الخميس، 13 أكتوبر 2011

الشباب الذي نريد

ربما ما زال الوقت مبكراً للحديث عن الأبطال، أبطال الثورة، ثورة التغيير، ثورة الحرية والكرامة من ميدان التحرير. ولكن وجدت نفسي مندفعاً للحديث بعجالة عن نموذج من هذا الجيل الجديد من الشباب، والذي للأسف الكثير الكثير من الدول العربية بل وبعض القادة العرب اعتبروه جيل الإنترنت وجيل (الجل والموضة)، وتناسى واقع الشباب بل واقع الأمة، وتجاهل حقيقة هذا الجيل من الشباب، والذي سمح له عصر الإنترنت إلى اختيار طريقه وتكوين أفكاره وشخصيته بطريقة ذاتية.

صحيح أن البعض أثرت فيه التكنولوجيا بصورة سلبية، ولكننا غالباً وللأسف ننظر إلى الجزء الفارغ من الكأس، ونتناسى أو لا نعطي أهمية أو أولوية للجزء الممتلئ من هذا الكأس مهما صغر أو كبر. ونفس الأمر بالنسبة إلى استخدام الإنترنت والثورة التكنولوجية هناك سلبيات ولكن في نفس الوقت الإيجابيات كثيرة. ومن إيجابيات هذه الثورة التكنولوجية ما أطلق عليه البعض شباب الفيسبوك والتويتر وغيرها من وسائل سخرها الشباب للتعبير عن ذاتهم وعن كيانهم وشخصيتهم وعن آرائهم وأفكارهم وواقعهم.

لذلك نجد أن هذه المرحلة الجديدة من التغيير في العالم العربي، بل ربما في العالم كله بدأت بالتعبير عن الذات وتحليل الواقع وبالتالي التخطيط للتغيير ومن ثم البدء فيه من خلال هذه الوسائل المتطورة. وبعد انطلاق ثورة التغيير في مصر وبداية التعرف على بعض من كان لهم الفضل بهذه الثورة الشاملة التي جمعت كافة فئات الشعب وأطيافه، ظهر هذا المهندس الذي دخل قلوب جميع من استمع إليه، رغم أن إطلالاته الإعلامية كانت قليلة، ولكنها مؤثرة ومعبرة لسبب بسيط وبسيط جداً، وهذا السبب يكمن في أنها كانت صادقة وغير متصنعة وواضحة الأهداف.

وائل غنيم الشاب الذي كان أحد الذين فجروا البركان الصامت داخل الملايين من الشعب المصري المظلوم. وائل غنيم نموذج الشاب الذي نريد لما يتصف به من صفات نبيلة يحتاجها كل شعب يريد أن يتقدم ويتطور، فما بالك بالشعوب التي تريد أن تتحرر. ونحن هنا في غزة وفي ظل عام الشباب الذي أعلنته الحكومة الفلسطينية وشكلت له لجنة عليا برئاسة وزارة الشباب والرياضة، لتعلن هذه اللجنة أن شعار العام وشعار اللجنة هو مستقبلنا أجمل. وهنا نقول إن مستقبل الشباب لن يكون أجمل ولا أفضل إلا إذا رسخت في نفوس شبابنا مجموعة من الخصال والصفات لمسناها في الشباب المصري، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر الشاب، وائل غنيم. وللحق أقول إن الشباب الفلسطيني فيه الخير الكثير وفيه ربما أكثر من هذا الشاب ولكننا هنا نأتي بها من باب التأكيد والتذكير ليس إلا.

فمن هذه الصفات التي نريد في شبابنا ليكونوا بإذن الله قادة التحرير، والتي سنمر عليها باختصار:

- العلم: فهذا الشاب مهندس حاسوب وحاصل على ماجستير إدارة أعمال. ولولا علمه الذي تحصن به لما استطاع تسخير الوسائل الحديثة لصالح شعبه ومجتمعه وأبناء بلده، ناهيك عن الفوائد الذاتية.

- التميز: فهو متميز في عمله وأدائه وفي كل المواقع التي عمل بها، فنحن لا نريد أرقاماً تضاف أو أعداداً تزيد الكم، ولكننا نريد إضافات نوعية فعندنا من الأعداد ما يكفي في كل المجالات.

- إتقان العمل: وهذا كان واضحاً في كل الخطوات التي قام بها، والأعمال التي أنجزها، ولا ننسى أن إتقان العمل من الأمور التي يحبها الله. وهذا الأمر هو الذي يميز عملاً عن آخر ومشروعاً عن آخر وكذلك أشخاصاً عن آخرين.

- حب الوطن: فكان بإمكانه أن يبقى مترفهاً في عمله الناجح في الإمارات، ولكنه آثر بلاده على أوضاعها ليقيم بها مفضلاً إياها على غيرها ليساهم في الإصلاح والتغيير، ودائماً نقول إن الإصلاح يكون من الداخل وبالمشاركة الفعالة وليس بالنظر من الخارج والانتقاد غير الهادف.

- المبادرة: فهذه من الصفات التي تجعل الأفراد يتميزون عن بعضهم، والتي تصنع منهم القادة. فبعد الدعوات على صفحات ومواقع الإنترنت المختلفة من فيسبوك وتويتر وغيرها، وقيادة الشارع في البدايات وبعد خروجه من الاعتقال يعود ليبادر بالدعوة إلى الاستمرار في المشوار حتى النهاية، وحتى بعد النهاية ها هم الشباب ينزلون للشارع يبدأون تنظيف الميدان بعد أن نظفوه من خبث النظام، بل ويدعون الجميع إلى العودة إلى العمل من جديد لتصبح بلدهم متقدمة ومتطورة كما لم تكن من قبل.

- الإيمان بالفكرة: هذا الإيمان جعله وفي أول تصريح له بعد خروجه من الاعتقال يدعو إلى مواصلة الاعتصام، بل ويعود إلى مواصلة الاعتصام في الميدان. وأي فكرة لا يكتب لها النجاح إلا إذا آمن بها حاملوها ودافعوا عنها بكل ما أوتوا من إمكانات، غير آبهين بالصعاب وبالأشواك والتحديات التي قد تواجههم.

- وضوح الهدف: فالهدف كان واضحاً منذ البداية، وهو إسقاط النظام، ولذلك توجهت كل الأعمال والتصريحات والمواقف نحو تحقيق هذا الهدف الواضح والمحدد، دون تشتيت للأفكار أو للجهود.

- التواضع: وهو يخرج من السجن يقول (لا تصنعوا مني بطلاً فأنا كنت غائباً عن الميدان)، فكان من السهل أن يمجد نفسه، أو أن يدخل الكِبْر في نفسه. وهالات الإعلام وأضواء الصحافة قد تدخل الكِبْر في نفوس البعض، ولكنه التواضع الذي جعله يستمر حتى النهاية، وحصَّنه من الوقوع في الهاوية.

- الاتزان وعدم التسرع: وخصوصاً في قطف الثمار، ورغم أن الشباب يتصفون بالحماس والدافعية، إلا أنهم في ميدان التحرير كانوا حكماء في تصرفاتهم وردود أفعالهم. رغم أن البيانات التي كانت تصدر من الجهات الرسمية المختلفة كانت كفيلة بأن تجعل الكثير من الحكماء يخرج عن السيطرة.

- وليس بآخر: التفاؤل: فرغم صعوبة المؤشرات خلال أيام الاعتصام لم يبارح التفاؤل عيون الشباب ولا تصريحاتهم، وخصوصاً أنهم تربوا على شعار (لا يأس مع الحياة، ولا حياة مع اليأس).

كثيرة هي الصفات التي نريدها في شبابنا حتى نواصل معاً مسيرة التغيير والإصلاح، ومسيرة البناء والتعمير، بناء الفرد والمؤسسات والمجتمع والهيئات المختلفة، وتعمير النفوس والأرواح والمرافق والمباني والبلاد. ولكننا كلنا أمل بأن الخير قادم والأفضل ينتظرنا بإذن الله تعالى، فوعده نافذ لا محالة. ولكن هذا الأمر يتطلب منا المزيد من الحراك، ونحن على يقين بأن شبابنا مليءٌ بهذه الميزات ويتصف بأكثر من ذلك، ونحن على ثقة أيها الشباب، بكم ومعكم ومن أجلكم، ولأنكم تتصفون بهذه الصفات وتحملون في جنباتكم هذه المزايا والخصال نحن على ثقة: أن مستقبلنا أفضل وأجمل بإذن الله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق