الخميس، 31 أكتوبر 2013

خضراء


الكتيبة الخضراء، والسرايا الصفراء، وليس بعيداً أن نسمع الساحة الحمراء، أو الدوار الأسود، وغيرها من مسميات. ألوان ألصقناها بمساحات مفتوحة. الأولى تم تجهيزها لتكون متنفساً لأبناء القطاع، وخصوصاً أنها قريبة من منطقة الجامعات. والثانية هي أرض فضاء اكتسبت هذه الصفة بعدما قام المحتل بتسوية المباني التابعة لوزارة الداخلية، والتي كانت مقامة عليها بالأرض، لتضيف للمجتمع الغزي فراغاً حضرياً جديداً، يمكن استغلاله ليكون مركزاً عمرانياً لهذه المدينة، بعد أن امتلأت كل جنباتها بالكتل الأسمنتية، وفي غالب الأحيان غير المتناسقة، ولا تشكل نسيجاً عمرانياً، ولا تشكيلاً معمارياً مميزاً. فقد اختلطت كل النظريات المعمارية والأسس العمرانية بصورة عشوائية غير مدروسة، وإن كانت تشكيلات الواجهات الحديثة تحاول إضفاء لمسة جديدة على هذه الكتل، عساها تسر الناظرين، وتساهم في تشكيل ذوقهم، وترسم معالم وجوههم بعد الارتياح النفسي لرؤيتها. وليسمي كل منا هذه الأماكن بما يشاء من أسماء، وليطلي عليها ما يريد من ألوان، وهي نابعة من تشكيله الحزبي للأسف، ولكن شاء أم أبى الجميع فهي في النهاية خضراء تملأ العيون بلون الطبيعة، الذي يضفي للمكان رونقاً واتساعاً وجمالاً وبهاءً، فهو اللون الذي يذهب التوتر، ويجلب للنفس الطمأنينة والسكون، ويريح الأعصاب، ويدل على النمو والاتزان، وكفى أنه لون ثياب أهل الجنة، (ويلبسون ثياباً خضر من سندس وإستبرق)، جعلنا الله وإياكم من أهلها. وبطبيعة الحال هذا الوصف بعيد عن التعصب الحزبي، ففي النهاية قوس قزح لم يمتلك جماله الباهر إلا بتعدد ألوانه، وانسجامها وتكاملها مع بعضها البعض، لتخرج بهذه الظاهرة الطبيعية واللوحة الجمالية بطيفها المتعدد والمتكامل في نفس الوقت. ومَن تجول في أيام العيد في مدينة غزة وجد أن كل هذه المساحات المفتوحة من أرض الكتيبة إلى أرض الميناء التي تحولت من مكب لركام أنقاض الحرب إلى قبلة للمواطنين بعد إنشاء الحديقة الأوروبية، وحتى قبلها بعد التطويرات التي جرت في المكان، فكانت في الصيف وفي رمضان ملاذاً للعائلات، فامتلأت الميناء والكتيبة والمنطقة المقابلة للسرايا، المعروفة بأبو خضرة، (عدنا للألوان، ولكن في هذه الحالة اللون جاهز من البداية)، وقد تم تسوية مبانيها بالأرض في معركة حجارة السجيل، لكنها تحولت أيام العيد إلى مدينة ألعاب للأطفال، وجدوا فيها متنفساً لتفريغ الطاقات الزائدة، ومجالاً للترويح عن الكبار قبل الصغار. وبالتأكيد امتلأت مدينة أصداء وبيسان، وغيرها من أماكن مماثلة من الشمال للجنوب بالزوار، رغم قلتها. فكم شعبنا بحاجة إلى هذه المرافق وإلى هذه الفراغات المفتوحة، ليمتد بصره أكثر من مسافة أربعة أمتار، هي في الغالب أبعاد غرف البيت أو مكان العمل، ليمتد معها خياله وأفقه ومداركه، ولتتفتح معها قريحته وتنفرج أساريره. وهنا كم أتمنى أن يتم تشكيل توجه شعبي لاتخاذ قرار حكومي جريء بأن تبقى هذه المساحات فضاءات مفتوحة، رغم علمي بأن منطقة أبو خضرة موقوفة كمستشفى، ولكن سؤال بسيط: هل ما زلنا بحاجة إلى مستشفيات؟ وتساؤل آخر أليس في هذه الفراغات (السرايا وأبو خضرة) عندما تتحول إلى أماكن للتنزه واللعب وتفريغ الشحنات الزائدة والترويح عن النفس والتعرض للهواء الطلق والشمس الساطعة، فيها شفاء للروح والجسد من كل الأمراض النفسية والبيولوجية؟، (هذا موضوع نتركه لأهل الفتوى، ونأمل أن يجدوا مخرجاً ولن يعجزوا). وليشرح أهل علم النفس والاجتماع مدى تأثير زيادة الفراغات المفتوحة على تقليل معدل الجريمة!. وفي النهاية أوجه همسة عتاب للمواطنين: هذه المرافق في النهاية لكم وملككم، تم إنجازها من أجلكم، فحافظوا عليها واهتموا بنظافتها، حتى تستمر الكتيبة والسرايا وأبو خضرة والميناء وغيرها، وحتى تبقى... خضراء...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق