الأحد، 13 أكتوبر 2013

فرحة


يهل علينا غداً بإذن الله تعالى عيد الأضحى المبارك، ويهل معه الخير الكثير، حيث قارب الحجيج من الانتهاء من مناسك الحج، بعدما اجتمعوا من كافة بقاع المعمورة، ليوحدوا الله ويكبروه ويشكروه على نعمائه، وليشهدوا كذلك منافع لهم، في جو مليء بالإيمانيات، تصفو فيه القلوب، وترتاح فيه النفوس، وتغسل فيه الدموع التي تتساقط من العيون بدون إذن صاحبها، لتطهره من داخله، وتشاركها مياه زمزم الطيبة مما يشربه أو يسكبه منها على رأسه بعد الانتهاء من الطواف، فيرجع كما ولدته أمه خالياً من كل سوء ودرن وضغينة ومتاعب وهموم بإذن الله. ويتسابق الحجيج على إرضاء الله تعالى في هذه الأيام المعلومات، يعظمون حرماته فهم يعلمون علم اليقين أن في ذلك خيرهم في الدنيا والآخرة، ويعظمون شعائره عز وجل، فهم يريدون أن يصلوا إلى مرحلة تقوى القلوب. جاءوا من كل فج عميق، هدفهم واحد، ومقصدهم واحد، ومناسكهم واحدة، وحتى لباسهم واحد، لا فرق بين غني أو فقير، أو بين أمير أو غفير، أو بين أبيض أو أسود، أو بين عربي أو أعجمي، كلهم سواسية لا يتمايزون عن بعضهم في هذه الأيام المباركة إلا بقدر جهدهم واجتهادهم في الطاعات والعبادات والذكر والصلاة. حقيقة هنيئاً لمن قدر الله أن يطوف بالبيت العتيق في هذه الأيام، نعمة ما بعدها نعمة، نعمة يعرف قدرها وعظيم شأنها من جربها وذاق طعم الإيمان بعدها، وشعر بعظمة الإسلام، والأهم استشعر بمعية الله ورحمته بعبيده. يستشعر ذلك وهو يطوف حول الحجر الأسعد، ويزاحم من أجل تقبيله مقتدياً بالمصطفى عليه السلام، يستشعره وهو يسعى بين الصفا والمروة متذكراً معنى التوكل على الله، واللطف الإلهي، وعدم اليأس، وأهمية الأخذ بالأسباب، يستشعره وهو يقف بعرفة يتعارف فيها على أمة محمد صلى الله عليه وسلم، التي جاءت من أصقاع الأرض ليعلنوها من بداية المناسك: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك)، ويبيت بمنى ويرمي الجمرات، ليعلن رفضه للرق والعبودية، ولفظ الشيطان واتباعه وأعمالهم الشيطانية. ويستشعر ذلك وهو ينحر، ليؤكد معه أهمية الامتثال لأوامر الله، والثقة واليقين بأن الله لا يريد لعباده إلا الخير، ولكن عليهم الطاعة وتنفيذ ما يطلبه منا دون التطرق إلى أسباب ذلك، فهو الأرحم بعبيده. وبعدما يتموا الحج يشدون الرحال إلى مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام، حيث السكون والهدوء والراحة والطمأنينة، حيث قبر الرسول ومنبره وبيته وما بينهما من روضة من رياض الجنة، وحيث البقيع ومسجد قباء ومسجد القبلتين، وحيث أحد جبال الجنة. ويعود بعدها إلى دياره مغفور الذنب مقبول التوب، تغمره الأمنيات بالعودة من جديد، فقد شعر بفرحة ما بعدها فرحة، لا يفوقها إلا فرحة مصاحبة المصطفى عند الكوثر وفي الفردوس الأعلى، وأعلى فرحة النظر إلى وجهه الكريم جل في علاه.
وأما من لم يُقَدر له تأدية هذه الفريضة، فهو كذلك في نعمة كبيرة، نعمة حصاد الحسنات بالعمل الصالح فيها بطاعة الله وذكره، هذه الأيام ولياليها العشر وصف المصطفى العمل فيها بأعظم من الجهاد. فيها يتقرب المسلمون بصيام أيامها التسعة، وخصوصاً يوم عرفة، والذي فيه يقول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: (صيام يوم عرفه أحتسب على الله أنه يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده)، فهنيئاً لمن قدر الله صيام هذا اليوم، بل هذه الأيام. ويأتي يوم العيد، ويأتي معه إحياء سننه من التكبير، والذي يمتد حتى عصر رابع أيامه، والصلاة في العراء، والنحر، وصلة الرحم. يأتي العيد، ويجب أن يأتي معه التصالح والتصافح والتسامح والتزاور.  وهنا لا بد من التنويه أن العيد هو عيد الأحياء وليس عيد الأموات، والحمد لله بدأت البدع المقرونة بالوفاة تقل في مجتمعنا، فتقريباً اندثرت زيارة المقابر والمكوث فيها طوال يوم العيد، وبقي عند البعض وللأسف الجلوس في البيت لاستقبال المعزين في أول عيد للمتوفى، ولكنها ستنتهي فالوعي بفضل الله بين أبناء شعبنا بازدياد. وأيام العيد أيام يقول عنها رسول الله عليه الصلاة والسلام: (إنها أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل)، فهي أيام غذاء للروح وللجسد، وأيام شكر لله على نعمائه. وهي أيام للترويح عن النفس، فهي أيام فرح ولهو ولعب وسرور ومتعة بنعم الله، في حدود الأدب والمعقول. وعلى الجميع أن يجتهد أن يدخل البهجة والسرور في نفس عائلته وخصوصاً الأطفال منهم. فرحبوا بالعيد، وغنوا له ما طاب لكم من الكلام، فالعيد فرحة، وأجمل... فرحة...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق