الاثنين، 7 أكتوبر 2013

إتقان



تتقدم الدول وتحجز مكانها ضمن الدول العظمى لعدة مسببات، وقد يكون مكانها على قدر قوتها الاقتصادية والإنتاجية. وهذا القدر وهذه المكانة لم تتحقق لها إلا بعد أن سخرت كل طاقاتها وإمكاناتها ليكون جميع أفرادها منتجين ومبدعين في عملهم، وليس فقط في توفير فرص عمل لهم، فهم يعلمون أن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة. هذا العلم ترجمه أفراد هذه المجتمعات إلى واقع، فتراهم يتسابقون نحو التميز، والذي لا يتحقق لهم إلا لأنهم أدوا أعمالهم بقدر كبير وعالٍ من الحب والانتماء والمهنية، فتحقق لهم السبب الأساس وراء التميز ألا وهو: إتقان العمل. وهذا الأمر ليس ببعيد عن مفاهيمنا ومعتقداتنا ومبادئ وتعاليم ديننا الحنيف، فكلنا يحفظ الآية الكريمة التي يأمرنا فيها الله سبحانه وتعالى بالعمل، ويعقب لنا بعدها مباشرة أن هذا العمل مراقب ومتابع وسيراه الجميع، وأولهم الله جل في علاه، فبالتالي يجب أن يكون على أحسن وجه: (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون). وكلنا يحفظ كذلك حديث المصطفى عليه الصلاة والسلام: (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه). وفي هذا الجانب، وعن مدى احتياجنا ليس للعاملين بل للمتقنين أعمالهم، يقول المرشد السابق لجماعة الإخوان المسلمين في إحدى رسائله: (والمجتمعات الإسلامية، ومصر منها، في تعطُّش وظمأ لهذا النوع من العمال والموظفين المخلصين المتقنين لأعمالهم؛ لكي تنهض من كبوتها وتتقدَّم من تخلُّفها، وتصير كما كانت في سالف عهدها خير أمة). حقيقة كم نحن بحاجة إلى هذا النوع من العمال والموظفين مهما كانت طبيعة عملهم، ومهما كانت درجتهم الوظيفية. وقد يستطيع العاملون أن يقنعوا مسؤوليهم بأنهم يعملون بإتقان، ولكنهم نسوا (فسيرى الله...) فعين المسؤول قد تغفل عنك، ولكن عين الله تراقبك، وستحاسبك يوم لا ينفعك بعد رحمة الله إلا صالح أعمالك. فالمراقبة الذاتية هي أول عوامل تحقيق إتقان العمل. وثاني هذه العوامل هو حب هذا العمل مهما كان، فأنت عندما تحب عملك ستنجح فيه، وستؤديه على أحسن وجه، بل وستكون مميزاً فيه، ومخرجات هذا العمل المتقن ستكون واضحة للعيان، وستتحدث عن نفسها. وعلى النقيض، تجد من يذهب لعمله وهو كاره له، يشعر بحمل ثقيل على كاهله، ويصدق فيه الوصف القرآني: (كأنهم يساقون إلى الموت). وكم تكون سعادتي عندما أذهب إلى إحدى المؤسسات التي عملت فيها، وأرى مراسلها، والذي بالفعل على بساطة عمله إلا أنه أحبه فكان مميزاً فيه، ويؤديه بأريحية تامة وبابتسامة تزين كل ما يقوم به من أعمال. أمر ثالث يساهم في إتقان العمل القناعة بالواقع الوظيفي والمردود المالي لهذا العمل الذي تقوم به. فقد انتشرت وللأسف في الفترة الأخيرة بين بعض الموظفين جملة (على قدر ما بيعطوني بأعطيهم)، أو (أنا محبط لأن درجتي الوظيفية لم تتغير) فتراه يؤدي عمله على عجل، فلا يتم إنجازه بالصورة المطلوبة، أو على استرخاء شديد، فيعذب الآخرين معه ويعطل  مصالحهم، ونسي أن الله سيحاسبه على ذلك. وهنا فإنه غَلَّب وللأسف مكافأة البشر على محبة رب البشر، بل قد يكون نسي: (وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئُكم بما كُنْتُمْ تعملون). وبكل تأكيد أهم عوامل إتقان العمل المهنية والمتابعة الدائمة لآخر التطورات في مجال العمل، وكذلك تطوير الذات والقدرات، وإن لم يكن من خلال المؤسسة التي تعمل بها، فليكن بصورة ذاتية. هذه هي بعض الأمور التي تساعد على إتقان العمل لتساهم في نهضة الأمة وتقدمها ورقيها، ولكن يبقى قبل كل هذا وبعده  أمر هام، ألا وهو استحضار النية وعقدها بأن يكون إتقانك لعملك تقرباً لله عز وجل، حتى تحصل على الأجر والأُجرة بإذنه تعالى.
واسمعوا إلى أمير الشعراء في خطابه للعمال: أيها العمال أفـنوا العمر كداً واكـتساباً
وأعمروا الأرض فلولا سعيكم أمـست يباباً
أتقنوا يحببكم الله ويرفعكم جـنابا
إن للمـتقن عند الله والناس الثوابا
فهي إذن دعوة مفتوحة للجميع: لا تنظروا الشكر والثناء وقبول العمل إلا من رب العالمين، ولأنه تعالى الذي أتقن كل شئ فأدوا عملكم بمهنية و...إتقان...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق