الصهاينة ورعبهم كبير، حتى من الكهل السبعيني، وحتى من العجوز التي انحنى ظهرها مع الزمن، وما عرفت في هذا الزمن إلا الانحناء لرب العالمين في صلاتها، أو انحناء لأطفالها وهي ترسم قبلة الحنان والأمومة على جبينهم، أو لشهدائها وهي تلقي قبلة الوداع والفخار على جباههم. يشاركهم في لقائهم الأسبوعي رجال ونساء، شخصيات اعتبارية وعادية، عساهم يخففون من الآلام أو يزيدون من الآمال، وتتسابق المؤسسات الحكومية وغير الحكومية على ذلك، ليس فقط في هذا الاعتصام بل في كل المناسبات والأيام، فهذا واجبها الشرعي قبل أن يكون واجبها الوطني والإنساني كذلك. تجتهد هذه المؤسسات والشخصيات في ذلك، وفي توصيل قضية الأسرى وواقعهم وحقوقهم إلى كل الدول والمنظمات وفي كل المحافل، رغم علمها أن النتائج ليست كبيرة، وأن الصلف الصهيوني كبير، واللوبي الإعلامي يسخر كل طاقاته لدعم الاحتلال لتبرير تصرفاته اللا إنسانية بأي وسيلة وبأي عذر، حتى لو كان أوهى من بيت العنكبوت. ومع ذلك سيأتي اليوم وليس بعيداً، ذلك اليوم الذي ينكشف فيه الصهاينة على حقيقتهم، وتنكشف معه حجم الجرائم اللا إنسانية والمنافية لأدنى الحقوق البشرية التي اقترفوها بحق الأسرى، ولكن هذا يتطلب المزيد من العمل والمزيد من الجهد ليتحقق حلم هذا الشاب أو تلك الفتاة، أو هذا الكهل أو تلك العجوز، بأن يعود الأحباب لهم وليكونوا بينهم، ليواصلوا مسيرة التحرير لتحقيق الحلم الأكبر، ألا وهو الصلاة في الأقصى محرراً، فهو أسير كذلك. وبصراحة يجب أن تتكامل الجهود حتى يتحول الحلم إلى حقيقة. وفي النهاية أقول أن الأسرى وأهاليهم ورغم الألم، إلا أنهم بعد الله، ينتظرون الفرج على يد الضاغطين على الزناد، فعليهم، وعليهم فقط يعقدون...الأمل..
الأحد، 17 نوفمبر 2013
أمل
في العادة أبدأ كتابة المقال باختيار عنوانه، بعد تفكير في مضمونه. فالعنوان يحمل رسالة المقال، والهدف المرجو منه. وبصراحة في هذه المرة احترت بين عنوانين، وهما ألم وأمل. هذان العنوانان حقيقة، يجسدان طبيعة وحال المشهد الأسبوعي لاعتصام أهالي الأسرى المعتقلين في السجون الصهيونية. فمع صبيحة كل إثنين يشد أهالي الأسرى المغيبين عن العيون منذ سنوات عجاف، يزداد عددها يوماً بعد يوم، يشد الآباء والأمهات والزوجات وفي بعض الأحيان الأولاد عزيمتهم، يخرجون من بيوتهم من الشمال والجنوب، يركبون الحافلات ويتجهون إلى مقر الاعتصام الأسبوعي أمام مكتب الصليب الأحمر في غزة، يحملون معهم آلام البعد والغياب الطويل لأحباب قلوبهم، ويعتصرون حزناً لهذا الفراق القسري، يحملون صور الأسرى، ويجلسون في المكان الذي أصبح يحفظهم عن ظهر غيب، بعد أن ينزلوا من الحافلات، وتنزل معهم ذكريات سعيدة وحزينة، ولكنها محفوفة بالهموم والمعاناة والخوف. فهم مهمومون على أبنائهم، قلقون عليهم وعلى أوضاعهم الصحية، وليس النفسية، فهم يعلمون علم اليقين أن نفسياتهم عالية علو قمم الجبال، ويقينهم بالحرية القريبة راسخة رسوخ الجبال، فلا خوف من ذلك، ولكن تخوفهم أن تمر الأيام وينتهي أجلهم وأعمارهم، دون أن يحضنوا الغوالي من جديد، فالحنين يزداد، والشوق يكبر، والآهات تعلو، ولكن التغيير بسيط، والإفراجات قليلة، والحل ليس جذرياً، فيقينهم أن الحل الجذري لا يكون إلا بتبييض السجون والمعتقلات الصهيونية. امتزجت الروايات والأحداث والقصص والهموم والآلام والآمال بين هذه العوائل حتى أصبحوا جسداً واحداً، إذا اشتكى أحدهم تداعى له الجميع بالشكوى لله، ولله وحده، وإذا دخلت الفرحة في بيت أحدهم تقاسموها، وأعلنوا الليالي الملاح في بيوتهم. ويستمرون على ذلك طوال الأسبوع، حتى يأتي الموعد الجديد، فيجددون معه الأمل، بلقاء قريب، يصبرهم على ذلك زيارة سريعة لدقائق معدودة من وراء جدر، فخوف الصهاينة ورعبهم كبير، حتى من الكهل السبعيني، وحتى من العجوز التي انحنى ظهرها مع الزمن، وما عرفت في هذا الزمن إلا الانحناء لرب العالمين في صلاتها، أو انحناء لأطفالها وهي ترسم قبلة الحنان والأمومة على جبينهم، أو لشهدائها وهي تلقي قبلة الوداع والفخار على جباههم. يشاركهم في لقائهم الأسبوعي رجال ونساء، شخصيات اعتبارية وعادية، عساهم يخففون من الآلام أو يزيدون من الآمال، وتتسابق المؤسسات الحكومية وغير الحكومية على ذلك، ليس فقط في هذا الاعتصام بل في كل المناسبات والأيام، فهذا واجبها الشرعي قبل أن يكون واجبها الوطني والإنساني كذلك. تجتهد هذه المؤسسات والشخصيات في ذلك، وفي توصيل قضية الأسرى وواقعهم وحقوقهم إلى كل الدول والمنظمات وفي كل المحافل، رغم علمها أن النتائج ليست كبيرة، وأن الصلف الصهيوني كبير، واللوبي الإعلامي يسخر كل طاقاته لدعم الاحتلال لتبرير تصرفاته اللا إنسانية بأي وسيلة وبأي عذر، حتى لو كان أوهى من بيت العنكبوت. ومع ذلك سيأتي اليوم وليس بعيداً، ذلك اليوم الذي ينكشف فيه الصهاينة على حقيقتهم، وتنكشف معه حجم الجرائم اللا إنسانية والمنافية لأدنى الحقوق البشرية التي اقترفوها بحق الأسرى، ولكن هذا يتطلب المزيد من العمل والمزيد من الجهد ليتحقق حلم هذا الشاب أو تلك الفتاة، أو هذا الكهل أو تلك العجوز، بأن يعود الأحباب لهم وليكونوا بينهم، ليواصلوا مسيرة التحرير لتحقيق الحلم الأكبر، ألا وهو الصلاة في الأقصى محرراً، فهو أسير كذلك. وبصراحة يجب أن تتكامل الجهود حتى يتحول الحلم إلى حقيقة. وفي النهاية أقول أن الأسرى وأهاليهم ورغم الألم، إلا أنهم بعد الله، ينتظرون الفرج على يد الضاغطين على الزناد، فعليهم، وعليهم فقط يعقدون...الأمل..
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق