احتفلت الأمم المتحدة في الثاني عشر من هذا الشهر بيوم الشباب العالمي، ولقد تطرقت في مقالات سابقة إلى الشباب ودورهم في المجتمع، وكيفية الاستفادة منهم والوقوف بجانبهم، فهم في نفس الوقت غاية ووسيلة، غاية بحيث يجب الاهتمام بهم وتوجيههم وتلبية احتياجاتهم ومتطلباتهم، والعمل على تحقيق أهدافهم وتطلعاتهم، ووسيلة فهم الفئة الأكبر من المجتمع، وهم عماده ورافعته الحقيقية نحو النهضة والتنمية والتطور والتقدم والرقي والازدهار، فهم نبض الأمة وسواعدها، ولم لا عقولها المفكرة، الذين يجب أن يكون لهم دور بل دور أساس في كل الأمور الحياتية دون استثناء، ليس فقط في التنفيذ وحسب، بل كذلك في التفكير والتخطيط والإدارة والتسويق. وباختصار لن ينهض المجتمع إلا بنهضتهم وبهممهم. وهنا أدعو الشباب والمسؤولين إلى مراجعة مقال (الشباب الذي نريد)، ومقال (الشباب والمشاركة الفعالة)، ومقال (أيها الشباب تهانينا)، عسى أن يساهم ما جاء فيها في وضع نقطة في خارطة الطريق التي نريد لخدمة الشباب بل المجتمع. ولقد رفعت الأمم المتحدة هذا العام شعار (هجرة الشباب ودورهم في التنمية)، وفي رسالته بهذا الخصوص يقول الأمين العام للأمم المتحدة: (من المهم التأكيد على المساهمة الإيجابية للمهاجرين الشباب للمجتمعات اقتصاديا وبإثراء النسيج الاجتماعي والثقافي. فكثير منهم يعملون بجد لكسب لقمة العيش وتحسين ظروفهم. وتعد التحويلات التي يرسلونها إلى أسرهم في مواطنهم مساهمة رئيسية في الاقتصاد العالمي). وهنا نقول أن الكثير من البلدان مثل كندا وأمريكا تشجع هجرة الشباب إليها، ليقينهم بالدور الفعال والمساهمة البناءة لهؤلاء الشباب في تقدم العجلة الاقتصادية، وذلك للمزايا المتوفرة لدى الشباب من همة وأقدام وجرأة وحماس ودافعية، وكل ذلك إن استغل بصورة إيجابية سيعود بالنفع الأكيد على هذه المجتمعات. وواقعنا الفلسطيني يقول أنه في السبعينات وما بعدها ساهم المغتربون في بناء المجتمعات التي تواجدوا فيها، وكذلك دعموا صمود أهلهم المرابطين في فلسطين. ولكن استمرار هذا الأمر لمدة طويلة قد يؤدي إلى سلبيات كبيرة، ومن تغرب يعرف المقصود. ويبدأ الشاب في فلسطين التفكير بالسفر والغربة وربما بالهجرة بعد مرحلة الثانوية العامة، ظناً منه بأن الفارق في المستوى الأكاديمي كبير، ولكن الواقع يقول بتقارب هذا المستوى، فبالتالي لا مكان لهذا التفكير. وبقاء الشاب في وطنه وبين أفراد مجتمعه ضروري جداً، وخصوصاً أن هذه أهم مرحلة في تكوين شخصيته، وغربته أو هجرته قد تؤدي إلى انبهاره التام بالواقع الغربي وتقدمه في عدة مجالات وخصوصاً في القطاع التكنولوجي وفي قطاعات أخرى قد تؤدي بسبب إعجابه الشديد إلى تقمص شخصية مخالفة لنسيجه المجتمعي ومبادئه وقيمه. ويزداد هذا الأمر سوءاً إن كانت ثقافة هذا الشاب سطحية ومعرفته بحضارته وبدينه بسيطة، فيصبح من السهل أن يفقد كينونته، بل ربما يبدأ بنعت مجتمعه بالجهل والتخلف. وتزداد رغبة الشاب بالهجرة بعد تخرجه من الجامعة وعدم حصوله على فرصة عمل مناسبة، وهنا لا بد من التنويه على أن السفر للعمل لمدة محدودة يختلف عن الهجرة بصورة كبيرة جداً. فالأول لا بأس به عند الحاجة، وأما الثاني فتأكدوا أنه مع الزمن يحول حياة المهاجر إلى جحيم، وخصوصاً مع تقدمه في السن وزواجه وتربية أبنائه وخصوصاً الإناث منهم، حيث سينشأون في بيئة مختلفة جداً عن البيئة التي يتمناها لفلذات كبده، فتبدأ المعاناة ويبدأ الكبت ويبدأ القهر، ومهما وصل من مكانة فسيبقى يشار له بالأجنبي، هذا ناهيك عن محاولات الاستغلال في البداية والامتهان وغيرها من سلبيات. ولو تم توجيه سؤال للذين هاجروا عن وضعهم، فسيقولون جحيم الأوطان ولا نعيم الغربة، ولسان حاله يردد: بلادي وإن جارت علي عزيزة...وأهلي وإن ضنوا علي كرام... بلادي وإن هانت على عزيزة ...ولو أنني أعرى بها وأجوع. وعودة على ذي بدء نؤكد أن للشباب حقوق في أعناقنا يجب أن نؤديها على أكمل وجه، وذلك لن يكون إلا بخطة وطنية متكاملة تشمل مؤسسات الحكومة ذات العلاقة ومؤسسات المجتمع المدني المتعددة والشباب أنفسهم، وذلك حتى يقوموا بواجباتهم تجاه مجتمعهم بصورة فعالة، فبلدهم أحق بهم وبالاستفادة من قدراتهم وإمكاناتهم، وحتى ينزعوا من تفكيرهم شيئاً اسمه... هجرة...
الجمعة، 16 أغسطس 2013
هجرة
احتفلت الأمم المتحدة في الثاني عشر من هذا الشهر بيوم الشباب العالمي، ولقد تطرقت في مقالات سابقة إلى الشباب ودورهم في المجتمع، وكيفية الاستفادة منهم والوقوف بجانبهم، فهم في نفس الوقت غاية ووسيلة، غاية بحيث يجب الاهتمام بهم وتوجيههم وتلبية احتياجاتهم ومتطلباتهم، والعمل على تحقيق أهدافهم وتطلعاتهم، ووسيلة فهم الفئة الأكبر من المجتمع، وهم عماده ورافعته الحقيقية نحو النهضة والتنمية والتطور والتقدم والرقي والازدهار، فهم نبض الأمة وسواعدها، ولم لا عقولها المفكرة، الذين يجب أن يكون لهم دور بل دور أساس في كل الأمور الحياتية دون استثناء، ليس فقط في التنفيذ وحسب، بل كذلك في التفكير والتخطيط والإدارة والتسويق. وباختصار لن ينهض المجتمع إلا بنهضتهم وبهممهم. وهنا أدعو الشباب والمسؤولين إلى مراجعة مقال (الشباب الذي نريد)، ومقال (الشباب والمشاركة الفعالة)، ومقال (أيها الشباب تهانينا)، عسى أن يساهم ما جاء فيها في وضع نقطة في خارطة الطريق التي نريد لخدمة الشباب بل المجتمع. ولقد رفعت الأمم المتحدة هذا العام شعار (هجرة الشباب ودورهم في التنمية)، وفي رسالته بهذا الخصوص يقول الأمين العام للأمم المتحدة: (من المهم التأكيد على المساهمة الإيجابية للمهاجرين الشباب للمجتمعات اقتصاديا وبإثراء النسيج الاجتماعي والثقافي. فكثير منهم يعملون بجد لكسب لقمة العيش وتحسين ظروفهم. وتعد التحويلات التي يرسلونها إلى أسرهم في مواطنهم مساهمة رئيسية في الاقتصاد العالمي). وهنا نقول أن الكثير من البلدان مثل كندا وأمريكا تشجع هجرة الشباب إليها، ليقينهم بالدور الفعال والمساهمة البناءة لهؤلاء الشباب في تقدم العجلة الاقتصادية، وذلك للمزايا المتوفرة لدى الشباب من همة وأقدام وجرأة وحماس ودافعية، وكل ذلك إن استغل بصورة إيجابية سيعود بالنفع الأكيد على هذه المجتمعات. وواقعنا الفلسطيني يقول أنه في السبعينات وما بعدها ساهم المغتربون في بناء المجتمعات التي تواجدوا فيها، وكذلك دعموا صمود أهلهم المرابطين في فلسطين. ولكن استمرار هذا الأمر لمدة طويلة قد يؤدي إلى سلبيات كبيرة، ومن تغرب يعرف المقصود. ويبدأ الشاب في فلسطين التفكير بالسفر والغربة وربما بالهجرة بعد مرحلة الثانوية العامة، ظناً منه بأن الفارق في المستوى الأكاديمي كبير، ولكن الواقع يقول بتقارب هذا المستوى، فبالتالي لا مكان لهذا التفكير. وبقاء الشاب في وطنه وبين أفراد مجتمعه ضروري جداً، وخصوصاً أن هذه أهم مرحلة في تكوين شخصيته، وغربته أو هجرته قد تؤدي إلى انبهاره التام بالواقع الغربي وتقدمه في عدة مجالات وخصوصاً في القطاع التكنولوجي وفي قطاعات أخرى قد تؤدي بسبب إعجابه الشديد إلى تقمص شخصية مخالفة لنسيجه المجتمعي ومبادئه وقيمه. ويزداد هذا الأمر سوءاً إن كانت ثقافة هذا الشاب سطحية ومعرفته بحضارته وبدينه بسيطة، فيصبح من السهل أن يفقد كينونته، بل ربما يبدأ بنعت مجتمعه بالجهل والتخلف. وتزداد رغبة الشاب بالهجرة بعد تخرجه من الجامعة وعدم حصوله على فرصة عمل مناسبة، وهنا لا بد من التنويه على أن السفر للعمل لمدة محدودة يختلف عن الهجرة بصورة كبيرة جداً. فالأول لا بأس به عند الحاجة، وأما الثاني فتأكدوا أنه مع الزمن يحول حياة المهاجر إلى جحيم، وخصوصاً مع تقدمه في السن وزواجه وتربية أبنائه وخصوصاً الإناث منهم، حيث سينشأون في بيئة مختلفة جداً عن البيئة التي يتمناها لفلذات كبده، فتبدأ المعاناة ويبدأ الكبت ويبدأ القهر، ومهما وصل من مكانة فسيبقى يشار له بالأجنبي، هذا ناهيك عن محاولات الاستغلال في البداية والامتهان وغيرها من سلبيات. ولو تم توجيه سؤال للذين هاجروا عن وضعهم، فسيقولون جحيم الأوطان ولا نعيم الغربة، ولسان حاله يردد: بلادي وإن جارت علي عزيزة...وأهلي وإن ضنوا علي كرام... بلادي وإن هانت على عزيزة ...ولو أنني أعرى بها وأجوع. وعودة على ذي بدء نؤكد أن للشباب حقوق في أعناقنا يجب أن نؤديها على أكمل وجه، وذلك لن يكون إلا بخطة وطنية متكاملة تشمل مؤسسات الحكومة ذات العلاقة ومؤسسات المجتمع المدني المتعددة والشباب أنفسهم، وذلك حتى يقوموا بواجباتهم تجاه مجتمعهم بصورة فعالة، فبلدهم أحق بهم وبالاستفادة من قدراتهم وإمكاناتهم، وحتى ينزعوا من تفكيرهم شيئاً اسمه... هجرة...
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق