(الفرق بيننا وبينهم نقطة)، أعتقد أن العديد منكم، إن لم يكن جميعكم، قد اطلع على هذه المفارقات والمقارنات بين العرب والغرب، والتي تدور حول أسس ومبادئ وقيم وأمور أخرى مطبقة عندنا وعندهم، ولكن ليس بنفس الوضع. فالفرق في التطبيق هنا وهناك نقطة تحول المفهوم الإيجابي إلى سلبي، والتصرفات الصحيحة إلى خاطئة، والتقدم إلى تأخٰر. ولا يستطيع أحد أن ينكر أن معظم ما جاء في هذه المقارنات هو وللأسف أمر واقع. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه إلى متى سيبقى حال الأمة العربية على ما هو عليه؟ إلى متى سنبقى بدون هذه النقاط؟ وخصوصاً أننا نمتلك الكثير الكثير من المقدرات البشرية والمخزون الحضاري والمقومات الاقتصادية. لقد استبشر الجميع خيراً مع بدايات الربيع العربي، الذي انتشر وساد في عدة دول، وبدأت الأمور تتغير، وبدأت الأوضاع تتحسن، وبدأت الثمار تظهر. وبطبيعة الحال فإن هذا لا يروق للغرب، فلا يعجبهم أن العرب بدأوا يضعون النقطة في مكانها الصحيح، حيث بدأت النقاط تعود فوق الحروف لتكون كلمات معبرة، وجملاً صحيحة، وعبارات مفهومة. وبدأت الإنجازات تظهر للقاصي والداني، رغم العراقيل المتعددة، ورغم وضع العصا دون كلل أو ملل من المغرضين في دولاب التنمية والنهضة. بدأت بعض الدول تطبيق مشروع النهضة لتيدأ عودة العرب إلى ركب الحضارة والتقدم، بل إلى مقدمة هذا الركب، ولم لا إلى قيادته؟! ألم نكن يوماً سادة العالم؟ ألم يتسابق الآخرون في تعلم اللغة العربية للاستفادة من الحضارة والعلوم والابتكارات العربية؟! ألم نكن قبلة الباحثين عن العدل والحرية؟! ولكن لأنه لا يروق ذلك للغرب، فلا بد من الخمسة بلدي، والفوضى الخلاقة، والديموقراطية الزائفة. ومع ذلك يجب ألا نعطي أولوية إلى ما يحيكه الغرب ضدنا، فهذا شأنهم الذي من الصعب أن يحيدوا عنه، فالأهم أن ننتبه إلى شأننا الخاص وجبهتنا الداخلية، فإن كانت محصنة بالقيم والأخلاق والمبادئ، وأضف إليها في شأننا الفلسطيني الثوابت، فلن تتأثر كثيراً بالمؤامرات الغربية، بل إنها ستتحطم على صخرة الثبات والوحدة والإيمان والعلم والتقدم والإصرار. بل سأذهب بعيداً، لماذا نربط واقعنا دائماً بهاجس المؤامرات الغربية؟، أليس من الأجدر أن نسأل أنفسنا نحن ماذا فعلنا؟ ماذا قدمنا؟ أين خططنا؟ أين مشاريعنا؟ أين مبادراتنا؟ صحيح أن واقعنا صعب والتحديات كبيرة والعراقيل أكثر، ولكن أمامنا عدة شواهد حديثة من دول عانت الأمرين بسبب الحروب والكوارث والفقر والتأخر، ولكنها خططت وعزمت ونفذت مشاريعاً تنموية ونهضوية، فعادت من جديد وبقوة إلى مقدمة الدول، ألمانيا واليابان وماليزيا وأندونيسيا وتركيا وليس بأخيراً البرازيل والأمثلة كثيرة. وهذا دليل على أن واقع الأمة ومستقبلها هي التي تحدده، ومكانتها هي التي تقررها، فإما أن تبقى تعيش عيشة ضنكا بين الحفر وفي ذيل الأمم، حيث تبقى معتمدة على المساعدات المسيسة، وتسير في مسار محدود يثقل اقتصادها وخزينتها بالديون والهموم، وتبقى تولول على الأطلال، أو أن تفيق من ثٰباتها وتنتفض من بين ركامها، فتتكاتف الجهود وتتحد النوايا والهمم لتغليب المصلحة العامة ولوضع أسس سليمة وقويمة لتنمية ونهضة الشعب، لتبدأ تأكل مما تزرع، وتلبس مما تصنع، بل تصدر منتجاتها للخارج!. وهنا نضع باختصار شديد بعض النقاط التي تساهم في ذلك، وأبدأ بأغرب نقطة، وهي:
- التعلم من تجارب الآخرين: وهذا لا يعني التقليد الأعمى، وقد سُئل امبراطور اليابان عن أهم سبب في تقدم بلده فأجاب: (بدأنا بكل ما انتهى به الآخرون، وتعلمنا من أخطائهم).
- الاهتمام بالعلم وإعمال العقول: وهنا يقول مهاتير محمد (ماليزيا لـم تحقق معجـزة
ولكـن طبقـت ما طالبنـا بـه القـرآن الكريم في أول آيـة نزلت على الرسول صلى الله عليه وسلم وهي اقــرأ).
-الأخلاق: ولقد لخص شوقي الحكاية ببيته الشهير: إنما الأمم الأخلاق ما بقيت... وأظن أنه يمكن أن يدخل ضمن المنظومة الأخلاقية المعهودة: إتقان العمل، واحترام الوقت، وكذلك سيادة واحترام القانون، والعدالة الاجتماعية.
- العمل الجماعي: فيد الله مع الجماعة، فالشعب لن تقوم له قائمة، أو يكون له كيان إلا إذا عمل ضمن منظومة متكاملة، وليس بأقل دليل على أهمية ذلك أنه لو وضعنا ترساً بسيطاً في عكس مكانه في ماكينة إنتاج، فهل ستستمر في عملها بصورة صحيحة؟!
وقبل كل هذا وبعده الاعتماد والتوكل على الله، فكل شئ بيده، مالك الملك.
وإضافة إلى ما ذكرنا أعلاه فبكل تأكيد هناك أمور أخرى، ونقاط عدة، ليس المجال هنا لسردها جميعاً أو تفصيلها، فالمهم هو البداية، والبداية من الفرد نفسه، بمراجعة ذاتية لنفسه، ولمساره في هذه الحياة، ولدوره في المجتمع. فيبدأ يتلمس الأماكن والأعمال والمواقف التي تحتاج منه إلى نقطة يضعها في مكانها الصحيح، حينها لا أقول أنه لن يبقى فرق بيننا وبين الغرب، ولكن أقول أنه لن تفصلنا عن سيادة العالم... نقطة...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق