الأربعاء، 2 أكتوبر 2013

لوامة



يعيش الإنسان في حياته بين تجاذبات الخير والشر، الحق والباطل، الهدى والضلال. الصح والخطأ، وهو في هذا المشوار يميل إلى هذا الجانب أو ذاك حسب ما تقوده نفسه وتسول له، وحسب ما تبرره له من إيجابيات أو سلبيات هنا وهناك. وفي نفس الوقت حسب ما يوجهها هو إلى الفجور أو إلى التقوى، (ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها)، وحسب ما يقرره هو بسلوك طريق الفلاح، والوسيلة واضحة: (قد أفلح من زكاها)، أو أن يتخذ طريق الخيبة، ونفس الأمر هنا فالطريق جلية: (وقد خاب من دساها). ولقد تطرق القرآن الكريم إلى تصنيف النفس، فكانت على الوجه الأساس تنقسم إلى ثلاثة أنواع: الأمارة بالسوء، والمطمئنة، واللوامة. فأما النفس الأمارة بالسوء، فهي نزعة غالبة على البشر، إلا من رحم الله، وجعله يتغلب على هواه. وهنا يظهر الفرق بين شخص وآخر، بين الذي ينتصر على نفسه، ويقودها هو إلى الخير والرشاد والفلاح، وبين من تقوده هي إلى الشر والضلال والكساد، فيصبح كالأنعام التي يقودها الراعي حيث يشاء، بل أضل سبيلاً، (وما أبرئ نفسي، إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي). ولأن النفس جبلت على حب الشهوات والملذات والمغريات الدنيوية وما أكثرها، لذا فإن مجابهتها ومجاهدتها بالبعد عن هذا الطريق المغري ليس بالأمر السهل ولا بالهين. وعلى قدر الانتصار على النفس يكون مستوى الإيمان، وهذا الانتصار يكون بتعويدها على فعل الخيرات بشتى أنواعها، والاستمرار على نهج إصلاح الذات وتقييمها أولاً بأول، حتى لا تحيد عن السراط المستقيم. لذا من الضروري إرغام النفس على الخير، فهي إن لم تعودها على الخير دعتك إلى الشر وزينته لك، وإن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل، وإن لم تأمرها بالطاعة جرتك إلى المعصية، وإن لم تقدها إلى المعروف أبعدتك عنه. وأما النوع الثاني من النفس فهي في عباد الله في الدنيا، وفي جنته في الآخرة. هي النفس المؤمنة بالله وبقضائه وقدره، لذا دخلت السكينة فيها، وحل الوقار عليها، واتصفت بالهدوء والاطمئنان، فهي راضية بحكم الله وبحالها وبما هي عليه، لا تسعى إلا للخير وبالخير، فحق لها أن تكون مرضية عند رب العالمين. وعلى النقيض من النفس الأمارة بالسوء النفس اللوامة، التي تذكر صاحبها بيوم القيامة، الأولى تقول أيان يوم القيامة؟، أما هذه فموصولة بيوم القيامة، وحساب يوم القيامة، (لا أقسم بيوم القيامة، ولا أقسم بالنفس اللوامة). ارتباط جعل من صفات النفس اللوامة أنها في صراع دائم مع ذاتها في كافة المجالات وخصوصا في قضايا الثواب والعقاب، وواقع الدنيا والآخرة. وتتضح طبيعة هذه النفس ويتضح معها صدق نواياها عندما يكون هناك تضارب بين المصلحة الخاصة والعامة، وبين فعل الخير وفعل الشر. فهي دائمة التذكير لصاحبها بزجره عن هواه، وبثنيه عن طريق الضلال، لا تقبل أن يحيد قيد أنملة عن الجادة، بل تطلق له صافرة الإنذار عند أي هفوة بسيطة، أو عند ارتكابه أي خطأ، صغيراً كان أو كبيراً، وسواء كان مقصوداً أو غير مقصود. وهنا من باب التذكير أود التنويه إلى أن نفوساً عديدة حملت أرواحها بين أيديها في زمن التحديات والصعاب، ولكن بعضها تراجع قليلاً إلى دنياه، عندما بدأت قلة تنزل عن الجبل لتحصد غنائم محدودة وموقوتة، ونسيت أن راحتها وقوتها وعزتها وكرامتها كانت عندما باعت الدنيا بما فيها رخيصة في سبيل الله. هذه النفوس هي نفوس لوامة، لا صعوبة بتاتاً أن تعود إلى أصلها بقليل من الجهود المخلصة، وبتقديم القدوة العملية ممن هم أهل القدوة، والمجتمعات على أديان أسيادها، وأسياد هذا الزمان والمكان باعوها لله، فهل ستعود هذه النفوس إلى التجارة الرابحة، وهل سترجع إلى ربها راضية مرضية!؟ عسى أن يكون ذلك قريباً قريبا. وهذا السؤال وهذه الأمنية من باب عدم القبول بأي مرتبة أدنى من المثالية، فالمبتغى رضوان الله. ومن باب زجر النفس والبعد عن الإعجاب بالذات، فهذا من المُهلكات، التي يحددها المصطفى عليه الصلاة والسلام في حديثه: (ثلاث مهلكات شح مطاع وهوى متبع وإعجاب المرء بنفسه). لذا فيا فوز من انتصر على نفسه وهواها، فأصبحت مطمئنة راضية مرضية أو ...لوامة...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق