الاثنين، 4 نوفمبر 2013

حياة


بمراجعة العديد من منشورات وتعليقات نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، تشعر أحياناً أنهم كانوا من سكان المدينة الفاضلة، ولكن شاءت الأقدار أن تأتي بهم إلى هذه المدينة المحاصرة، والمهددة باستمرار من الاحتلال الصهيوني. فلذلك تجد بعضهم (وهذا حقه) ينتقد الواقع الحالي، وأفعال الآخرين في حياتهم اليومية، من حيث النظام والنظافة والالتزام بالقوانين. ورغم أن انتقاداتهم في مكانها، إلا أن بعضهم نسى أنه جزء أصيل من هذا المجتمع، والذي ثقافته هي محصلة العادات والتقاليد المتراكمة لأفراده. وبيت القصيد هنا، أن إصلاح الواقع المجتمعي لا يمكن أن ينجح إلا بإصلاح الفرد، وهذا يكون من جهتين. الجهة الأولى والأهم هي الفرد نفسه، فالإصلاح يبدأ من الذات. والفئة الأكبر من المجتمع هم الشباب، وهم الفئة المثقفة الواعية والقادرة على إحداث تغيير حقيقي في السلوكيات، وإحداث نقلة نوعية في الثقافة السلبية المتراكمة والمبررة (بصورة خاطئة) في كثير من الأحيان بعَلَّاقِة الحصار والاحتلال والوضع الاقتصادي، وهي بريئة من تصرفاتنا براءة الذئب من دم يوسف عليه السلام. فعلى سبيل المثال، لا الحصر، ما علاقة هذه الجوانب بقيادة المركبة في الاتجاه المعاكس؟، أو بترك القمامة خلفنا بعد جلسة سمر في أحد الأماكن العامة؟، أو إشغال الرصيف بأسياخ الشاورما أو صناديق الشيبسي والكولا؟، والأمثلة كثيرة، وكلها تعبر عن سلوكيات خاطئة وتصرفات غير مقبولة. ولو فكر الواحد منا مرتين، بعيداً عن الأنا، لما ارتكبها مرة أخرى، ولو شعر كل منا بحجم الجريمة التي يرتكبها بحق الآخرين لعاود النظر في مجمل تصرفاته. فمن الذات ينطلق قطار الإصلاح والتغيير، وصدق الشاعر الذي قال: إبدأ بنفسك فانهها عن غيها...فإن انتهت عنه فأنت حكيم، بل صدق الله تعالى حيث يقول: (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون). والجهة الثانية المسؤولة عن تغيير الواقع المجتمعي والسلوكيات العامة وتشكيل الثقافة هي المؤسسات الرسمية وغير الرسمية، فعليها دور أساس في التغيير والتطوير والإصلاح، من خلال البرامج التوعوية والفعاليات الإرشادية. وما أجمل عبارة لي كوان يو صانع نهضة سنغافورة، حيث يقول في هذا المجال: (اصنعوا الإنسان قبل أي شيء، أمنوا المرافق والخدمات، ثم اجعلوه يستخدمها بطريقة حضارية ونظيفة، وأعيروا التفاصيل الحياتية اليومية كل الاهتمام). والوسائل لتحقيق ذلك متعددة، لا تتوقف على المنشورات والمقالات والبوسترات والندوات والمحاضرات وورش العمل، فالوسائل الإعلامية تطورت بصورة كبيرة جداً من خلال الإعلام المرئي على وجه التحديد، وخصوصاً أن الصورة في كثير من الأحيان قد تغني عن ألف كلمة، فما بالك لما تكون هذه الصورة متحركة، بأنواعها الواقعية أو التمثيلية أو الكرتونية، ولكل منها جمهورها وأثرها. وللأسف أقول أن التوعية لوحدها لا تكفي، ففي كثير من الأحيان نحتاج إلى دفع الناس للخير، وحملهم على ذلك بالقانون، وبالتالي تشجيع وتحفيز الملتزمين، ومعاقبة ومخالفة كل من تسول له نفسه القيام بإجراءات أو أعمال غير قانونية، بل غير حضارية. وهنا لا بد من الحزم القانوني على نهج: (إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن)، واسمحوا لي أن أضع بين أيديكم هذه المعادلة الميدانية: (الحزم القانوني = انضباط وأمن وسلوكيات راقية = راحة وانسيابية في الميدان = رضا عام من المواطنين = خدمات أكثر = هيبة واحترام). وهذا الحزم القانوني لا يحتاج إلى حملات موسمية، بل إلى خطط تنفيذية وبرامج عملية مستمرة ومتواصلة، بحيث يصبح عملاً متواصلاً ومستمراً، تتحول معه ومع برامج التوعية والإرشاد والتثقيف السلوكيات الخاطئة إلى سلوكيات حضارية، فتصبح معهما النظافة والنظام والالتزام بالأخلاق الحميدة والتمسك بالفضيلة من ضمن العادات والتقاليد، بل تصبح نهج... حياة...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق