الخميس، 9 يناير 2014

إصلاح


قبل أيام كتب أحد الأصدقاء الفيسبوكيين على صفحته السؤال التالي: أيهما يأتي في الدرجة الأولى قبل الآخر: إصلاح المجتمع وتأهيله، أم دحر الاحتلال والاستعمار؟ وحقيقة فإنني لا أعتبر هذا السؤال سؤالاً عابراً، أو أن الإجابة عليه من الترف الفكري، أو غير ذلك من المصطلحات التي قد تنم عن سطحية المجيب، فالإجابة على هذا السؤال لها ما بعدها، حيث ينبني عليها وضع الخطط المستقبلية، ورسم السياسات العامة، وترتيب الأولويات المجتمعية في نهج الإصلاح والتغيير، وفي خطط النهضة والتطوير، وكذلك في طريق المقاومة والتحرير. ولا مبالغة إذا قلنا أن الاحتلال والاستعمار، وهما وجهان لعملة واحدة، يعملان على تخلف المجتمعات وتأخرها وارتباطها بهم بصورة كبيرة واعتمادها عليهم كلياً، حتى يبقى الشعب مستعبداً وسهل التحكم به وتوجيهه والضغط عليه، ويعمل في سبيل الحفاظ على مملكته وسيادته على خلق الأزمات تلو الأزمات له، ليبقى الشعب مطأطأ الرأس، لا يستطيع التخطيط لغد مشرق ومشرف، وليس الخمسة بلدي ولا الفوضى الخلاقة ولا الشيطنة الإعلامية ولا البيادة العسكرية عنا ببعيد. وعودة للسؤال، ولأن الأمرين مرتبطان، فإن الجواب يتطلب العمل في الاتجاهين بصورة متوازية، ومتوازنة في نفس الوقت، والتوازن هنا لا يعني التساوي، بل يعني إعطاء كل أمر نصيبه ودرجته من الأهمية، وهذا يعني إصلاح الجبهة الداخلية لتكون متماسكة ومترابطة، فهذا هو الأساس، دون الغفلة عن المضي قدماً في الخلاص من الاحتلال ودحره بصورة نهائية. وفي الآية الكريمة (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل) قد يندرج في تعريف القوة بمفهومها الشامل قوة الصف الداخلي، وترابط النسيج المجتمعي، تماشياً مع قوله عز وجل: (إن الله بحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص)، وهذا التراص والجاهزية للقتال في سبيل الله لا يكون إلا للمجتمع المتكامل المتماسك الصالح الخالي من أي تشويه أخلاقي أو تخلف قيمي أو تهتك في منظومة المبادئ. ومن هنا فإن الطريق للوصول لهذه الأهداف ليس شديد الوعورة، ولكن به منعطفات ومنحدرات بحاجة إلى المزيد من الجهد لتمهيدها وتهيأتها لتمر به قافلة الإصلاح والتأهيل بكل سلاسة دون معوقات أو تعطيل أو تأخير. والإصلاح هو نقيض الفساد كما وضحه قوله تعالى: (والله يعلم المصلح من المفسد)، وقوله: (ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها). وكان نهج الأنبياء وشعارهم: (إن أريد إلا الإصلاح). لذلك فإن منظومة إصلاح المجتمع وإعادة تأهيله ليكون قادراً على سيادة نفسه وتحرير أرضه يجب أن تكون قائمة على العدل وسيادة القانون والشفافية والمشاركة، حينها تستطيع أن ترفع من القوة المجتمعية في مصفوفة القيم والأخلاق والسلوكيات الحميدة: التعاضد والتكاتف والتكافل والتكامل بين أفراد المجتمع لتشكل الرافد الأساس لمجابهة أي عدوان خارجي أو تمرد داخلي بكل أريحية، فساعتها ستكون كل الجبهات محصنة، وكل الجهات مدعمة بسواتر إيمانية عقدية تحفها القيم والأخلاق ومتماسكة الأركان. بالتالي فإن الإصلاح والتأهيل يقوم بصورة أساسية على بناء أفراد المجتمع، وكلنا يعرف قصة سور الصين العظيم الذي تفنن حكامها ليكون حامياً لهم من أي عدوان خارجي بشدة ارتفاعه، ولكنهم أهملوا تحصين حراس السور بالقوة اللازمة من الانتماء والوطنية والقيم والمباديء، فتعرضت الصين لعدة غزوات بدخول جيوش الأعداء من أبواب السور برشوة حراسها. لذلك فلا حرية ولا قضاء على الاحتلال والاستعمار، ولا تنمية ولا نهضة إلا إذا ازدادت وتيرة الإصلاح، فحي على الإصلاح.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق