بداية لا أقصد بعنوان المقال الحديث عن جماعة الإخوان المسلمين، وإن كان محتواه سيتطرق بكلماته المتواضعة إلى أحد ركائز هذه الجماعة، وأحد أركان بيعتها العشرة، التي يلتزم بها أبناؤها، بناءً على دعوة مؤسس الجماعة الإمام حسن البنا رحمه الله، والتي يبايعون الله على الوفاء بها، وتطبيقها في حياتهم، لينالوا خير الدنيا والآخرة. وإنما أريد من هذا العنوان الصفة التي يجب أن يتصف بها أبناء المجتمع، والحالة التي يجب أن يكونوا عليها، من تآخي يؤدي إلى شيوع حالة التعاضد والتكافل والتسامح والتكامل، حتى يكون مجتمعاً متراصاً قوياً منتجاً، وليس مجتمعاً متناحراً متناخراً ومتفكك الأوصال والروابط، تتداعى عليه الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها. وكلنا يعلم أن أول عمل قام به المصطفى عليه الصلاة والسلام في المدينة هو المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، فهو أول تشريع أقره ونفذه عليه الصلاة والسلام، ليكون أول دعائم وركائز الدولة الفتية، وليؤكد من خلاله أن قوة المجتمع تكون بالاندماج التام والشامل بين أفراد المجتمع، اندماج لا يعرف فرقاً بين قوي وضعيف، أو أبيض وأسود، أو غني وفقير. وما أعظمه من اندماج قائم على تطبيق هذا المبدأ الأساس في رفعة الأمة وتقدمها وقوتها، ألا وهو مبدأ الأخوة. وهنا أود التنويه إلى نقطة هامة، ألا وهي أن الشيطان وأعوان الشيطان يحاولون أن يدسوها بين أبناء الشعب الفلسطيني الواحد، فكل فترة وأخرى تظهر في الميدان نعرة (ضفاوي وغزاوي)، أو الأدهى من ذلك (مواطن ولاجئ)، وهذا باب من أبواب التفرقة بين أبناء الشعب الواحد والمجتمع الواحد، والذي يتنافى مع مبدأ الأخوة، بل مع مبدأ وصفة الإيمان، وذلك تأكيداً لما جاء في قوله تعالى: (إنما المؤمنون أخوة). هذه هي العلاقة الوطيدة والرابطة المتينة التي يجب أن تكون بين أفراد المجتمع، ليس أخوة النسب، ولا أخوة العشيرة، أو القرابة، بل أخوة الدين المبنية على المودة والرحمة، والقائمة على أسس الإيمان. وعودة إلى الفكر الإخواني القائم على الشريعة السمحاء، يقول الإمام البنا في رسالة التعاليم عن ركن الأخوة: (وأريد بالأخوة: أن ترتبط القلوب والأرواح برباط العقيدة، والعقيدة أوثق الروابط وأغلاها، والأخوة أخت الإيمان، والتفرق أخو الكفر، وأول القوة: قوة الوحدة، ولا وحدة بغير حب، وأقل الحب: سلامة الصدر، وأعلاه: مرتبة الإيثار). وهنا لا بد من الحرص والمحافظة على رابطة الأخوة، فإن تعززت في النفوس تلاشت أمامها كل المشاكل والخلافات، وإن تزعزعت بدأت الفرقة تدخل بين النفوس، وبدأ انهيار المجتمع وبنيانه. والمجتمع المتآخي كالبنيان المرصوص، المتكامل الأركان، بل إن أفراده يصبحون كالجسد الواحد، يحمل بعضهم بعضاً، ويؤازرون بعضهم في السراء والضراء. ويعيشون بنعمة الله سبحانه وتعالى (فأصبحتم بنعمته إخوانا)، بل ويدعون لبعضهم بالخير والمغفرة (ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان)، فإن تحققت فيهم هذه المعاني والقيم فجزاؤهم عند ربهم في جناته (إخواناً على سرر متقابلين). وعن الأخوة الحقة يقول الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه؛
إن أخاك الحق من كان معك...ومن يضر نفسه لينفعك...ومن إذا ريب الزمان صدعك...شتت فيه شمله ليجمعك. هذه هي الأخوة التي تظهر واضحة في وقت الأزمات والشدائد، فهي التي تكشف لك عن حقيقة إخوانك، الذين يزدادوا قرباً منك في وقت الضيق، ولا يتركوك لوحدك تواجه الأزمات. وحتى لو لم يقدموا لك حلولاً لما تمر به من مشاكل، فإنهم بوقوفهم بجانبك يرفعون من معنوياتك، لتستشعر حينها قيمة ومعنى الأخوة. لكل ما سبق فإن دعوتي إلى جميع أبناء فلسطين المرابطين، بل لكل البشرية، ليتحقق لهم خير الدنيا والآخرة، هي تطبيق وصية رسولنا المصطفى عليه الصلاة والسلام: كونوا عباد الله... إخوانا...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق