(صلينا الجمعة الماضية في مصر، تحدث الخطيب عن الرحمة، كانت الخطبة على وتيرة واحدة، واستمرت لأكثر من ٤٠ دقيقة، لم يأت الخطيب بشيء لا نعرفه، ورغم ذلك لم نمل منها أبداً، بل تمنينا أن يستمر ويواصل في الخطبة، كان يستشهد بالآيات والأحاديث، وكأننا نسمعها لأول مرة، كنت أشعر أن الكلمات تخرج من قلبه، كم نتمنى أن نرى مثل هذه النماذج في مساجدنا) هذه مشاركة نشرتها على موقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك قبل شهرين تقريباً، وهي حقيقةً خلاصة هذا المقال. ولكنني أردت أن أتوسع فيها قليلاً عساها تلقى آذاناً صاغية وتجاوباً من خطباء الجمعة ومن وزارة الأوقاف. والذي دفعني لذلك كثرة الانتقادات في الفترة الأخيرة على مستوى الخطباء وفحوى الخطبة في نفس الوقت. ونحن نعرف أن الوزارة تجتهد في واجبها إلى أبعد الحدود، ولكن بسبب كثرة المساجد تجد صعوبة في توفير العدد اللازم من الخطباء ذوي الكفاءة. صحيح أن المصلين يذهبون إلى صلاة الجمعة تلبية لأمر الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ..) ولكن من الضروري أن تترك هذه الدقائق التي يقضونها في الاستماع إلى الخطيب أثراً طيباً في نفوسهم وفي تفكيرهم، فتشحنهم الخطبة إيماناً، وتزيدهم تقرباً إلى الله، وتضع تصوراً عملياً، وحلولاً واقعية لأمور دينهم ودنياهم، لا أن تكون هذه الفترة التي يقضونها وهم مستندون إلى أحد الأعمدة أو إلى حائط المسجد مجالاً ليكملوا غفوتهم، فلا يستيقظون إلا إذا نادي المؤذن: قد قامت الصلاة. وهنا لا ننكر أن الحديث أمام الجمهور له هيبته الخاصة، وفي نفس الوقت له قواعده الخاصة، وهذه الهيبة من السهل أن تزول بالممارسة وبالإعداد الجيد وبالتدرب على فنون الإلقاء، فالخطابة فن وأسلوب أكثر منها علم ومحتوى. ومن الواجب أن يعطي الخطيب أهمية كبيرة للخطبة وللمنبر وللمستمعين، يحترم عقولهم، ويتكلم بما هو مفيد ومؤثر، ويتناول قضاياهم الحياتية، ولا يتناول قضايا بديهية أصبحت عند المصلين، على سبيل المثال أن يتحدث في خطبته عن فريضة الصوم وأنها واجبة، فلا أعتقد أنه يوجد بين الحاضرين شخص واحد لا يعرف هذا الأمر. وكذلك من المهم أن يولي عنوان الخطبة اهتماماً كبيراً بحيث تلامس نفسية وواقع وقلوب المستمعين، ويحضر لها تحضيراً جيداً، ويشعر أنها أمانة عظيمة ومسؤولية كبيرة، فيحسن استخدام العبارات والجمل، ويربطها ببعضها البعض بصورة سلسة ومشوقة، مستشهداً بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية والقصص المعبرة، وهنا لا بد من التنويه على أنه من الأجدر التطرق إلى قصص حديثة، ففي عصرنا الحالي من الأمثلة على الوفاء والأمانة والصدق وغيرها من أمور ليس بالقليل، وهذا الاستشهاد يؤكد على أن الخير متواصل وهذه الأمور ليست فقط جزء من التاريخ. والأخطر من ذلك أن يفكر الخطيب أنها خطبة وستمر، ولن يراجعه أحد أو يعلق عليه أحد، بل بالعكس مع الانفتاح الإعلامي الأخير أصبح الجميع ينتقد ويبدي رأيه وتعليقاته بعد كل خطبة. ومن الجيد أن يسخر الخطيب مهارة التحكم في الصوت ولغة الجسد في الوصول إلى قلوب الناس، وهذا الأمر يكون أسهل بالخطابة المرتجلة وليست المقروءة من الورق، وفي هذه النقطة يقول د. محمود عمارة: (إن خطيب الورقة في وادٍ والمستمعون في واد، إنه يسير مع أفكاره المنقوشة لا مع أفكار مستمعيه). ولا بد من إتقان اللغة وقواعدها دون التقعر في الكلام، أو استخدام السجع المبالغ فيه، وكذلك من الأفضل عدم تقليد الآخرين، فاجعل لنفسك بصمتك الخاصة. أمور كثيرة ونقاط عدة يمكن التطرق إليها في موضوع الخطبة وفنون الخطابة، تحتاج من الخطباء إلى المزيد من الاهتمام، فهذا مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي النهاية ربما يكون قد حان الوقت الذي تفكر فيه وزارة الأوقاف وبجرأة بتحديد عدد الجوامع التي تقام فيها صلاة الجمعة، لسد ثغرة قلة الكفاءة، فالمصلون يستحقون مع تأديتهم للفرض أن يستفيدوا باستماعهم إلى..خطبة..
الخميس، 1 أغسطس 2013
خطبة
(صلينا الجمعة الماضية في مصر، تحدث الخطيب عن الرحمة، كانت الخطبة على وتيرة واحدة، واستمرت لأكثر من ٤٠ دقيقة، لم يأت الخطيب بشيء لا نعرفه، ورغم ذلك لم نمل منها أبداً، بل تمنينا أن يستمر ويواصل في الخطبة، كان يستشهد بالآيات والأحاديث، وكأننا نسمعها لأول مرة، كنت أشعر أن الكلمات تخرج من قلبه، كم نتمنى أن نرى مثل هذه النماذج في مساجدنا) هذه مشاركة نشرتها على موقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك قبل شهرين تقريباً، وهي حقيقةً خلاصة هذا المقال. ولكنني أردت أن أتوسع فيها قليلاً عساها تلقى آذاناً صاغية وتجاوباً من خطباء الجمعة ومن وزارة الأوقاف. والذي دفعني لذلك كثرة الانتقادات في الفترة الأخيرة على مستوى الخطباء وفحوى الخطبة في نفس الوقت. ونحن نعرف أن الوزارة تجتهد في واجبها إلى أبعد الحدود، ولكن بسبب كثرة المساجد تجد صعوبة في توفير العدد اللازم من الخطباء ذوي الكفاءة. صحيح أن المصلين يذهبون إلى صلاة الجمعة تلبية لأمر الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ..) ولكن من الضروري أن تترك هذه الدقائق التي يقضونها في الاستماع إلى الخطيب أثراً طيباً في نفوسهم وفي تفكيرهم، فتشحنهم الخطبة إيماناً، وتزيدهم تقرباً إلى الله، وتضع تصوراً عملياً، وحلولاً واقعية لأمور دينهم ودنياهم، لا أن تكون هذه الفترة التي يقضونها وهم مستندون إلى أحد الأعمدة أو إلى حائط المسجد مجالاً ليكملوا غفوتهم، فلا يستيقظون إلا إذا نادي المؤذن: قد قامت الصلاة. وهنا لا ننكر أن الحديث أمام الجمهور له هيبته الخاصة، وفي نفس الوقت له قواعده الخاصة، وهذه الهيبة من السهل أن تزول بالممارسة وبالإعداد الجيد وبالتدرب على فنون الإلقاء، فالخطابة فن وأسلوب أكثر منها علم ومحتوى. ومن الواجب أن يعطي الخطيب أهمية كبيرة للخطبة وللمنبر وللمستمعين، يحترم عقولهم، ويتكلم بما هو مفيد ومؤثر، ويتناول قضاياهم الحياتية، ولا يتناول قضايا بديهية أصبحت عند المصلين، على سبيل المثال أن يتحدث في خطبته عن فريضة الصوم وأنها واجبة، فلا أعتقد أنه يوجد بين الحاضرين شخص واحد لا يعرف هذا الأمر. وكذلك من المهم أن يولي عنوان الخطبة اهتماماً كبيراً بحيث تلامس نفسية وواقع وقلوب المستمعين، ويحضر لها تحضيراً جيداً، ويشعر أنها أمانة عظيمة ومسؤولية كبيرة، فيحسن استخدام العبارات والجمل، ويربطها ببعضها البعض بصورة سلسة ومشوقة، مستشهداً بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية والقصص المعبرة، وهنا لا بد من التنويه على أنه من الأجدر التطرق إلى قصص حديثة، ففي عصرنا الحالي من الأمثلة على الوفاء والأمانة والصدق وغيرها من أمور ليس بالقليل، وهذا الاستشهاد يؤكد على أن الخير متواصل وهذه الأمور ليست فقط جزء من التاريخ. والأخطر من ذلك أن يفكر الخطيب أنها خطبة وستمر، ولن يراجعه أحد أو يعلق عليه أحد، بل بالعكس مع الانفتاح الإعلامي الأخير أصبح الجميع ينتقد ويبدي رأيه وتعليقاته بعد كل خطبة. ومن الجيد أن يسخر الخطيب مهارة التحكم في الصوت ولغة الجسد في الوصول إلى قلوب الناس، وهذا الأمر يكون أسهل بالخطابة المرتجلة وليست المقروءة من الورق، وفي هذه النقطة يقول د. محمود عمارة: (إن خطيب الورقة في وادٍ والمستمعون في واد، إنه يسير مع أفكاره المنقوشة لا مع أفكار مستمعيه). ولا بد من إتقان اللغة وقواعدها دون التقعر في الكلام، أو استخدام السجع المبالغ فيه، وكذلك من الأفضل عدم تقليد الآخرين، فاجعل لنفسك بصمتك الخاصة. أمور كثيرة ونقاط عدة يمكن التطرق إليها في موضوع الخطبة وفنون الخطابة، تحتاج من الخطباء إلى المزيد من الاهتمام، فهذا مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي النهاية ربما يكون قد حان الوقت الذي تفكر فيه وزارة الأوقاف وبجرأة بتحديد عدد الجوامع التي تقام فيها صلاة الجمعة، لسد ثغرة قلة الكفاءة، فالمصلون يستحقون مع تأديتهم للفرض أن يستفيدوا باستماعهم إلى..خطبة..
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق