الخميس، 4 يوليو 2013

بلديات





لم يختلف الفلاسفة وعلماء الاجتماع وأشهرهم أفلاطون وإبن خلدون في تعريفهم للمدينة الفاضلة كثيراً. فكلهم يعتبرونها المدينة المثالية، التي يجد فيها المواطن جميع الخدمات التي يحتاجها في حياته بصورة راقية وبأسلوب حضاري بعيداً عن التعقيد والروتين.
وقوام هذه المدينة بكل تأكيد هو المواطن نفسه مع اختلاف مسماه حسب موقعه الوظيفي، ومهما كان اسم المؤسسة التي ينتمي إليها، فبالنهاية المجتمع هو تكامل الجميع، أفراد: مواطنين ومسؤولين، ومؤسسات: رسمية وغير رسمية. والعبء الأساس والمسؤولية الأكبر في توفير الخدمات اللازمة لمجتمعٍ راقٍ يقع على المؤسسات الرسمية ومسؤوليها، وفي الدرجة الأولى على البلديات. حتى أنه في بعض الدول تأخذ البلدية طابع الحكومة المحلية، وتشمل خدماتها كافة قطاعات الحياة بلا استثناء. وهنا في واقعنا المحلي فيقع على كاهل البلديات توفير الخدمات الأهم للمواطن ليعيش حياة مقبولة، من توفير المياه والنظافة والصرف الصحي ومن التخطيط العمراني والحضري وشق وتعبيد الطرقات وتنظيم عملية البناء وتوفير الأسواق وغيرها من أمور حياتية يومية. وقد لا يتفق إثنان على تقييم المجالس البلدية، ولكن المؤكد أن هذه المجالس تواجه صعاباً جمة وتحديات عظيمة يقابلها موارد محدودة وإمكانات شبه معدومة. وحتى تنجح هذه البلديات في أداء واجبها فهي تحتاج إلى إدارة رشيدة ومساندة حكيمة وتكاتف متواصل.
وأما الإدارة الرشيدة فهي تقع على كاهل المجلس البلدي وموظفي البلديات، ويلخصها مقولة تشرشل: (لماذا لا نحول قلقنا مما يمكن أن يحدث إلى تفكير عميق وتخطيط دقيق لما نريده أن يحدث ؟) ويضاف إليها التنفيذ المتقن والعمل المتواصل. وبطبيعة الحال التفكير يكون باحتياجات المواطنين ومشاكلهم الآنية والمستقبلية، ودراستها بعمق ووضع سيناريوهات وخطط ومشاريع للتنفيذ، بهدف خدمة المواطنين والسهر على راحتهم، دون أدنى انتهاك لحقوقهم وإنسانيتهم.
وعلى البلديات العمل المستمر على تطوير قدرات موظفيها الإدارية والفنية، فموروثها من الطواقم الإدارية ليس بالمثالي، وفي بعض الأحيان ليسوا على المستوى المطلوب من الحكمة والمهنية واللباقة في التعامل مع المواطن الذي ينتظر منها تقديم الخدمات اﻷساسية دون انقاص، فذلك حق عليهم تجاه المواطن فهو أساس مدينته وبلديته.
ولتحقيق ذلك فهي تحتاج إلى مساندة حكيمة وقوية ودعم متواصل من السلطة التنفيذية ممثلة بوزارة الحكم المحلي من الدعم المادي والمعنوي والعملي، ويإصدار القرارات والتشريعات التي تمكن البلديات من أداء دورها على أحسن وجه. وكذلك وزارة الداخلية من خلال شرطة البلديات والتي تساند البلديات في تنفيذ قرارتها والتي يجب أن تكون حكيمة وعادلة ومتزنة. وأما التكاتف المتواصل فهو من المواطن تفسه، والذي يجب أن ينظر إلى الأمور بمنظور واسع وشمولي وليس بمنظور ضيق ومحدود. فحينما يعلم المواطن أنه يجب أن يساهم في دعم مشاريع البلديات وخططها لأنه المستفيد الأول منها، فيدفع ما عليه من رسوم ومستحقات، وهذا أضعف الإيمان، وأن ينظر إلى هذا الواجب من ناحية شرعية ووطنية ومجتمعية، وأن يسأل نفسه لماذا هو ملتزم بدفع فاتورة الهاتف الثابت والنقال، بينما يتقاعس في دفع فاتورة المياه وغيرها من مستحقات للبلدية. حينما يحافظ المواطن على شبكات المياه والصرف الصحي، وعندما يعلم على سبيل المثال أن الرصيف للجميع وليس ملكه الخاص، وحينما يحافظ على النظافة أمام بيته ومحله وفي الأماكن العامة، حينها ستكون هذه الأمور جميعها وغيرها دافعاً قوياً لقيام البلديات بدورها على أحسن وجه. وحينما تتحد الجهود من هذه الجهاث الثلاثة حينها يحق للمواطن أن يحلم بأن تكون مدينته المدينة الفاضلة، ويرى من يعمل من المسؤولين لتحقيق الحلم لأمر واقع، فيعلنها بكامل قواه: شكراً يا... بلديات...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق