الخميس، 16 يناير 2014

لاجئ


بينما كنت أقرأ مقالاً لأحد الاخوة عن موضوع الطابور، وأنه قد يلازم الإنسان منذ بدء حياته حتى مماته، شغلني التفكير بالماضي والحاضر والمستقبل، فقد عاد بي بالذاكرة إلى سنوات وسنوات في تاريخ الشعب الفلسطيني بمحطاته العديدة. وهنا وقفت أمام محطة أليمة، جعلت من المواطن الفلسطيني لاجئاً في وطنه وفوق أرضه، بل وفي الشتات كذلك، حيث المخيمات التي نصبت له هنا وهناك، يعيش بها ردحاً من الزمن معلوم البداية، ولكنه مجهول النهاية. وقد يجور القريب قبل الغريب عليه، فيضطر للتنقل، أو قل للتشرد من مخيم إلى مخيم، ومن شتات إلى شتات، بل من مأساة إلى مأساة. هكذا يريد المحتل والمستعمر أن يبقى حال الفلسطيني، ليس مسموحاً له بالاستقرار في حياته إلا إذا تنازل عن كرامته، وعن هويته، فيصبح فلسطينياً بلا هوية، بلا جذور، وبلا أرض. بل إنهم يحاولون جاهدين على أن يسلبوه الزمان كما سلبوه المكان. وللطابور ذكريات مستمرة مع اللاجيء الفلسطيني، وغالبها ذكريات حزينة. وتعود بي الذكريات إلى أربعين سنة خلت، حيث بدايات المرحلة الابتدائية من الدراسة، فبعد طابور الصباح يحل عليك طابور آخر، حيث كوب الحليب وتلك الحبة الصفراء المشهورة بحبة زيت السمك، نشربها على مضض أحياناً، ونتداعى بذلك أحياناً أخرى. وأما أسوأ طابور يمر بمخيلتي فهو طابور المؤن، حيث مراكز توزيع المساعدات الغذائية والمعونات. وإن كان ظاهر هذا الطابور فيه الجانب الإنساني والإغاثي، ولكنه يحمل بين طياته أهدافاً مسمومة، تجعل من الفلسطيني العزيز المجاهد المرابط يمد يده للمساعدة، ويحاولون من خلالها كسر نفسه العزيزة وقتل إرادته وهمته، فلا يقوى أن يمدها في وعلى وجه المحتل. بل إن ويلات هذا الأمر أصعب من ذلك، فهم يريدون من الفلسطيني وهو ينتظر موعد توزيع الكوبونات أن يبقى خاملاً بدون عمل، أو بدون رغبة في البحث عن العمل، أو تعلم مهنة تحفظ له كرامته. وهنا أستحضر المثل الصيني: (لا تعطني سمكة، ولكن علمني الصيد)، والذي يجب أن يكون هدفاً ووسيلة ممن يقدمون المساعدات إن كانت إنسانية بمعنى الكلمة، فالكوبونات والطرود الغذائية تنتهي بعد استهلاكها وتبقى الحاجة كما هي. وللأسف فإن لسان حال هؤلاء يقول: إن هدفنا أن تصبحوا إتكاليين ومعتمدين علينا بصورة كاملة، ليس فقط في طلب السمك، ولكن حتى في فتح علبة السردينة؟!. علبة السردينة هذه لم يحصل عليها من تبقى من اللاجئين في مخيم اليرموك المحاصر بصورة كاملة منذ عدة أشهر، ويبدو ذلك تأزيماً لمأساة اللاجئ الفلسطيني، في أسوأ جريمة من جرائم الإنسانية، حتى وصل الحال إلى درجة يندى لها الجبين ويصعب وصفها، ولكن تبقى صور شهداء الجوع خير شاهد على حجم الجريمة، لتكون وصمة عار بحق المتخاذلين والصامتين. فهي إذن مأساة تتجدد، من واقع اللاجئين والمخيمات، من الطوابير المؤلمة وجرائم الحصار، والأهم من الحرمان من الأرض والحرمان من حق العودة. ومن هنا وبعيداً عن ثقافة الملاطم، أدعو جميع المخلصين من أحرار العالم، وخصوصاً المؤسسات المعنية بقضايا اللاجئين وحق العودة العمل على تفعيل قضايا اللاجئين طوال العام، وعدم الاكتفاء بتسليط الضوء عليها في ذكرى النكبة، فهذه القضية لا يجب أن تكون قضية موسمية، أو ذكرى سنوية، نقلب فيها المواجع لأيام معدودات، ثم تعود الحياة بعدها وكأننا قمنا بالمطلوب، فالمطلوب أن نصل قريباً بإذن الله عند مراجعة المصطلحات والمسميات الخاصة بالشعب الفلسطيني والتي أصبحت من الماضي، أن يكون من بينها مصطلح: لاجئ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق