(كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)، هكذا عمم رسول الله عليه الصلاة والسلام مسؤولية كل فرد منا، والتي لم يستثني منها أحد. وحجم هذه المسؤولية يزيد أو ينقص حسب طبيعة الجهة المكلف برعايتها، أو قل المؤسسة المناط به إدارتها. وكل منا يجتهد في إدارة هذه المؤسسة بالصورة التي يراها مناسبة، وبكل تأكيد بالآلية التي تضمن له من وجهة نظره ومن رؤيته الخاصة تحقيق النجاح في إدارة هذه المؤسسة، ولم لا التميز والابتكار والإبداع. وحتى ينجح في هذه المهمة، وهي ليست سهلة، ولا من السهل أن يقودها أو يديرها بمفرده وبمنأى عن الآخرين، لذلك فهو يعتمد على مجموعة من الأشخاص المحيطين به، والقريبين منه، والذين يثق بهم فيشاورهم في أمره، بناءً على القاعدة الذهبية: ما خاب من استشار. وفي هذه الاستشارات قد يأخذ بآرائهم كاملة أو بصورة جزئية، يعدل على بعضها، ويرفض بعضها. وهذه المشورة لا تعيبه، ولا تنقص من قدره، أو تقلل من قيمته، بل بالعكس، يعتبر هذا التصرف هو التصرف الحكيم، وهو الأسلوب الإداري الواعي والمسؤول والمتقدم، تصرف نابع من حكمة في إدارة المؤسسة بمشاركة العاملين فيها، وخصوصاً من هم في مراكز إدارية متقدمة. وهذا الفعل يجعل الجميع يشعرون أنهم جزء أساسي من مكونات هذه المؤسسة، وأنهم شريك رئيس في صناعة القرار، فبالتالي يساهمون بصورة أكبر في إنجاح هذا القرار أو المشروع أو الفعالية. بالإضافة إلى أن هذا الأمر وسيلة عملية لصناعة القائد وصقله بالتجربة العملية، وإكسابه نوعاً من الثقة بالذات وبالقدرة على التفكير وبصنع القرار. ومع ذلك فعلى المسؤول أن يتبين من فترة لأخرى ممن حوله، ومن المجموعة التي يستشيرها، والتي يعتمد عليها، فالقلوب تتغير، والأنفس تتحول، والنوايا تتبدل، والمغريات تزيد، والأمور الدنيوية تغري بشكل كبير، ولا يثبت إلا أصحاب الهمة العالية، والإيمان القوي، ممن يتصفون بالإخلاص والتجرد. وهنا أود الإشارة إلى حديث المصطفى عليه السلام الذي يصنف فيه المجموعة القريبة من المسؤول حيث وصفها بالبطانة، فيقول: (ما بعث الله من نبي، ولا استخلف من خليفة، إلا كانت له بطانتان: بطانة تأمره بالمعروف وتحضه عليه، وبطانة تأمره بالشرّ وتحضّه عليه، فالمعصوم من عصم الله - تعالى)، وفي رواية أخرى (ما من والٍ إلا وله بطانتان...). وهاتان البطانتان إما بطانة خير، أو بطانة سوء. الأولى تتمثل في الناصح الأمين الذي لا يعرف المجاملة ولا النفاق، ولا يبتغي من كلامه إلا المصلحة العامة ونجاح المؤسسة التي هو جزء منها، لا يوافق المسؤول في كل كلامه أو أفعاله أو قراراته. وتزداد الفائدة المرجوة منه ومن استشاراته إذا كان ذا كفاءة مهنية وعلمية وعملية، حينها تكتمل فيه مواصفات بطانة الخير إلى أبعد الحدود.
وأما النوع الثاني من البطانة فهو بطانة السوء فهو المجامل الأفاك، الذي دائماً يهز رأسه للمسؤول، والذي لا يعرف إلا المجاملة والنفاق، ويعمل على إبعاد أصحاب الخبرة والكفاءة عن المسؤول، أو تشويه صورتهم، أو التقزيم من قدراتهم وإنجازاتهم، وبالطبع يفعل هذا حتى تخلو له الساحة فينفرد بالمسؤول ليمرر ما يريد، وليحصل على مبتغاه من أطماع دنيوية. فيكون بذلك قد دمر المؤسسة من حيث لا يدري وأفقدها كل مسوغات النجاح، والأدهى أنهم يعيثون في المؤسسة فساداً وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، لذلك فهم يساعدون على زيادة الفساد الإداري والمالي في المؤسسة. ولكل ما سبق، وبناءً على تعميم وتصنيف المصطفى في المسؤولية وفي البطانة التي حول المسؤول، وجب علينا جميعاً أن نراجع أنفسنا دائماً وأبداً، هل نحن بطانة خير أم بطانة شر؟، والأهم هل من حولنا بطانة تذكرنا بالله وذات كفاءة، أم بطانة تحجب عنا النور وتجرنا إلى الهاوية؟ فلنفكر ملياً في هذا الأمر، ولننظر حولنا، وندعو الله أن يكون من نستشير ومن نعتمد عليهم هم خير...بطانة...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق