من المعروف أن نجاح أي مؤسسة وتميزها يتوقف على مجموعة من العوامل، من أهمها القيادة الحكيمة وخطة العمل المحكمة والموظفون المخلصون. والعلاقة بين هذه العوامل الثلاثة علاقة تبادلية وتكاملية. وإذا توافرت هذه العوامل في أي مؤسسة فبكل تأكيد فإنك ستجدها من المؤسسات الناجحة والرائدة والمبدعة والمتميزة. وبطبيعة الحال من الضروري تهيئة بيئة العمل بصورة مناسبة، وتطويرها بصورة مستمرة، والعمل على تحقيق متطلبات الجودة في الأداء، وبالتالي في المنتج وفي مخرجات هذه المؤسسة، وبذلك تؤدي دورها على أحسن وجه يلبي طموح الجمهور ويحقق راحته. ولن تصل أي مؤسسة إلى هذا المستوى من كفاءة الأداء وتميز الإنتاج إلا إذا كانت العلاقة بين القيادة أو الإدارة وبين الموظفين علاقة مثالية، تتسم بالتفاهم التام، والتكامل المطلق، والتعاون الشامل. وأهم عنصر يوطد العلاقة بين فريق العمل (رئيس ومرؤوسين) هو عنصر الثقة، والذي يجب أن تكون متبادلة بين الطرفين. الإدارة أو القيادة تثق بالموظفين، والموظفون يثقون بقيادتهم. حينها يكون العمل مبنياً على أسس متينة وسليمة وقويمة. ويكون فريق العمل كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً، ويسد طرف ثغرات الطرف الأخر، بصورة صحيحة لا تؤثر على النزاهة ولا على الشفافية، فيكتمل الأداء ويتكامل العطاء، وبكل تأكيد فإن هذا يصب بصورة أساسية ومباشرة في صالح المؤسسة.
وحينما يثق الرئيس بمرؤوسيه، ويعمل على نشر الثقة فيما بينهم، ويعمل على إشعارهم بالفعل وليس بالقول بمدى ثقته بهم، فإن ذلك ينعكس إيجاباً على نفسية الموظفين، وبالتالي يترجم ذلك إلى زيادة في الانتماء للمؤسسة، وكذلك زيادة في العطاء وإتقان الأداء، وهذا حتماً يعود بالنفع على المؤسسة. وعلى النقيض إذا انعدمت الثقة فإن ذلك يكون مدعاة للشك والريبة والحذر الزائد في كل خطوة أو كلمة تصدر من الطرفين، مما يولد فتوراً في العلاقة بينهما، قد تؤدي إلى انعدام التواصل، وكذلك تساعد في إيجاد حالة من اللامبالاة وعدم الاكتراث في تنفيذ الفعاليات والمشاريع، وانعدام الرغبة في العطاء والتجديد والتطوير والابتكار والإبداع، وكل هذا يدفع عجلة المؤسسة إلى الوراء. ورغم ذلك من الضروري التنويه إلى أن الثقة المطلقة والإفراط بها ضار بالمؤسسة، فلا بد مع الثقة المتابعة والمراقبة بصفة دورية وبصورة مباشرة وغير مباشرة، وهذا من باب إغلاق مداخل الشيطان، وعدم إتاحة الفرصة للنفس الأمارة بالسوء أن تحيد عن جادة الصواب ولو قيد أنملة. ولا يعتبر هذا الأمر تشكيك في الموظفين، بالعكس فالموظف الذي يكون على يقين بثقة مديره به، وفي نفس الوقت هو يثق بمديره فإنه يكون بقمة السعادة والعطاء عندما يشعر أن مديره يتابعه ويراقب أعماله. وفي الثقة يقول الإمام حسن البنا رحمه الله: (وأريد بالثقة إطمئنان الجندي إلي القائد في كفاءته وإخلاصه إطمئناناً عميقاً، ينتج الحب والتقدير والإحترام والطاعة). ويوضح رحمه الله أهمية الثقة وأثرها على المؤسسة، وهنا هو يتكلم عن الجماعة فيقول: (علي قدر الثقة المتبادلة بين القائد والجنود تكون قوة نظام الجماعة). ومد جسور الثقة يحتاج إلى جهد ليس بالكبير من الطرفين، ويتطلب بداية إزالة كافة العوائق النفسية، والتقليل من التكلف والرسميات في العلاقة بينهما، والتواصل المستمر، والمشاركة الفعالة، وتغليب المصلحة العامة، والتعاون في المواقف الصعبة، وكذلك زيادة مساحة التواصل الاجتماعي، وأختم بالمثل الإيرلندي الذي يقول: (إذا جاء الشك، ابتعد الحب). وأكرر مرة أخرى: لا نجاح لأي مؤسسة، لا يوجد بين أفرادها...ثقة...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق