أعتقد أن جيلنا ومن سبقونا، مع كل إطلالة لهذا الشهر الكريم، شهر رمضان، شهر الخير والإحسان، ترجع بهم الذاكرة إلى مرحلة الطفولة، ومنها الأغاني الرمضانية، والتي استمعنا إليها شئنا أم أبينا، من (وحوي يا وحوي) إلى (أهٰه جه ياولاد) مروراً بـ(الراجل ده حيجنني)، وبالطبع المسحراتي سيد مكاوي، وغيرها من أغاني تحمل الغث والسمين من الكلمات. وبعض هذه الأغاني تصور الشهر بأنه شهر لعب بالفوانيس، وشهر أكل وشرب وسهر وزينة، وغير ذلك من أمور، وإن كان بعضها لا بأس به على قدره المعقول، ولكن ليس هو هدف وطبيعة هذا الشهر، شهر العبادة والطاعات والخيرات، شهر التزود للآخرة.
وهنا لا بد من مراجعات ذاتية من كل منا لنفسه، تبدأ من الصوم نفسه، هل أصبح عادة تعود عليها، أم عبادة يؤدي فيها فريضة يتقرب بها إلى الله؟ وبالتالي عليه تجديد النية والعهد مع الله.
وبطبيعة الحال يظهر مع هذا الشهر الإعداد المميز له مما لذ وطاب من مأكولات ومشروبات، وخصوصاً الحلويات والعصائر الموسمية، بدلاً من الإعداد المميز مما لذ وطاب من غذاء الروح وليس المعدة. ولا يتغير عند البعض فيه إلا أوقات الوجبات، كما تجد أن مصروف هذا الشهر مضاعف، فيحسب له رب الأسرة ألف حساب.
والكثير منا يحول شهر الصوم إلى شهر النوم، فيقضي معظم نهاره نائماً بدلاً من استغلاله بالتزود للآخرة، أليس هذا الشهر شهر الزرع لتحصد خيراته عند كريم رحيم؟. وصدق من قال: (اصحى يا نايم وحد الدايم، السعي للصوم خير من النوم). وعند استيقاظه يتسلى بمشاهدة التلفاز من برامج ومسلسلات وفوازير غير هادفة، وقد تؤدي بعض الأحيان إلى استعجاله في صلاة التراويح، وعدم صلاتها كلها في المسجد.
وأما عند بعض الموظفين فيبدأ التنافس في هذا الشهر لإرضاء الله تعالى، ولكن للأسف بمفاهيم خاطئة من البعض، والحمد لله ليسوا بكثير، فتراهم يجهزون المسابح الطويلة ليسبحوا الله ويذكروه طوال وقت الدوام، والمصاحف الجميلة ليختموا قراءتها مرة وأكثر أثناء العمل، وبطبيعة الحال التحضير لصلاة الظهر في المسجد، ولا بأس إن أطلنا المشي للمسجد حتى تزداد حسناتنا، ويكملون عملهم اليومي بالاستماع إلى الدرس بعد الصلاة حتى نهايته، وفي طريق العودة للمكتب إن تبقى هناك وقت، فلا بأس أن يمروا على عربات الخضرة والفاكهة، حتى يشترون ما يلزم للإفطار، فهذا واجبهم تجاه بيتهم!، ونسوا واجبهم الأهم أثناء الدوام، والتزامهم الأساس، وتعاليم دينهم الحنيف بأن العمل عبادة، وقضاء حوائج الناس ومعاملاتهم فرض عليهم، وحسن التعامل مع المراجعين واجب فالدين المعاملة، واستغلال وقت الدوام بغير العمل فيه كلام بين المكروه والحرام.
إذن هي فرصة كبيرة ومهيأة لنا جميعاً لنجدد النية مع الله، ونزيد من همتنا نحو إرضائه، ولنشمر سواعدنا في أداء العبادات من فرائض وسنن، ومن إتقان العمل حتى يحبنا الرحمن (إن الله يحب أحدكم إذا عمل عملاً أن يتقنه)، ومن تدبر كتاب الله والعمل بسنة رسول الله، ومن صلة الرحم، ومن التنافس الحقيقي في موسم الحصاد، حصاد الحسنات والخيرات والبركات. وأختم بهذه الكلمات لأحد الشعراء، يقول فيها:
أهلاً بشهر الإنابة... والدعوة المستجابة
أهلاً بخـير طبيب... يشفي النفـوس المصابة
أهلاً بأكرم ضيف... قد استطلنا غيابه
أنزل الله فيه... على العباد كتابه
فهنيئاً لنا جميعاً هذا الشهر، وتقبل الله طاعاتكم. و... أهلاً رمضان...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق