مع إطلالة عام جديد أدعو الله أن يكون عام خير وسلام على العالم أجمع، وعلى فلسطين التي نعيش فيها وتعيش فينا على وجه الخصوص. وعلى المستوى الحكومي أدعو الله أن يوفقنا لخدمة شعبنا على أفضل وجه، وأن ييسر لنا تقديم المزيد من الإنجازات، وخصوصاً في وزارة النقل والمواصلات، والتي تعتبر من الوزارات الخدماتية، ولها علاقة مباشرة وغير مباشرة مع كل فئات المجتمع، وهذا ما يحملنا مسؤولية أكبر وأمانة أعظم في المهام الموكلة لها. هذه المهام التي اجتهد في تأديتها على أحسن وجه جميع موظفي الوزارة دون استثناء. وبفضل الله تسابقت جميع الإدارات العامة لتكون الإدارة المثالية في عملها، بعيداً عن الروتين والبيروقراطية, وكيف لا تقوم بذلك وقد رفعت الوزارة في بداية عام ٢٠١٣ شعار (لأجلكم نتميز)، ليكون واقعاً ملموساً، وحقيقة مجسدة في كل الإجراءات والمعاملات والخدمات التي تقدمها. ولله الفضل والحمد تمكنت الوزارة من تنفيذ خطتها التشغيلية من خلال المشاريع التي نفذتها في كافة المجالات ذات العلاقة بطبيعة عملها، ومن خلال القرارات والتعليمات الوزارية التي صبت جميعها في مسار واحد أدى إلى تحقيق الأهداف المعلنة، فكان التميز في الأداء والتنفيذ، وكانت بصمة موظفي الوزارة واضحة وجلية، فهم الذين يعملون بإخلاص ومهنية وبتكامل الأدوار لرفعة الوزارة ولخدمة المواطنين. وفي سبيل ذلك كانت اللقاءات والاجتماعات المستمرة مع الجمعيات ذات العلاقة، والتي يصل عددها إلى أربع عشرة جمعية، فكان التواصل معها من باب التأكيد على الشراكة الحقيقية بين القطاع العام والخاص، وأن الحكومة ماضية في تقديم كل الدعم للقطاع الخاص ولكل الفئات المجتمعية من خلال الوزارات ذات العلاقة. وهذا التعاون بكل تأكيد ساهم في تخطي الصعاب التي ما زال يمر بها قطاعنا الحبيب. وكان استمرار الدعم غير المباشر من خلال تجديد القرارات الخاصة برسوم الترخيص سواء للمركبات الخاصة أو العمومية. ولأن المواطن يستحق أن نستقبله في أماكن راقية تليق به، كان تطوير مقرات الترخيص، وخصوصاً مقر ترخيص غزة، بتطوير صالة الاستقبال وتأهيلها، وتوفير سبل الراحة بها، واستخدام جهاز تنظيم الانتظار. وواكب هذا التطوير في البيئة المكانية تميزاً في الأداء من خلال اتباع سياسة الشباك الموحد وتوحيد المعاملات وحوسبة كل الإجراءات في مختلف الإدارات، وكذلك إصدار بطاقة رخصة القيادة ورخصة المركبة في نفس لحظة تقديم المعاملة توفيراً للوقت وتسهيلاً على المواطنين. ومن باب التأكيد على الشفافية والنزاهة تم حوسبة امتحان الإشارات النظرية، وتجهيز المقررات الخمسة بمختبرات حاسوب حديثة، وكذلك حوسبة توزيع الممتحنين في اختبارات القيادة العملية. ويضيق المقال بذكر ما تم إنجازه في هذا العام من برامج التوعية المرورية من أجل الحفاظ على أرواح المواطنين، فكان التميز في الأداء من خلال البرامج الإذاعية واللقاءات المتلفزة وورشات العمل والندوات والمقالات والنشرات التوعوية ومقاطع الفيديو والكتيبات التي خاطبت الصغير قبل الكبير، لتزرع في المواطنين سلوكاً جديداً ولتغرس ثقافة مرورية تحقق على المدى القريب والبعيد الأمان المروري المنشود، ولعل بعد حفظ الله يعود لهذه النشاطات المتعددة والنوعية والمتميزة الفضل في المساهمة في تقليل عدد الوفيات من جراء الحوادث المرورية، فهي الأقل في السنوات الأخيرة، والأقل على مستوى المنطقة المحيطة بنا. وتواصل التميز في أداء جميع وحدات الوزارة من التخطيط والعلاقات العامة والإعلام والذي لا يمر يوم إلا ولها تواجد في الميدان، والوحدة القانونية ومساهمتها في حل المشاكل العالقة، وكان للرقابة الداخلية دور فعال في تصويب المسار نحو الأفضل، ودعم ذلك الأمر تفعيل وحدة الشكاوى. وقمة التميز كانت في التطوير الكبير الذي شهده ميناء غزة البحري، حيث أصبح بعد المشاريع العديدة التي تم تنفيذ معظمها بأيدي أبناء الوزارة مرفقاً حضارياً، وملاذاً للمصطافين، وخصوصاً بعد قرار فتحه للجميع طيلة أيام الأسبوع، وما زال العمل مستمرا بتدعيم سور اللسان البحري ورصفه ليكون آمناً بإذن الله من النوات البحرية. حقيقة الإنجازات عديدة ومتنوعة وفي كل الإدارات على حد سواء، ومن جميع الموظفين دون استثناء الذين يعاهدون الله ثم شعبهم أن يستمر تميزهم وأن يتواصل عطاؤهم خدمة لمجتمعهم وأهلهم، وكل هذا بفضل الله فله الحمد وله الشكر، ولأجلكم سنواصل التميز بإذن الله.
الاثنين، 30 ديسمبر 2013
لأجلكم نتميز
مع إطلالة عام جديد أدعو الله أن يكون عام خير وسلام على العالم أجمع، وعلى فلسطين التي نعيش فيها وتعيش فينا على وجه الخصوص. وعلى المستوى الحكومي أدعو الله أن يوفقنا لخدمة شعبنا على أفضل وجه، وأن ييسر لنا تقديم المزيد من الإنجازات، وخصوصاً في وزارة النقل والمواصلات، والتي تعتبر من الوزارات الخدماتية، ولها علاقة مباشرة وغير مباشرة مع كل فئات المجتمع، وهذا ما يحملنا مسؤولية أكبر وأمانة أعظم في المهام الموكلة لها. هذه المهام التي اجتهد في تأديتها على أحسن وجه جميع موظفي الوزارة دون استثناء. وبفضل الله تسابقت جميع الإدارات العامة لتكون الإدارة المثالية في عملها، بعيداً عن الروتين والبيروقراطية, وكيف لا تقوم بذلك وقد رفعت الوزارة في بداية عام ٢٠١٣ شعار (لأجلكم نتميز)، ليكون واقعاً ملموساً، وحقيقة مجسدة في كل الإجراءات والمعاملات والخدمات التي تقدمها. ولله الفضل والحمد تمكنت الوزارة من تنفيذ خطتها التشغيلية من خلال المشاريع التي نفذتها في كافة المجالات ذات العلاقة بطبيعة عملها، ومن خلال القرارات والتعليمات الوزارية التي صبت جميعها في مسار واحد أدى إلى تحقيق الأهداف المعلنة، فكان التميز في الأداء والتنفيذ، وكانت بصمة موظفي الوزارة واضحة وجلية، فهم الذين يعملون بإخلاص ومهنية وبتكامل الأدوار لرفعة الوزارة ولخدمة المواطنين. وفي سبيل ذلك كانت اللقاءات والاجتماعات المستمرة مع الجمعيات ذات العلاقة، والتي يصل عددها إلى أربع عشرة جمعية، فكان التواصل معها من باب التأكيد على الشراكة الحقيقية بين القطاع العام والخاص، وأن الحكومة ماضية في تقديم كل الدعم للقطاع الخاص ولكل الفئات المجتمعية من خلال الوزارات ذات العلاقة. وهذا التعاون بكل تأكيد ساهم في تخطي الصعاب التي ما زال يمر بها قطاعنا الحبيب. وكان استمرار الدعم غير المباشر من خلال تجديد القرارات الخاصة برسوم الترخيص سواء للمركبات الخاصة أو العمومية. ولأن المواطن يستحق أن نستقبله في أماكن راقية تليق به، كان تطوير مقرات الترخيص، وخصوصاً مقر ترخيص غزة، بتطوير صالة الاستقبال وتأهيلها، وتوفير سبل الراحة بها، واستخدام جهاز تنظيم الانتظار. وواكب هذا التطوير في البيئة المكانية تميزاً في الأداء من خلال اتباع سياسة الشباك الموحد وتوحيد المعاملات وحوسبة كل الإجراءات في مختلف الإدارات، وكذلك إصدار بطاقة رخصة القيادة ورخصة المركبة في نفس لحظة تقديم المعاملة توفيراً للوقت وتسهيلاً على المواطنين. ومن باب التأكيد على الشفافية والنزاهة تم حوسبة امتحان الإشارات النظرية، وتجهيز المقررات الخمسة بمختبرات حاسوب حديثة، وكذلك حوسبة توزيع الممتحنين في اختبارات القيادة العملية. ويضيق المقال بذكر ما تم إنجازه في هذا العام من برامج التوعية المرورية من أجل الحفاظ على أرواح المواطنين، فكان التميز في الأداء من خلال البرامج الإذاعية واللقاءات المتلفزة وورشات العمل والندوات والمقالات والنشرات التوعوية ومقاطع الفيديو والكتيبات التي خاطبت الصغير قبل الكبير، لتزرع في المواطنين سلوكاً جديداً ولتغرس ثقافة مرورية تحقق على المدى القريب والبعيد الأمان المروري المنشود، ولعل بعد حفظ الله يعود لهذه النشاطات المتعددة والنوعية والمتميزة الفضل في المساهمة في تقليل عدد الوفيات من جراء الحوادث المرورية، فهي الأقل في السنوات الأخيرة، والأقل على مستوى المنطقة المحيطة بنا. وتواصل التميز في أداء جميع وحدات الوزارة من التخطيط والعلاقات العامة والإعلام والذي لا يمر يوم إلا ولها تواجد في الميدان، والوحدة القانونية ومساهمتها في حل المشاكل العالقة، وكان للرقابة الداخلية دور فعال في تصويب المسار نحو الأفضل، ودعم ذلك الأمر تفعيل وحدة الشكاوى. وقمة التميز كانت في التطوير الكبير الذي شهده ميناء غزة البحري، حيث أصبح بعد المشاريع العديدة التي تم تنفيذ معظمها بأيدي أبناء الوزارة مرفقاً حضارياً، وملاذاً للمصطافين، وخصوصاً بعد قرار فتحه للجميع طيلة أيام الأسبوع، وما زال العمل مستمرا بتدعيم سور اللسان البحري ورصفه ليكون آمناً بإذن الله من النوات البحرية. حقيقة الإنجازات عديدة ومتنوعة وفي كل الإدارات على حد سواء، ومن جميع الموظفين دون استثناء الذين يعاهدون الله ثم شعبهم أن يستمر تميزهم وأن يتواصل عطاؤهم خدمة لمجتمعهم وأهلهم، وكل هذا بفضل الله فله الحمد وله الشكر، ولأجلكم سنواصل التميز بإذن الله.
السبت، 28 ديسمبر 2013
أحبك
أحبك
لا أعرف كيف أعبر عن مشاعري
ولكني أحبك
لا أتحكم بأحاسيسي
لأني أحبك
ولا أدري بأي طريقة أقول ذلك
فأنا أحبك
ربما لا تكفي الكلمات لأعلنها
أنك حبي
ملكت حياتي
أسرت فؤادي
فأصبحت العاشق الولهان
بل التائه في لقياك
أحاول البحث عني وأنت معي
فأجدني في عينيك
أطوف من واحدة لأخرى
أسعى بين ضفتي شفتيك
أنام على وجنتيك
وأفيق لأجد نفسي أتمتم في أذنيك
بكل لغات العالم
بكل ترانيم العشاق
بكل خلجات قلبي
كلمات لا تفك رموزها إلا على مشارف فؤادك
فتخرج نبضات حياة
تتمايل معها تشكيلات الحروف
فترسم على شفتاي همسات بكل الألوان
لا يقرأها سواك
هي لك ولن تكون لغيرك
فأنت ملهمتي
أنت عشقي
أنت حياتي
أنت حبي
وأنا أحبك
فأنت حبي
وأنا حبك
كيف لا
وانت شريكتي
بل أنت حياتي
الأربعاء، 25 ديسمبر 2013
تناغم الإيقاع
رفعت وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في عام ٢٠١٣ شعار (تناغم الإيقاع) إيماناً منها بضرورة التنسيق والتكامل والتناغم بين القطاعات ذات العلاقة بطبيعة الوزارة وأعمالها بمكوناتها القطاع العام والخاص والأكاديمي كذلك. وبفضل الله، ومن ثم بفضل جهود جميع الموظفين دون استثناء نجحت الوزارة في تحقيق هذا الشعار من خلال خطتها لعام ٢٠١٣، والتي انبثقت من اليقين بأهمية الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ودورها في التنمية المجتمعية. فكان عام ٢٠١٣ حافلاً بالعديد من التطورات في مجال تكنولوجيا المعلومات والإتصالات: فقد شهدنا إقرار قانون المعاملات الإلكترونية، وإعداد الإستراتيجية الوطنية للإتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وإعتماد الخطة الإستراتيجية للحكومة الإلكترونية، وإطلاق المجلس الإستشاري الشبابي لتكنولوجيا المعلومات والإتصالات، وتعزيز الشراكة والتكاملية مع القطاع الأكاديمي وتوفير التدريب للخريجين،
كما تم إصدار تعليمات وزارية لحماية المنافسة وفتح السوق أمام المشغل الثاني للهاتف المحمول، وإصدار تعلميات شروط وضوابط تقديم خدمة الإنترنت من خلال خطوط النفاذ، وإستحداث رخص جديدة لفتح المجال أمام شركات جديدة ولتنظيم عملها، وإعداد الإستراتيجية الوطنية للحاضنات التكنولوجية،
كما تم تفعيل التسجيل الإلكتروني الموحد للمواطنين والذي وصل عدد المشتركين فيه إلى 130 ألف مشترك، وإطلاق أول تطبيق حكومي للهاتف المحمول، وتم إنطلاق عمل مركز أمن المعلومات في الجامعة الإسلامية بتمويل من مجموعة الإتصالات وبتوجيه من الحكومة الفلسطينية والذي يعنى بتدريب الكوادر المختصة من كافة المؤسسات الوطنية على تقنيات أمن المعلومات في المحاور المختلفة، وكذلك الإحتفال بإختتام مشروع مبادورن 2 لريادة الأعمال، وبالنسبة لسرعة الانترنت تم مضاعفتها من خلال خطوط النفاذ ADSL Access ليصار الحد الأدنى لسرعة الإنترنت إلى 1ميجا، وتقرر بالإتفاق مع شركة الإتصالات من بداية هذا الشهر تخفيض أسعار الربط البيني بين مزودي الإنترنت وشركة الإتصالات بنسبة 35%، وكذلك تخفيض أسعار الربط لخدمة تناقل البيانات عبر الإنترنت للمؤسسات من خلال تطوير تقنية IP-VPN وذلك بنسب متفاوتة تصل إلى 42%. وفي مجال البريد ومن باب دعم القطاع الخاص تم تحويل خدمة توزيع الرسائل والبعائث البريدية عبر شركة خاصة. ولخدمة المواطنين بصورة حضارية تم تطوير آليات العمل من خلال الشباك الموحد، وكذلك مركزية البيانات بحيث يستطيع المواطن التعامل مع أي فرع يشاء، بالاضافة إلى إعادة تأهيل ستة مراكز للبريد وتزويدها بأحدث وسائل الخدمة والأمان، وأصدرت الوزارة مجموعة من إصدارات طوابع البريد والتي تعبر عن فلسطين تاريخها وحاضرها، لتكون خير رسول لهذا الشعب.
هذه بعض إنجازات وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في عام كامل، اجتهدنا فيه بكل ما نستطيع وبكل ما نملك من إمكانات وقدرات لخدمة شعبنا والعمل في سبيل النهوض بالمجتمع الفلسطيني لتحقيق التقدم والتطور المنشود، فلله الحمد والشكر، ومن ثم كل الشكر لموظفي الوزارة، ولجميع شركائنا في القطاع الخاص والمؤسسات المجتمعية والأكاديمية، ومعاً وسوياً لزيادة تناغم الإيقاع خدمة لشعبنا، والله ولي التوفيق.
الأحد، 22 ديسمبر 2013
روتين
يشهد العالم يومياً تغيرات كثيرة في كل مناحي الحياة، وهي ناجمة عن تغير المتطلبات المعيشية والظروف المحيطة بالإنسان. وهذا التغير يجب أن يواكبه تعديل مستمر ومتواصل على القوانين البشرية والأنظمة المعمول بها واللوائح التنفيذية والقرارات الإدارية وكل المسميات الإدارية والفنية الناظمة للعمل. وإذا لم يحدث هذا التعديل فإن عجلة التطور والتقدم ستجد أمامها العراقيل العديدة والعقبات المختلفة، والتي ليست لها مبرر أو سبب مقنع، سوى الخوف من التعديل والتغيير، أو التعود على ما هو موجود. وهذا الجمود الفكري والإداري في فهم طبيعة المرحلة، لهو العائق الأول أمام قطار التنمية والنهضة، والذي يجب أن تفكر المجتمعات النامية بتسييره وبأسرع وقت، وخصوصاً التي تمتلك القدرات البشرية أو الموارد الطبيعية، فليس لديها عذر بالتأخر في الصعود على متن هذا القطار. وفي كثير من الأحيان تتعثر بعض المشاريع بسبب إجراءات روتينية قاتلة، وإذا ما سألت عن السبب، فستجد الجواب السحري: هكذا تعودنا، أو هذه هي القرارات المعمول بها، أو قل إن شئت: (هذا ما ألفينا عليه أباءنا)، أو لا يعلمون أن الزمان يتغير، وأن الشافعي رحمه الله كان يفتي في مصر بفتوى تختلف عن فتواه في العراق، أو لا يعلمون أن الذي سن هذه القرارات هم بشر؟، وأقروها وفق بيئة محيطة بهم تختلف عن الحالية، وحتى إن بقي المكان، فلم بعد الزمان هو الزمان، وأن القرارات مهما كانت فهي اجتهادية قابلة للتطوير وللتغيير والتعديل، بل ولم لا الحذف والإلغاء كذلك؟!. لذا فنحن بحاجة إلى حراك ديناميكي مستمر ومتواصل، وعلى كافة المستويات في البعد عن الروتين، والقبول بالموجود وكأنه مسلمات مقدسة لا يجوز الاقتراب منها أو المساس بكينونتها. ويقفز للذهن هنا قصة القرود الخمسة، التي وضعوها في قفص وفي أعلاه وضعوا موزاً، وكلما حاول قرد الاقتراب من الموز رشوا عليه وعلى الآخرين ماءً بارداً، حتى أصبح القرود يمنعون بعضهم من محاولة الاقتراب من الموز خوفاً من الماء البارد. وبدأوا بتبديل قرد من القفص بقرد جديد لعدة مرات، وكلما حاول الوافد الجديد الوصول للموز كان الآخرون يضربوه تفادياً للماء. وتوقف الماء البارد، واستمر تغيير القرود، إلا أنهم استمروا بضرب من يحاول الصعود للموز رغم تغييرهم جميعاً. فأصبح القرود الخمسة الجدد لا يقتربون من الموز رغم أنهم لا يعرفوا حكاية الماء البارد، ولكنها العادة التي تعودوا عليها، أو الروتين الذي وجدوا من قبلهم عليه. وكثير منا ينفذ نفس التصرف، يقوم بالأمر دون معرفة السبب. حكاية أخرى تلك الفتاة التي كلما تقلي سمكاً تقوم بقص رأسه وجزءاً كبيراً من ذيله، وعندما سألتها زميلتها لم تقوم بذلك؟ قالت: هكذا رأيت أمي تعمل! وعندما سألت أمها قالت: هكذا رأيت جدتك تعمل، وبالرجوع إلى جدتها قالت لها: في زمننا كان المقلى صغيراً، فكنت أقوم بذلك حتى يستوعب المقلى السمك، أما الآن فلديكن أحجاماً متنوعة وأكبر، فتستطيعين أن تقلي السمكة كلها. إذن هو التقليد الأعمى والروتين القاتل الذي يجب أن نتخلص منه، وأن نساعد الآخرين على الشفاء منه. وأذكر أن أول توجيه لي للمدراء العامين في وزارة المواصلات كان أن القوانين والقرارات واللوائح والتعليمات وضعها بشر، فجميعها يمكن أن يتعدل ويتغير لتسيير العمل بصورة أفضل، ولتيسير الأمور على الناس. وهنا أكرر من جديد دعوتي لجميع العاملين في المؤسسات الحكومية وغير الحكومية: التغيير سنة حياة، والتطوير نهج للتقدم، والتفكير خارج الصندوق سلوك المتميزين، والروتين قاتل للحياة والتقدم والتميز، فإياكم والروتين.
الخميس، 19 ديسمبر 2013
نقابات
تعتبر النقابات من القطاعات المجتمعية الهامة والأساسية في دعم مسيرة المجتمعات ونموها ونهضتها، بل إن العمل النقابي في كثير من الأحيان يمثل المؤشر الأساس في مدى قوة هذه المجتمعات وتطورها، وفي احترامها للعمل المؤسساتي والمهني على حد سواء.
وفلسطين على وجه العموم، وقطاع غزة على وجه الخصوص، شهدت اهتماماً كبيراً بالعمل النقابي، وكذلك كان للعمل النقابي الدور الفعال والهام في سنوات الاحتلال وما بعدها في كافة المجالات المجتمعية وليس فقط في المجال النقابي لوحده. بل إن العمل النقابي كان الواجهة السياسية في زمن الاحتلال، وكان التنافس على أشده بين الفصائل لتجسيد أفكار الفصائل والحركات، وكذلك لتنفيذ مشاريعهم الوطنية من خلال هذا المنفذ شبه الوحيد في حينه. وكانت الكتل المهنية النقابية تتسابق في خدمة المجتمع من خلال برامجها الانتخابية، وعلى أرض الواقع من خلال أعمالها التطوعية المتنوعة والمتعددة، فكان التنافس مشرعاً على مصراعيه في هذا المجال، فنعم التنافس كان، ونعم النهج الذي نريد أن يعود للساحة النقابية. ولقد تم تنظيم العمل النقابي من خلال جمعيات تم تشكيلها بناء على قانون الجمعيات العثمانية. وكان دائماً تطلع وطموح الجميع تنظيم العمل النقابي وفقاً لقانون يتم إقراره من المجلس التشريعي الفلسطيني، وهذا ما كان. حيث أقر المجلس قانوناً للنقابات أصبح ساري المفعول، وينتظر فقط أن تبدأ الجمعيات المهنية والمتعارف عليها بمسمى النقابات بتسوية أوضاعها وفق القانون الجديد، حتى تتحول فعلياً وعملياً إلى نقابات. ومن المؤكد أن تطبيق القانون يعتبر من أهم الأدوات التي ستعمل على حفظ وحماية حقوق أبناء المهن المختلفة من أي استغلال كان، كما سيساهم في وضع أساس لتحسين ظروف وطبيعة المهنة، وهذا طبعا ينعكس إيجاباً علي قدرة النقابات في خدمة أعضائها، وبكل تأكيد سيعود ذلك بالنفع على المجتمع بصفة عامة، لما لذلك من أثر في عملية التنمية، والتي يعتبر الإنسان هو أداتها وهدفها. وإذ نبارك للنقابيين والنقابيات هذا الإنجاز، فإننا في نفس الوقت ندعوهم لبذل المزيد ﻣﻦ الجهد ﻣﻦ أﺟﻞ خدمة مجتمعنا من خلال العمل النقابي، فمجتمعكم يعول عليكم كثيراً، وأنتم أهل لذلك، فكما كُنْتُمْ في السابق العنوان، وما زلتم كذلك، فيجب أن تستمروا بعطاء أكبر وبهمة عالية ومتجددة، وخصوصاً بعد حالة الفتور التي شابت العمل النقابي في الفترة الأخيرة بسبب ضعف التنافس بين الكتل المختلفة لإحجام البعض عن هذا الميدان بسبب الانقسام. لذلك هي دعوة مفتوحة لزملائنا قادة العمل النقابي بأن نضع خلافاتنا السياسية جانباً، وننظر للوطن بمفهومه الشامل والذي يحتوي الجميع ولا يقوم إلا بجهود الجميع، فهلموا لعودة العمل النقابي إلى المقدمة، كونوا قادة بمعنى الكلمة. وأعيدوا تلاحم الوطن من جديد من خلالكم، واستغلوا هذه الفرصة، فرصة تشكيل النقابات بثوبها الحقيقي والجديد، ويقيني أنكم أصحاب مبادرات، ووطننا بحاجة لمبادرات وحدوية، فليس فقط أبناء مهنتكم بحاجة لكم ولتوحدكم، فهل ستحظون بشرف العمل على إنهاء الانقسام، والوحدة المجتمعية؟ ننتظركم وبقوة، فهذا أملنا بكم يا: نقابات.
الاثنين، 16 ديسمبر 2013
تضامن
حسناً فعلت حركة حماس بإلغاء الاحتفال المركزي لانطلاقتها المباركة السادسة والعشرين، تقديراً للواقع الاقتصادي والمجتمعي الذي يمر به قطاع غزة، وقررت الاستعاضة عنه بمجموعة من النشاطات الاجتماعية التفاعلية والمسيرات، وقدر الله أن تمر المنطقة بمنخفض جوي لم تشهده منذ سنوات، ألقى بآثاره بتعطيل الحياة بصورة عامة، بل وبغرق بعض المنازل وتضرر العديد منها وانهيار بعضها، فكان نعم القرار بإلغاء المسيرات الجماهيرية لتوظيف طاقات أبنائها في خدمة متضرري المنخفض، كما جاء في قرار الحركة، بل كما كان على أرض الواقع وفي الميدان، في كل المناطق وعلى كافة المستويات، بدءاً من قيادة الحركة، وعلى رأسهم دولة رئيس الوزراء الذي كان في المقدمة، بل والقدوة في التضامن مع المتضررين. وما أعظمه من قرار اتخذته ميدانياً كتائب القسام بتسخير إمكاناتها البشرية واللوجستية في الوقوف بجانب الشعب، لتجسد من جديد أنه في غزة شعب يحتضن مقاومة، ومقاومة تحمي شعب، ولكنها هذه المرة حماية من نوع جديد، إنها حماية تضامنية نابعة من الواجب ومن الضمير الإنساني الذي يكتنف هذه الحركة بكافة أذرعها ومكوناتها، وهو كذلك الواجب الوطني والشرعي الذي ربت الحركة عليه جميع أبنائها، وجسدته عملياً في ذكرى انطلاقتها، لتسبق الأعمال الأقوال، وليلمس المواطن الشعارات قبل سماعها، وليرى القادة والمسؤولين في الميدان وليس كما يصورهم المتنطعون وكأنهم في قصور عاجية. وكل التقدير لحركة الجهاد الإسلامي التي سخرت طاقاتها للتضامن مع الأسر المنكوبة عملاً لا قولاً. وفي ميدان العمل بذلت وما زالت الحكومة كل ما في وسعها من أجل التخفيف من آثار هذا المنخفض، ولكن ما كان في هذه الأيام من رياح شديدة وأمطار غزيرة أكبر من كل التوقعات، بل أكبر من إمكانات البلديات جميعها. وهذا العجز زاد مع تبعات الحصار ونقص كميات الوقود اللازمة لتشغيل الآليات والمعدات الهندسية، والتي هي بذاتها بحاجة إلى صيانة، ولكن الله تعالى يبارك في العمل الجماعي وفي النوايا الصادقة، وهو يعلم أننا أخذنا بالأسباب ما استطعنا، ولكن هذا قدرنا نرتضي به، وهذا واقعنا الذي نجتهد بالعمل على تغييره لواقع أفضل بإذن الله. حالات التضامن الداخلية التي شهدتها غزة هذه الأيام من الجميع للجميع أثبتت أن هذا الشعب لن يركع إلا لله، وأنه كما قال البعض قد نرتجف من البرد ولكن لن نرتجف من الحصار أو من محاولات التركيع، فالله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون. وشعبنا شعب بسيط يقدر أي خطوة تضامنية معه، وما أجملها من لحظات قبل يومين وأنا استمع إلى كلمات شكر صادقة من بعض الصيادين للحكومة على وقوفها بجانبهم، رغم أننا لم نقم إلا بواجبنا، وكذلك فعلت كل الوزارات والبلديات، فكانت من المسؤول الأول فيها حتى أصغر موظف في الميدان، وفي هذه الأوضاع الجميع كبير بتصرفاته بأعماله بإحساسه بالمسؤولية بتضامنه مع الآخرين، ولكن يتبقى الدور المنشود من الدول العربية التي شدت الرحال لإرضاء أمريكا في تضامنها مع متضرري إعصار ساندي، ولكن لم نرى حتى الآن التحركات المطلوبة من ذوي النخوة والشهامة والكرامة العربية سوى من قطر المقدامة، هذه التحركات مطلوبة لنلمس التضامن واقعاً لا شعارات، أم أنهم سيكتفون بعقد مؤتمر هنا أو هناك ليعلنوا في نهايته شجبهم واستنكارهم لما قام به المنخفض، وأنهم سيدرسون دعم المنكوبين قبل نهاية هذا القرن!. ولكننا نقول: لك الله يا غزة، وسيتغير الحال، وبإذن الله كما علمتي الآخرين معنى العزة والكرامة، ستعلميهم كذلك المعنى الحقيقي للتضامن.
الخميس، 12 ديسمبر 2013
فريق
(وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها) فنعم الله على عباده عديدة لا تحصى، فأحمده عز وجل على جميع نعمائه التي لا يوافيها شكري وحمدي له على الدوام. ومن هذه النعم، والتي أعتبرها من أهم الأسباب التي تساعدني على تأدية المهام الموكلة لي في مختلف فترات حياتي، وفي تجربتي العملية المتواضعة، أن الله عز وجل أكرمني بمجموعة من الرجال الذين تشرفت وأتشرف بالعمل معهم، فكانوا خير السند ونعم الناصح الأمين، وكان وما زال العمل الجماعي بروح ونفس وجسد الفريق الواحد هو الأساس في التعامل. وهذا المفهوم والذي يحدد مسار نجاح المؤسسات، لهو من بديهيات ديننا الحنيف، فقلما تجد آية أو حديث تخاطب الفرد الواحد، بل معظمهما موجه بصيغة الجماعة، ولو ذكرنا فقط حديث المصطفى عليه الصلاة والسلام الذي يقول فيه: (يد الله مع الجماعة) لكان كافياً في الدلالة الشرعية على أهمية الجماعة والعمل الجماعي. ومن مقومات نجاح العمل الجماعي التحلي بروح الفريق الواحد، فلكل عنصر من عناصر المنظومة دور هام وأساس، ولو نقص لأحدث خللاً واضحاً، ومع ذلك فإن مكونات هذه المنظومة تتداعى لسد هذا الخلل فور حدوثه، لأنها تتحلى بروح الانتماء والتكامل، فهي منظومة مؤسساتية، الفرد يعمل فيها لإنجاح الجميع، والجميع يجتهدون لتميز الفرد. فالفريق ينجح ويتفوق بمدى تعاون الأفراد في تنفيذ المهام المطلوبة منهم، ولو قصر أحدهم لاختل التوازن، ولكن الكل متعاون مع الكل. وهي قائمة كذلك على مبدأ التفاهم، وهذا الأمر يحقق الانسجام في العمل، وبكل تأكيد توفير في الجهد والوقت، وبالتالي تكون النتائج المرجوة من العمل أفضل وأكثر. ومن البديهيات التي يجب أن تتوافر في العمل الجماعي الثقة المتبادلة بين الجميع، بين الرئيس والمرؤوسين، وبين المرؤوسين وبعضهم البعض. وأذكر قبل يومين طلب أحد الإخوة لقائي لأمر يخص العمل، فقمت بتوجيهه للمدير العام المسؤول عن الملف المتعلق بهذا الأمر، فكان سؤاله: لكنك رأس الهرم في هذه المؤسسة، والقرار عندك؟، فكان جوابي وبعفوية مطلقة: (صحيح، ولكنني أحترم من يعمل معي وأثق بهم، وإن لم يستطيعوا حل مشكلة ما أتدخل ساعتها)، فهو إذن تفويض مبني على ثقة بمن يعمل معك. ولنا في رسول الله القدوة الحسنة، وهو المصطفى المختار الذي لا ينطق عن الهوي، حيث كان يشاور أصحابه في كل الأمور عملاً بأمره تعالى: (وشاورهم في الأمر) فما بالنا نحن البشر مهما علت قدراتنا نبتعد عن المشورة بحجة أو بدون حجة، ونحن نسمع كذلك قول الشاعر: رأي الجماعة لا يشقى به... ورأي الفرد يشقيه. وهنا تعدد الأراء إثراء لأي موضوع، وهو رصيد معرفي يجب أن يحرص الرئيس على تفعيله والاستفادة منه، وكذلك فهو وسيلة للتأكيد أن هذا الفرد جزء من المنظومة، فبالتالي يزداد عطاؤه وحرصه على إنجاح المشروع. ولا يختلف في النهاية إثنان على أن المؤسسات الناجحة هي التي يتحقق في أفرادها كل المفاهيم الواردة أعلاه وغيرها من مفاهيم تصب في تقوية روح العمل كفريق واحد، لذا علينا جميعاً مسؤولين ومرؤوسين أن نعضد المنظومة الجماعية، وأن نتحلى بروح ووحدة الفريق.
الأحد، 8 ديسمبر 2013
ظلمات
(الظلم ظلمات يوم القيامة)، (انصر أخاك ظالماً أو مظلوما)، (إياكم ودعوة المظلوم، فليس يينها وبين الله حجاب). أحاديث عديدة لرسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، جالت في خاطري وأنا أتابع صفحات مواقع التواصل الاجتماعي الأيام السابقة، وعدد كبير من الفيسبوكيين يدلون بدلوهم حول حادثة، أقل ما يقال عنها أنها غير مكتملة الأطراف، أو من ذوات أنصاف الحقائق، هذا إن كان فيها حقيقة، وخصوصاً أنها جاءت من طرف واحد، بالتالي فهي منقوصة ومنقوضة على جميع الأحوال. وكما يقال إذا وقعت الشاة كثرت سكاكينها، فما بالك أنها لم تقع، بل تم زجها في طريق وعرة، فاختل توازنها، وهذا أمر طبيعي والكل معرض له، ولو حافظت على توازنها لكان أسلم لها، ولكن الكمال لله وحده. ولست بصدد الدفاع عن طرف دون آخر، بل لن أتطرق إلى الحادثة بأي نوع من التفصيل، وإن كان الحدث يتطلب فتح تحقيق شامل، وخصوصاً أن القضية أصبحت قضية رأي عام، وأصبح فيها تشهير على نطاق واسع، فلا بد من نشر الحقيقة كاملة دون محاباة أو مجاملة لأي جهة كانت، حتى يحاسب المخطئ، ويظهر حجم المشاكل بصورة تفصيلية، وحجم الجهود المبذولة لتفادي أي مشكلة أو كارثة لا سمح الله. وهنا وليس من باب الدفاع أقول أن دول كبيرة تعاني أكثر مما نعاني من مشكلتي الكهرباء والمياه، وحتى حالة غرق الشوارع بمياه الأمطار فقد رأينا عواصم خليجية تغرق بمياه الأمطار رغم كل قدراتها وإمكاناتها. وهذا الكلام ليس من باب التهرب من المسؤولية، ولكن من باب التوضيح وعدم التهويل. إن الإنجازات التي حققتها البلديات رغم قلة الإمكانات وكثرة العوائق لهي واضحة وملموسة، وإن كنا وما زلنا ننتظر المزيد منها خدمةً للمواطنين وتوفيراً لمتطلباتهم المعيشية والحياتية بصورة أفضل مما عليه الآن. ولكن هل سألنا أنفسنا كمواطنين، هل قمنا بواجبنا بتسديد فواتير ما استهلكناه من كهرباء ومياه، وهذا أعتقد أنه واجب شرعي قبل أن يكون ضرورة لتمكين هذه الجهات من الاستمرار في تقديم خدماتها، حتى وإن كانت ليست على المستوى المطلوب، وهل قمنا بتقديم النصيحة لهذه الجهات والتعاون معها من أجل إيجاد حلول للمشكلات، وحسب علمي أن اللقاء الذي تفجرت خلاله المشكلة الأخيرة كان بهدف توضيح الواقع والتشاور في كيفية الخروج من هذه الأزمة، ولكن للأسف تم استغلاله بصورة خاطئة. ومن الضروري التأكيد على مبدأ حرية الانتقاد البناء والحوار الهادف، وحسن استغلال المساحات المخصصة لذلك، بالإضافة لمبدأ المساءلة، فهذا حق مشروع للجميع، وكذلك تحمل المسؤول مهامه بأمانة وشفافية، وكل ذلك دون التشهير أو التجريح أو الاتهامات الباطلة، وقد تطرقت لذلك في مقالات: (انتقد ولكن، وتواصل، ومسؤول، وغيرها)، بالتالي نحن بحاجة إلى أن تتحمل كل جهة مسؤوليتها بصورة كاملة، وأن يؤدي الجميع دوره في المنظومة المجتمعية على أحسن وجه، وأن تتكاتف الجهود وأن تكون بتنسيق كامل حتى تؤتي أُكُلَها على أحسن وجه، ولذلك فنحن بحاجة إلى تكريس مفاهيم الاحترام المتبادل والثقة والأمانة والشفافية والنقد البناء والتشاور والمصداقية والبعد عن الإشاعة والأهم البعد عن الظلم حتى لا يتقلب علينا يوم القيامة إلى... ظلمات.
الأربعاء، 4 ديسمبر 2013
لقاءات
من جديد، جلس دولة رئيس الوزراء مع نخبة من المجتمع المحلي، يمثلون الطبقة المفكرة من الأكاديميين والإعلاميين والمثقفين، وقد تناولت عدة مقالات، وخصوصاً ممن كانوا حاضرين هذا اللقاء كل من جانبه ومن رؤيته، والخلاصة أن الجميع متفقون على أهمية هذه اللقاءات المباشرة وإيجابياتها، لأنها تؤكد قرب القائد من الشعب، وبتواصله معهم فهم يوصلون إليه آراءهم وأفكارهم ورؤيتهم فيما يتعلق بالقضايا الوطنية والمجتمعية على حد سواء، وفي نفس الوقت تصل لهم الردود مباشرة، والأهم من ذلك أنهم من خلال هذه اللقاءات المباشرة يتعرفون على الخطط المستقبلية من القيادة. وهي كذلك بمثابة تقدير من رأس الهرم الحكومي لهذه الفئة الهامة من المجتمع، وكل فئات المجتمع مهمة، فلكل دوره ومكانته، وعلى كل منها مسؤوليات جسام تجاه هذا الوطن. ولن نستطيع خدمة المجتمع، بل والأهم تحرير الوطن إلا إذا تكاتفت جميع الجهود، وتوحدت جميع الأيادي والعقول والقلوب على هدف واحد، وإلا إذا تشتتت الجهود وتفرقت الصفوف فلن يكتب الفلاح مطلقاً للجميع. وصراحة أنه بتحليل بسيط، فإننا سننتنتج أن ما يوحدنا أكثر مما يفرقنا، وإذا صدقت النوايا، وكان على سبيل المثال الهدف الأسمى للجميع هو تحرير فلسطين، فسنصل لهذا الهدف، وسيصبح أمراً واقعاً، حتى لو اختلفت المسارات وتعددت الوسائل. ولأجل الوطن أقول أن هذه اللقاءات وسيلة وغاية في نفس الوقت، وإن فاقت الأهداف المرجوة منها بدرجات عدة هدفها الذاتي، وحتى تعم الفائدة منها وتزداد لا بد من المتابعة الحثيثة للتوصيات التي تصدر عن النقاشات التي تدور أثناء اللقاء، وكذلك المزيد من التشاور والبحث في النقاط التي يتم طرحها من الطرفين، فبالنسبة لي ليس في هذه الجلسات مرسل ومستقبل، أو متحدث ومستمعون، فالجميع في بوتقة واحدة، يحملون نفس الهموم، ويتقاسمون نفس الحرص على المصلحة العامة. والجميع على دراية أنه لا أحد يملك عصاً سحرية ليحل مشاكل المجتمع كلها بإشارة واحدة أو بجرة قلم. ولكن الحلول السحرية لكل المشاكل مهما تعقدت تكون بالحوار والتفاهم والتكامل والنقاش العلمي المتعمق، وبكل تأكيد بالوحدة والتعاون المبني على الثقة والتجرد وإنكار الذات، ففلسطين أكبر من الجميع، وهي في نفس الوقت لن تكون إلا بالجميع وهي من الجميع وللجميع. وحال فلسطين يصفها الشاعر في هذه الأبيات: فلسطين نادت فلبوا النداء... وهبوا أُسوداً وكونوا الفداء... ففي أرضها قد تمادى العدا... وحل الظلام محل الهدى. وهذا النداء موجه لكل الفصائل الوطنية والإسلامية، والتي التقاها مسبقاً دولة رئيس الوزراء. ولا نشك مطلقاً أن جميع هذه الفصائل لها نفس الأهداف، وإن تنوعت لغة خطابها ومفرداتها، ففي النهاية المضمون واحد، وكلها تصب في خدمة المجتمع وتسعى لحرية الوطن. وهنا من خلال هذا المنبر أدعو الجميع وبلا استثناء، فصائل وحركات ومؤسسات مجتمع مدني ونقابات، وكذلك الشخصيات الاعتبارية من المثقفين والأكاديميين لأن يقوموا بدورهم المنشود تجاه الشعب والوطن، فالوطن بحاجة للجميع، والجميع بحاجة للوطن. وكما أدعو دولة رئيس الوزراء إلى المزيد المزيد من هذه اللقاءات.
الأحد، 1 ديسمبر 2013
توفيق
أحمد الله تعالى الذي وفق قادة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) لأخذ القرار الحكيم والمناسب، وذلك بإلغاء المهرجان المركزي لانطلاقتها، رغم أن البعض من قادة الحركة ورموزها كانوا مؤيدين لإقامته بصورة كبيرة جداً، ولهم مبرراتهم المقنعة، وخصوصاً أن إيجابيات إقامة المهرجان كثيرة وعديدة. ورغم أن بعض أجهزة الحركة كعادتها بدأت تستعد لهذه الانطلاقة من شحذ الهمم، وبث الحماسة في نفوس أبناء الحركة، لتكون هذه الاحتفالية الأضخم التي تشهدها فلسطين كل سنة، لتحمل رسائل للعالم أجمع، رسائل متعددة الأوجه من حيث الحضور والالتفاف العظيم من أبناء الشعب المحتل المحاصر حول حركته وقادته، بل حول النهج والطريق الذي يرتضيه الشعب لنفسه ولوطنه، وليؤكد استمرار وتجديد العهد مع الله بأن أبناء فلسطين باقون على العهد، وأن الأحرار سيبقون الأوفياء لأسرانا الأشاوس، ويعلنوها أن الضفة وغزة وحدة وعزة، وللقدس: إنا قادمون، وطريق تحريرها بدأ مع انتصار الفرقان وحجارة السجيل، فلا حياد عن المقاومة مهما كانت الصعوبات والعقوبات التي سيفرضها الاحتلال وأعوان الاحتلال على هذا الشعب، فقد أعلنها أن فجر الانتصار سيبزغ من قلب الحصار. لقد أكدت حماس ومعها الشعب الفلسطيني أنها لن تعترف (بإسرائيل)، وستبقى المدافعة عن الثوابت الفلسطينية، لا تهاب في سبيلها الموت، ولن تقدم أي تنازلات مهما صغرت، حتى لو كانت المغريات كبيرة، فما عند الله خير وأبقى، فلذلك لن تسقط القلاع، ولن تخترق الحصون، ولن ينتزعوا المواقف. هذا هو لسان حال الطفل الفلسطيني قبل المجاهد، وهذا ما يعمل على تحقيقه الجندي قبل القائد، ولهذا يرفع السبابة في السماء معلناً ولاءه لله هذا الشعب الصامد. ولا يخلو أي قرار بأي حال من الأحوال ومهما كان، من الإيجابيات أو السلبيات، وهذا أمر طبيعي، فهو من صنع البشر. ولا يختلف اثنان على أن القرار الحكيم هو الذي يأخذ بعين الاعتبار كل الأجواء المحيطة به من الفئة المستهدفة منه أو تلك التي ستتأثر به، وكذلك تداعياته على المحيط الداخلي والخارجي، وخصوصاً أن كل الأنظار مسلطة على هذه البقعة الصغيرة من المعمورة، ولكنها كبيرة في التأثير على السياسة العالمية. وقلتها قبل ذلك وأكررها من جديد أنه من غزة بدأ التغيير: (فلقد ثارت غزة من أجل الكرامة والأمن والأمان والحرية، ولقد بدأت برسم خارطة طريق جديدة في المجتمعات العربية، وبتحديد معالم الحياة الشريفة والكريمة التي تتناسب مع الإنسان العربي المسلم التواق للحرية، لتبدأ بعدها ورغم الحصار والاحتلال والحرب والحدود المغلقة بتصدير معاني العزة والحرية والكرامة والإصلاح والتغيير). ولأن الحصار اشتد على غزة هذه الأيام، وازداد تكالب المرجفين عليها، ليبقوها غارقة في الظلام، والأزمات، فغير مسموح لأهلها التفكير بالامتداد في تجربتهم وفي مخططاتهم التحريرية والوطنية شرقاً ولا شمالاً، فزاد الوضع الاقتصادي والمعيشي والإنساني صعوبة، ولذلك كان هذا القرار. وكما حملت مهرجانات حماس السابقة رسالات للجميع، حمل قرار الإلغاء رسالات كذلك، فأكد هذا القرار الحكيم أن حماس من الشعب وللشعب، وأن قرارتها ليست حزبية، بل لخدمة المجتمع، وللوقوف بجانبه ولدعم صموده. وأثبت هذا القرار أن الحركة حركة شعبية شورية مؤسساتية على قلب رجل واحد، لذلك يكتب لها النجاح والتوفيق في كل أمورها، فهنيئاً لحماس بانطلاقتها وبشعبيتها وبمؤسساتها وبقراراتها الحكيمة، والله هو الهادي إلى سواء السبيل، وهو ولي التوفيق.
الأربعاء، 27 نوفمبر 2013
مبادرون
بدعوة كريمة من الجامعة الإسلامية شاركت في افتتاح معرض(مبادرون٢)، والخاص بمخرجات مشروع تطوير ودعم الأفكار الريادية في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. سعادتي كانت كبيرة وأنا أتجول بين جنبات المعرض، مستمعاً لشرح سبعة وخمسين مبادرة ومبادر، وهم يعرضون ثلاثين مشروعاً متميزاً، وكلها كانت متميزة بفكرتها، وبطريقة العرض، والأهم من ذلك بالفائدة المرجوة من المشروع. ومن موقع المسؤولية أقول أن مشاعري وأفكاري تداخلت أثناء هذه الجولة، بين شعور الافتخار بهذا الجيل من الشباب، وبين شعور المسؤولية والأمانة تجاهه، وخصوصاً هؤلاء المبدعين المبتكرين والمتميزين، بل المبادرين، فلولا مبادراتهم لما كان هذا الإنجاز، ولما كانت هذه المشاريع المتميزة. وأود هنا أن أوجه ثلاث رسائل، فأما الرسالة الأولى فهي للمبادرين أنفسهم، فأقول لهم هنيئاً لكم هذه المبادرات المتميزة، ولتعلموا أن أول خطوة في مجال النهضة الشاملة والتنمية المستدامة هي المبادرة. والمبادرة في اللغة تعني السبق والمسارعة، وهي دائماً توحي بالإيجابية وبعمل الخير وبالهمة والعزيمة والجدية، وكلها ركائز للتقدم والتطور وليس فقط للنجاح، بل هي مقدمة للإبداع والابتكار والتميز. وكل هذه النقاط مرجوة من الشباب الفلسطيني، فهم أمل الأمة الواعد، وهم معاول كسر الحصار بهذه المبادرات والإبداعات، وهم سفراء خير لشعبهم، لأن أعمالهم قريباً بإذن الله ستتخطى الحدود. والمبادرة كما ورد في أكثر من حديث للمصطفى عليه الصلاة والسلام مقرونة دائماً بالأعمال، فبادروا بالأعمال. وأقول لكم لقد وضعتم أنفسكم في المسار الصحيح، وسخرتم إمكاناتكم وقدراتكم للسير أماماً، أنهيتم المرحلة بنجاح، ولكن هناك مراحل أخرى أمامكم، تتطلب المواصلة بنفس الهمة والنهج والأسلوب، مع ابتكاراتكم التي يجب أن تزداد يوماً بعد يوم، ومرحلة بعد مرحلة، وتزداد معها ثقتكم بقدراتكم، والأهم يزداد معها تواضعكم، فإن عرف الغرور طريقه لأنفسكم فاعلموا أنها بداية النهاية. ورسالتي الثانية رسالة شكر موجهة للجهات المانحة على جهودهم في الوقوف بجانب الشعب الفلسطيني في أزماته الناتجة عن الاحتلال الصهيوني، ولكن اسمحوا لي أن أطالبكم بزيادة المخصصات للمشاريع الإغاثية ذات الطابع التنموي على حساب المشاريع الإغاثية الاستهلاكية، والتي بكل تأكيد لها ضرورة، وهناك فئة ما زالت بحاجة لها، ولكن يجب التفكير سوياً لزيادة الفكر التنموي بين أفراد شعبنا، بهدف القضاء على فكر (الكوبونة) الذي يقتل المبادرة والهمة في بعض النفوس، وشعبنا شعب كريم، وخصوصاً فئة الشباب، لا تريد من الجميع إلا أن يفسحوا لهم المجال لإثبات ذاتهم، وترجمة قدراتهم بمشاريع ترى النور مثل مشروع (مبادرون). وأما رسالتي الثالثة فهي نابعة من الشعور بالمسؤولية تجاه الشباب، فأقول موجهة للمؤسسات الحكومية وغير الحكومية: افتحوا الأبواب على مصراعيها أمام الشباب، وافسحوا لهم المجال بدون قيود للمشاركة الفعالة في النهضة المجتمعية. صحيح أن هناك جهوداً تبذل من خلال وزارة الشباب والرياضة ومشاريعها المتعددة، ومنها الخطط الاستراتيجية الجاري إعدادها لهذا القطاع، وكذلك وزارة العمل ومشروع جدارة، ووزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات من خلال أكثر من نافذة للتواصل مع الشباب، ومنها المجلس الاستشاري الشبابي، ومشروع منح فرص تشغيل لأصحاب مشاريع التخرج المتميزة، وإقرار الاستراتيجية الوطنية للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والتي تناولت محور التعليم والبحث العلمي ضمن محاور أخرى، وغيرها من الوزارات، ولكن أقول المزيد المزيد من إتاحة الفرص للشباب، مهدوا الطريق أمامهم، أزيلوا العقبات إن وجدت، ذللوا الصعاب، فنحن بحاجة للشباب كما هم بحاجة إلينا، فشباب فلسطين مجاهدون مرابطون مبدعون مبتكرون مميزون، فشباب فلسطين شبابٌ... مبادرون.
الأحد، 24 نوفمبر 2013
مؤسسات
سؤال يجول في خاطري منذ فترة، أحببت أن أعرضه عليكم، عساني أجد له جواباً شافياً!. وهو هل عدد مؤسسات المجتمع المدني الموجودة في قطاع غزة كبير، أم لا؟. وهل هذه المؤسسات تغطي كافة القطاعات المجتمعية أم بعضها؟ والحديث هنا عن المؤسسات العاملة في جميع القطاعات الخيرية والثقافية والصحية والنسوية والطفولة وغيرها. والجواب حقيقة من الصعب أن يكون بنعم أو لا. لأنه ببساطة أننا في بعض القطاعات نجد تكدساً في عدد المؤسسات أو الجمعيات أو الاتحادات العاملة فيها، وفي قطاعات أخرى العدد مناسب، وبعضها يحتاج للمزيد. ولذلك فإن هذا السؤال هو عبارة عن دعوة لدراسة واقع المؤسسات، وتقدير أعدادها وأعمالها والمشاريع التي تنفذها. وعموماً فإن هذه الجمعيات زاد عددها وانتشارها بعد الانقسام، لأن الدول المانحة، وحتى المؤسسات المانحة لم ترغب في البداية في التعامل مع الحكومة لسبب أو لأخر. وإذا قلنا أن تعريف هذه المؤسسات أنها مؤسسات مستقلة، تقدم خدمات مجتمعية للمواطنين في مجال معين، وهي قائمة في الغالب على مبدأ التطوع، وتدعم الدولة، دون أن يكون للدولة أي تدخل في أعمالها، سوى التوجيه والرقابة، فهي إذن تشكل الضلع الثالث من مثلث المنظومة المجتمعية الخدماتية، بالإضافة إلى القطاعين العام والخاص. ولا يجب بأي حال من الأحوال، أن تكون بديلاً عن المؤسسات الحكومية الرديفة، بل داعمة ومكملة لها، ولكن في ظل الحصار الشامل، وفي ظل تأثير اللوبي الصهيوني أرادت الدول والجهات المانحة أن تكون هذه المؤسسات بديلاً عن الحكومة، ولتنفذ في بعض الأحيان أهدافاً سياسية بصورة غير مباشرة، رغم أنها يجب أن تكون بعيدة كل البعد عن هذا المجال. ولا يختلف اثنان على أن هذه المؤسسات بحاجة إلى زيادة في التنسيق أولاً فيما بينها، ومن ثم مع القطاع العام والخاص، وذلك حتى لا تزاحم مؤسسة مؤسسة أخرى، أو جهة جهةً أخرى، فلا بد من إيجاد مساحة كبيرة من التعاون والتفاهم والتكامل، ولا مانع من التنافس، فهذه أمور تخدم الصالح العام، وبها لا يكون واحد+واحد= اثنان، بل أكثر من ذلك بكثير. وهذا لسبب بسيط أن الجهود تزداد والأفكار تتلاقح، وبالتالي تتضاعف النتائج. وآفة هذه المؤسسات هو التقليد الأعمى، وذلك بتكرار نفس المشاريع، أو بخدمة نفس الشريحة ونسيان شرائح أخرى، أو حتى في بعض الأحيان استفادة نفس الأشخاص من أكثر من مؤسسة، لقدرتهم على التواصل مع هذه المؤسسات أو لأسباب أخرى. واستكمالاً للهدف من السؤال أقول أننا بحاجة إلى مسح ميداني لهذه المؤسسات وأماكن تواجدها، حتى تستفيد كل الأحياء منها، وهذا لا يعني بالضرورة أن كل حي يجب أن يكون فيه مؤسسة، فهذا تفكير سلبي وأفق ضيق للتعامل مع الاحتياجات المجتمعية، وكذلك بالنسبة للعدد، فإن زيادتها عن الحاجة تعني مصاريفاً إدارية مرهقة، والأهم ترهلاً في الأداء، وتشتيتاً للجهود. وهذا واجب الوزارات ذات العلاقة، كلٌ في مجال اختصاصه، وكما يجب أن تقدم الدعم الشامل لها المعنوي والمادي حسب الإمكانات، وكذلك إيجاد مجال من التنافس فيما بين المؤسسات المتشابهة، وعلى سبيل المثال ما بدأته وزارة الثقافة قبل ما يزيد عن ثلاث سنوات بجائزة المركز الثقافي المثالي، وتبنت بعد ذلك نفس النهج وزارات أخرى، ولكن الأمر أصبح بحاجة إلى تطوير في التوجيه والرقابة والمتابعة والتنسيق، وكذلك أخذ قرار جريء بكيفية التعامل مع المؤسسات التي وجودها يسبب ضرراً أكبر من نفعها، فلا مكان ولا مكانة لأمثالها بيننا، وفي المقابل كل التقدير للمؤسسات التي تواصل الليل بالنهار لخدمة شعبنا، فأبشر يا وطن بأمثال هذه المؤسسات.
الأربعاء، 20 نوفمبر 2013
تعليم
بمتابعة واقع الدول التي شهدت نهضة مجتمعية، وتنمية شاملة، وأسباب تحولها من دول نامية إلى دول متقدمة، تنافس دول العالم الأكثر ازدهاراً في شتى القطاعات، وجدنا أن وراء ذلك سببين رئيسين، هما: إدارة رشيدة وخطة حكيمة. ولقد اجتمعت هده النماذج الناجحة في خططها النهضوية والتنموية على عامل أساس، ألا وهو أن ركيزة، بل انطلاقة هذه الخطة كان الاهتمام بقطاع التعليم. بالتالي يجب أن يحظى هذا القطاع باهتمام الحكومات التي تعمل على تطوير شعوبها، وتسعى لإحداث نقلة نوعية في الواقع المجتمعي. وهذا هو المطلوب منا في المرحلة المقبلة. صحيح أن نسبة الأمية في فلسطين تعد من أقل المعدلات في العالم، ولكنها ليست لوحدها المعيار أو المؤشر على مدى تأثير هذا القطاع على النهضة المجتمعية. ولن أزاحم علماء التربية بتعريف العملية والمنظومة التعليمية ومكوناتها، وليعذروني إن أخطأت في تسمية مصطلح ما في هذا المجال، فالمهم هنا المضمون. وحتى نحصل على النتائج المرجوة والمخرجات المنشودة يجب العمل وبقوة على إحداث نقلة نوعية في هذه المكونات. صحيح أن هناك جهود كبيرة في هذا المجال، لكننا ما زلنا بالحاجة إلى المزيد. وأهم هذه المكونات: البيئة التعليمية، وهي ما يتعلق بتوفير الجو المناسب للتعليم من مرافق متكاملة وليست تقليدية، وإدارتها بصورة نموذجية، حتى تساهم في تهيئة الجو المناسب للمعلم والطالب في نفس الوقت. ومن باب النقد الذاتي أقول أن إنشاء المدارس يشهد طفرة ملحوظة، ولكن إدارتها السليمة لم تواكب هذه الطفرة، وأبسط دليل على ذلك النظافة وخصوصاً دورات المياه، وأماكن المياه الصالحة للشرب، وعلى بساطة هذه النقطة فلها التأثير الكبير على نفسية الطلاب وتكوينهم الثقافي، ولا أريد أن أبالغ بأن أقول حتى على تحصيلهم العلمي. والمكون الثاني هو المنهج، وبكل بساطة أذكر أننا بمراجعة الكتاب المدرسي كنا نستطيع أن نحضر لدرس الغد، أما الآن فلا أعتقد ذلك، وهذا يحتاج إلى جهد في صياغة المناهج ومضمونها وكيفية إخراجها بالصورة التي تحقق المطلوب. والسؤال هنا لماذا تتحول الشوارع بعد انتهاء الامتحانات إلى بساط أبيض من أوراق الدفاتر والكتب؟! ولا أريد أن أتكلم عن الحقائب التي تقصم ظهر الأطفال، ولا عن خطوة أردوغان باستبدالها بالأجهزة اللوحية، والانتقال من حالة الحفظ من أجل الامتحانات إلى الفهم من أجل التكوين المعرفي والعلمي. والمكون الثالث والأساس هو المعلم، ولقد أقرت الحكومة في الفترة الأخيرة الكادر الوظيفي للمعلمين، والذي يهدف إلى تحفيز المعلمين على تنمية قدراتهم، ولكن المطلوب أكثر، وذلك بتهيئة الأجواء المعيشية المناسبة للمعلم، حتى لا يفكر بعمل آخر بعد الدوام، وأسوأها الدروس الخصوصية، والتي هي السبب الأول في عدم تطور التعليم. نريد المزيد ليقوم المعلم بدوره المنشود في العملية النهضوية، حتى يزداد احترام الطالب له ويحبه، وبالتالي يحب كل ما يتلقاه منه. فلا نريد المعلم الذي يهرب الطالب منه إذا رآه في الشارع، ولا المعلم الذي قد يتطاول عليه الطالب. وهنا نذكر رد المستشارة الألمانية ميركل عندما طالبها البعض برفع رواتبهم مثلما فعلت مع المعلمين: كيف نساويكم بمن علموكم؟!. ولا بأس من مراجعة النماذج الناجحة من الدول التي شهدت نهضة في العملية التعليمية، ولقد فعلتها أمريكا بدراسة التجربة اليابانية، وعملت على تنفيذ الدراسة المستفيضة التي قام بها خيرة باحثيها في هذا المجال. وأرى ضرورة توجيه القطاع الخاص وتمكينه من الاستثمار في التعليم، حينها ستكون النتائج أفضل وأسرع. ولن أتطرق في هذا المقال إلى التعليم العالي، فهو بحاجة إلى وقفة جادة وحازمة، وخصوصاً في الأعداد المتزايدة من (ولا أعرف المسمى الواقعي لها) الكليات المتوسطة. الكلام في موضوع التعليم ذو شجون، وخلاصته أن: بيئة تعليمية حضارية+إدارة حكيمة+منهج مميز+معلم متمكن= طالب متميز= نهضة مجتمعية، فلا تنمية ولا نهضة بلا... تعليم...
الأحد، 17 نوفمبر 2013
أمل
في العادة أبدأ كتابة المقال باختيار عنوانه، بعد تفكير في مضمونه. فالعنوان يحمل رسالة المقال، والهدف المرجو منه. وبصراحة في هذه المرة احترت بين عنوانين، وهما ألم وأمل. هذان العنوانان حقيقة، يجسدان طبيعة وحال المشهد الأسبوعي لاعتصام أهالي الأسرى المعتقلين في السجون الصهيونية. فمع صبيحة كل إثنين يشد أهالي الأسرى المغيبين عن العيون منذ سنوات عجاف، يزداد عددها يوماً بعد يوم، يشد الآباء والأمهات والزوجات وفي بعض الأحيان الأولاد عزيمتهم، يخرجون من بيوتهم من الشمال والجنوب، يركبون الحافلات ويتجهون إلى مقر الاعتصام الأسبوعي أمام مكتب الصليب الأحمر في غزة، يحملون معهم آلام البعد والغياب الطويل لأحباب قلوبهم، ويعتصرون حزناً لهذا الفراق القسري، يحملون صور الأسرى، ويجلسون في المكان الذي أصبح يحفظهم عن ظهر غيب، بعد أن ينزلوا من الحافلات، وتنزل معهم ذكريات سعيدة وحزينة، ولكنها محفوفة بالهموم والمعاناة والخوف. فهم مهمومون على أبنائهم، قلقون عليهم وعلى أوضاعهم الصحية، وليس النفسية، فهم يعلمون علم اليقين أن نفسياتهم عالية علو قمم الجبال، ويقينهم بالحرية القريبة راسخة رسوخ الجبال، فلا خوف من ذلك، ولكن تخوفهم أن تمر الأيام وينتهي أجلهم وأعمارهم، دون أن يحضنوا الغوالي من جديد، فالحنين يزداد، والشوق يكبر، والآهات تعلو، ولكن التغيير بسيط، والإفراجات قليلة، والحل ليس جذرياً، فيقينهم أن الحل الجذري لا يكون إلا بتبييض السجون والمعتقلات الصهيونية. امتزجت الروايات والأحداث والقصص والهموم والآلام والآمال بين هذه العوائل حتى أصبحوا جسداً واحداً، إذا اشتكى أحدهم تداعى له الجميع بالشكوى لله، ولله وحده، وإذا دخلت الفرحة في بيت أحدهم تقاسموها، وأعلنوا الليالي الملاح في بيوتهم. ويستمرون على ذلك طوال الأسبوع، حتى يأتي الموعد الجديد، فيجددون معه الأمل، بلقاء قريب، يصبرهم على ذلك زيارة سريعة لدقائق معدودة من وراء جدر، فخوف الصهاينة ورعبهم كبير، حتى من الكهل السبعيني، وحتى من العجوز التي انحنى ظهرها مع الزمن، وما عرفت في هذا الزمن إلا الانحناء لرب العالمين في صلاتها، أو انحناء لأطفالها وهي ترسم قبلة الحنان والأمومة على جبينهم، أو لشهدائها وهي تلقي قبلة الوداع والفخار على جباههم. يشاركهم في لقائهم الأسبوعي رجال ونساء، شخصيات اعتبارية وعادية، عساهم يخففون من الآلام أو يزيدون من الآمال، وتتسابق المؤسسات الحكومية وغير الحكومية على ذلك، ليس فقط في هذا الاعتصام بل في كل المناسبات والأيام، فهذا واجبها الشرعي قبل أن يكون واجبها الوطني والإنساني كذلك. تجتهد هذه المؤسسات والشخصيات في ذلك، وفي توصيل قضية الأسرى وواقعهم وحقوقهم إلى كل الدول والمنظمات وفي كل المحافل، رغم علمها أن النتائج ليست كبيرة، وأن الصلف الصهيوني كبير، واللوبي الإعلامي يسخر كل طاقاته لدعم الاحتلال لتبرير تصرفاته اللا إنسانية بأي وسيلة وبأي عذر، حتى لو كان أوهى من بيت العنكبوت. ومع ذلك سيأتي اليوم وليس بعيداً، ذلك اليوم الذي ينكشف فيه الصهاينة على حقيقتهم، وتنكشف معه حجم الجرائم اللا إنسانية والمنافية لأدنى الحقوق البشرية التي اقترفوها بحق الأسرى، ولكن هذا يتطلب المزيد من العمل والمزيد من الجهد ليتحقق حلم هذا الشاب أو تلك الفتاة، أو هذا الكهل أو تلك العجوز، بأن يعود الأحباب لهم وليكونوا بينهم، ليواصلوا مسيرة التحرير لتحقيق الحلم الأكبر، ألا وهو الصلاة في الأقصى محرراً، فهو أسير كذلك. وبصراحة يجب أن تتكامل الجهود حتى يتحول الحلم إلى حقيقة. وفي النهاية أقول أن الأسرى وأهاليهم ورغم الألم، إلا أنهم بعد الله، ينتظرون الفرج على يد الضاغطين على الزناد، فعليهم، وعليهم فقط يعقدون...الأمل..
الأحد، 10 نوفمبر 2013
تمرد
بعد حراك ١٥ آذار في عام ٢٠١١، وفي مقال (أيها الشباب: تهانينا)، قلت أن الشباب الداعي لذلك الحراك ينقسم إلى ثلاث فئات: فئة مقلدة، وفئة محرضة، وفئة الشباب الواعي المنتمي لشعبه ولدينه ولوطنه.
وفي هذا اليوم أقول أن الشباب أصبح أكثر وعياً وفهماً وانتماءً، رغم زيادة الإشكاليات المحيطة بهم. وما دفعني في حينه إلى ذلك التصنيف هو الرؤيا الواقعية والتحليل الميداني للشباب، وخصوصاً بعد الربيع العربي ودورهم فيه، وبعد غزو الإعلام الجديد من مواقع التواصل الاجتماعي، وإغرائه للشباب باقتحام العالم الافتراضي، ليعبر من خلاله عن همومه وواقعه ونواياه، عساه يجد من يلملم أحلامه وأفكاره بل ويتبناها، ليبدأ حقبة جديدة في تاريخ الأمة.
وأما بعد بدء انطواء الربيع العربي، ولا أقول ذبول أو انتهاء، فهو في مرحلة إعادة التشكيل، من خلال نزع النباتات الضارة التي نمت بين الورود، وأثرت في بعض الأحيان على الثمرات بتلفها، أو بكسر أفرعها، ولكن الجذور ترسخت أكثر في العقول، فلم يعد الخوف كبيراً على الربيع العربي من الفلول أو الذبول، وإن كان قائماً حتى الآن، بعد هذا الانطواء وظهور حركة تمرد في مصر، واعتقاد البعض أنها سبب الانقلاب، بدأ بعض الشباب يقلد هذه الظاهرة، ومنها هنا في غزة.
ومن أول لحظة، قلنا أن هذه الظاهرة لن ترى النور، ولن يكون لها تأثير مجتمعي ميداني، وأن هذه الفئة من المجتمع بحاجة إلى احتواء، فلقد ضلت الطريق.
وهنا انحصر تصنيف الشباب إلى فئتين: فئة مقلدة محرضة تريد الانقلاب من أجل الفوضى ولا هدف لها، وفئة واعية وهي تمثل السواد الأعظم من الشباب، وليس بالشرط أن تكون راضية عن الواقع الحالي، وهذا أمر طبيعي، لا خلاف عليه طالما أن الهدف واحد وهو تحقيق المصلحة العامة، والوصول إلى خير المجتمع، وإحداث حالة حقيقية من الإصلاح والتغيير، فالدعم كل الدعم لهذه الفئة من الشباب، والتأييد الكامل لكل نشاطاتهم.
وأما الفئة القليلة، وأؤكد القليلة جداً من الشباب الذي أعلن عن عدة فعاليات في الأشهر الأخيرة، لم يشاركوا حتى هم أنفسهم في تنفيذها، مثل التصفير وضرب الطناجر، والتكبير، فلم نسمع في حينها إلا صفارات الحكام في مباريات كرة القدم، أو قرع الطناجر في المطابخ حين تنظيفها في الولائم والمناسبات، والتكبير حينما صدحت تكبيرات العيد والمساجد مع كل آذان، لتذكر هذه المجموعة الواهية والواهمة، أنه لا فلاح إلا مع الحق، ولا حق إلا مع الهداية، ولا هداية إلا باتباع طريق المصطفى محمد عليه السلام، وتقليد سنته وهديه، وليس هذا التقليد الأعمى لفئة ساقطة في بلد مجاور، استبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير.
وقلنا وما زلنا نقول أن هذه الفئة من الشباب لا تتعدى عن كونها خفافيش العالم الافتراضي، لن نراها على أرض الواقع في الميدان، حتى لو ظهر بعضهم هنا أو هناك في هذا اليوم.
هذه ظاهرة للأسف أخذت اهتماماً أكبر من حجمها ومن حقيقتها، وذلك بسبب تسابق العديد من الشباب بالرد عليهم أنهم لهم بالمرصاد، وأنهم سيضربون بيد من حديد كل من تسول له نفسه أن يزعزع أمن وأمان هذا البلد. فلا مكان لتمرد بيننا.
ومع ذلك ولأنهم جزء من مجتمعنا فإنني أطالب الجهات ذات الاختصاص حكومية وغير حكومية بدراسة هذه الحالة، والتحليل النفسي والمجتمعي لهؤلاء الشباب والعمل على علاجهم، فهم أيضاً مسؤولون منا، حتى لو أضاعوا البوصلة.
كلمة أخيرة أقولها للمؤسسات الحكومية والمجتمعية: المزيد المزيد من إفساح المجال للشباب، فشبابنا يحتاج المزيد من الحرية، حرية التعبير، وحرية الحركة، وحرية المشاركة، وحرية الكلمة فهي أساس الديموقراطية، التي تسعون لترسيخها، ليعيش الشعب حراً أبياً.
وللشباب الواعي أقول: هؤلاء إخوانكم، فخذوا بأيديهم إلى الطريق الصواب، وأشركوهم في مبادراتكم المجتمعية، وعدلوا من مفاهيمهم الخاطئة، وأنا على يقين أنكم قادرون على ذلك، وأدعو الله أن يهديهم، وأن يشفيهم من هذا الوباء، وباء... تمرد...
الأربعاء، 6 نوفمبر 2013
حرب
تسابق العديد من المحللين السياسيين في الفترة الأخيرة على الكتابة عن توقعاتهم بحرب قادمة على قطاع غزة من الاحتلال الصهيوني، ونافسهم في ذلك نشطاء الفيسبوك بكتاباتهم وتعليقاتهم. وخلاصة الكلام أن الجميع متفق على أن الحرب قادمة لا محالة. بل شطح البعض في كتاباته ليحدد مواعيداً للحرب، مستدلاً بالتصريحات التُوِيتَرِية لبعض المتحدثين من جيش الاحتلال، فتحولت إلى دلالات توتيرية في بعض الأحيان، بدون داعٍ، وبدون داعم لهذه التصريحات. والأدهى من ذلك أن البعض ربط نفس الموعد بما جاء في البيانات الغوغائية لمن يطلقون على أنفسهم حركة تمرد، والذين لا يزيدوا عن كونهم خفافيش العالم الافتراضي، ولو أهملناهم قليلاً سينقرضون، والأيام القريبة القادمة ستثبت ذلك إن شاء الله. وبالعودة إلى توقعات الحرب، وكأننا ننتظرها على الأبواب، أطلب من الإخوة المحللين إن سمحوا لي التقليل من التصريحات غير المبنية على أسس واقعية، أو على تحليل حقيقي لمجريات الأحداث. ففي المواجهات الأخيرة مع الاحتلال كانت بوادر الحرب واضحة، وليس بأقلها التصعيد الإعلامي، بل قل التحريض الإعلامي من الصهاينة ضد غزة ومقاوميها وحكومتها. صحيح أن الوتيرة الإعلامية الصهيونية في تزايد، وهذا نهجهم الاحتلالي، المتميزون والناجحون فيه. وعسانا نفوقهم في هذا المجال، كما فاقتهم المقاومة ميدانياً بمفاجأتها المتتالية، من أسطورة نفق خان يونس، والذي أقولها بصراحة أنه بالتفكير البشري وبالحسابات الورقية، فإن هذا الإبداع القسامي درب من دروب الخيال، ولا يقدر على التفكير به والتخطيط له وتنفيذه إلا رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فكانت مَعِيَتُه بهذا التوفيق الكبير، ليبهر العالم أجمع، وليثبت للجميع أن الأصابع لم تتراجع ثانية واحدة عن الزناد، فكان الصمت من جديد تجهيزاً وإعداداً، هذه اللغة لغة لا يتقنها إلا الرجال الرجال، فأنعم بهم يا وطن من رجال. وتبع اكتشاف النفق عملية بوابة المجهول، أو كما وصفها بعض الأخوة بصيد الأغبياء، الذين حاولوا جس نبض المقاومة بتوغلات محدودة في بعض المناطق (ولا أقول الحدودية) المطلة على الأراضي المحتلة عام ١٩٤٨، فكانت المفاجأة الثانية بخروج الرعب القسامي من نفس المكان، الذي من المفترض أنه أصبح ساقطاً، ومن الصعب (بتفكير البشر) أن يستخدم لمهمة جهادية، ولكنه توفيق الله ومعيته، ليعلم الجميع أن الله مع الذين آمنوا، يؤيدهم ويثبتهم، ويصطفي منهم شهداء، يودعون الدنيا بابتسامة، لا يعرف مغزاها ولا معناها ولا سببها إلا حماة الثغور. وتتوالى المفاجأت، وهذه المرة بمؤتمر إعلامي ناري مختصر لصاحب الكوفية الحمراء، ويحمل عدة رسائل موجهة للجميع دون استثناء، ليضع النقاط على الحروف في بضع أمور، ويتركها غائمة في أمور أخرى، لتحتار معها العقول الصهيونية. والاحتلال يعلم صدق القسام، الذي في أمثالهم قال الشاعر: إذا كذب البـرق اللمـوع لشـائـمٍ...فبـرق حسامي صـادقٌ غير كـاذب. وتستمر المواجهة، وتتنوع خلال أيام، من الأنفاق والمواجهة التحت أرضية، إلى المواجهة البرية والإعلامية، فتأتي المواجهة الجوية والتقنية، ليبدأ تفكيك هيروغليفيا الزنانات التي أقلقت الصغير قبل الكبير، لينتقل القلق إلى مضاجع بني صهيون. فقد وصلت الرسالة من المصدر تقول لبني صهيون: أينما كُنْتُمْ..في القدس...في تل أبيب..في النقب...ستصلكم حمم الغضب.. سيصلكم القسام بوابل من لهب... وللجميع أقول أنه طالما هناك احتلال فالحرب واردة في كل لحظة، حتى يتحقق الوعد الرباني بتحرير هذه الأرض من دنس يهود، الإعداد متواصل، والجاهزية متحققة بإذن الله، ومع ذلك استمعوا إلى المصطفى حيث يقول: (أيها الناس، لا تمنوا لقاء العدو، وسلوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف) ونحن عشاق الجنة، ورغم ذلك لا تتمنوا قيام أي...حرب..
الاثنين، 4 نوفمبر 2013
حياة
بمراجعة العديد من منشورات وتعليقات نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، تشعر أحياناً أنهم كانوا من سكان المدينة الفاضلة، ولكن شاءت الأقدار أن تأتي بهم إلى هذه المدينة المحاصرة، والمهددة باستمرار من الاحتلال الصهيوني. فلذلك تجد بعضهم (وهذا حقه) ينتقد الواقع الحالي، وأفعال الآخرين في حياتهم اليومية، من حيث النظام والنظافة والالتزام بالقوانين. ورغم أن انتقاداتهم في مكانها، إلا أن بعضهم نسى أنه جزء أصيل من هذا المجتمع، والذي ثقافته هي محصلة العادات والتقاليد المتراكمة لأفراده. وبيت القصيد هنا، أن إصلاح الواقع المجتمعي لا يمكن أن ينجح إلا بإصلاح الفرد، وهذا يكون من جهتين. الجهة الأولى والأهم هي الفرد نفسه، فالإصلاح يبدأ من الذات. والفئة الأكبر من المجتمع هم الشباب، وهم الفئة المثقفة الواعية والقادرة على إحداث تغيير حقيقي في السلوكيات، وإحداث نقلة نوعية في الثقافة السلبية المتراكمة والمبررة (بصورة خاطئة) في كثير من الأحيان بعَلَّاقِة الحصار والاحتلال والوضع الاقتصادي، وهي بريئة من تصرفاتنا براءة الذئب من دم يوسف عليه السلام. فعلى سبيل المثال، لا الحصر، ما علاقة هذه الجوانب بقيادة المركبة في الاتجاه المعاكس؟، أو بترك القمامة خلفنا بعد جلسة سمر في أحد الأماكن العامة؟، أو إشغال الرصيف بأسياخ الشاورما أو صناديق الشيبسي والكولا؟، والأمثلة كثيرة، وكلها تعبر عن سلوكيات خاطئة وتصرفات غير مقبولة. ولو فكر الواحد منا مرتين، بعيداً عن الأنا، لما ارتكبها مرة أخرى، ولو شعر كل منا بحجم الجريمة التي يرتكبها بحق الآخرين لعاود النظر في مجمل تصرفاته. فمن الذات ينطلق قطار الإصلاح والتغيير، وصدق الشاعر الذي قال: إبدأ بنفسك فانهها عن غيها...فإن انتهت عنه فأنت حكيم، بل صدق الله تعالى حيث يقول: (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون). والجهة الثانية المسؤولة عن تغيير الواقع المجتمعي والسلوكيات العامة وتشكيل الثقافة هي المؤسسات الرسمية وغير الرسمية، فعليها دور أساس في التغيير والتطوير والإصلاح، من خلال البرامج التوعوية والفعاليات الإرشادية. وما أجمل عبارة لي كوان يو صانع نهضة سنغافورة، حيث يقول في هذا المجال: (اصنعوا الإنسان قبل أي شيء، أمنوا المرافق والخدمات، ثم اجعلوه يستخدمها بطريقة حضارية ونظيفة، وأعيروا التفاصيل الحياتية اليومية كل الاهتمام). والوسائل لتحقيق ذلك متعددة، لا تتوقف على المنشورات والمقالات والبوسترات والندوات والمحاضرات وورش العمل، فالوسائل الإعلامية تطورت بصورة كبيرة جداً من خلال الإعلام المرئي على وجه التحديد، وخصوصاً أن الصورة في كثير من الأحيان قد تغني عن ألف كلمة، فما بالك لما تكون هذه الصورة متحركة، بأنواعها الواقعية أو التمثيلية أو الكرتونية، ولكل منها جمهورها وأثرها. وللأسف أقول أن التوعية لوحدها لا تكفي، ففي كثير من الأحيان نحتاج إلى دفع الناس للخير، وحملهم على ذلك بالقانون، وبالتالي تشجيع وتحفيز الملتزمين، ومعاقبة ومخالفة كل من تسول له نفسه القيام بإجراءات أو أعمال غير قانونية، بل غير حضارية. وهنا لا بد من الحزم القانوني على نهج: (إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن)، واسمحوا لي أن أضع بين أيديكم هذه المعادلة الميدانية: (الحزم القانوني = انضباط وأمن وسلوكيات راقية = راحة وانسيابية في الميدان = رضا عام من المواطنين = خدمات أكثر = هيبة واحترام). وهذا الحزم القانوني لا يحتاج إلى حملات موسمية، بل إلى خطط تنفيذية وبرامج عملية مستمرة ومتواصلة، بحيث يصبح عملاً متواصلاً ومستمراً، تتحول معه ومع برامج التوعية والإرشاد والتثقيف السلوكيات الخاطئة إلى سلوكيات حضارية، فتصبح معهما النظافة والنظام والالتزام بالأخلاق الحميدة والتمسك بالفضيلة من ضمن العادات والتقاليد، بل تصبح نهج... حياة...
الجمعة، 1 نوفمبر 2013
فراق
غداً تفترق العيون
تتباعد الأجساد
تنقطع الكلمات
غداً يأتي المنون
يجف المداد
وتبقى الذكريات
فاذكروني مع كل فجر
مع كل صباح
مع كل غروب
مع كل مساء
وسأذكركم بكل خير
يسبقه السماح
لأحباب القلوب
وحتى من أساء
هي لحظات
تقصر أو تطول
صعبة لا تهون
لها بداية
لها نهاية
تملأها نظرات
تصاحبها عبرات
تخنقها كلمات
أغلقوا الأفواه
أسدلوا العيون
ووريت الأجساد
فإلى لقاء
عساه قريب
في جنات
رب السماء
الخميس، 31 أكتوبر 2013
خضراء
الكتيبة الخضراء، والسرايا الصفراء، وليس بعيداً أن نسمع الساحة الحمراء، أو الدوار الأسود، وغيرها من مسميات. ألوان ألصقناها بمساحات مفتوحة. الأولى تم تجهيزها لتكون متنفساً لأبناء القطاع، وخصوصاً أنها قريبة من منطقة الجامعات. والثانية هي أرض فضاء اكتسبت هذه الصفة بعدما قام المحتل بتسوية المباني التابعة لوزارة الداخلية، والتي كانت مقامة عليها بالأرض، لتضيف للمجتمع الغزي فراغاً حضرياً جديداً، يمكن استغلاله ليكون مركزاً عمرانياً لهذه المدينة، بعد أن امتلأت كل جنباتها بالكتل الأسمنتية، وفي غالب الأحيان غير المتناسقة، ولا تشكل نسيجاً عمرانياً، ولا تشكيلاً معمارياً مميزاً. فقد اختلطت كل النظريات المعمارية والأسس العمرانية بصورة عشوائية غير مدروسة، وإن كانت تشكيلات الواجهات الحديثة تحاول إضفاء لمسة جديدة على هذه الكتل، عساها تسر الناظرين، وتساهم في تشكيل ذوقهم، وترسم معالم وجوههم بعد الارتياح النفسي لرؤيتها. وليسمي كل منا هذه الأماكن بما يشاء من أسماء، وليطلي عليها ما يريد من ألوان، وهي نابعة من تشكيله الحزبي للأسف، ولكن شاء أم أبى الجميع فهي في النهاية خضراء تملأ العيون بلون الطبيعة، الذي يضفي للمكان رونقاً واتساعاً وجمالاً وبهاءً، فهو اللون الذي يذهب التوتر، ويجلب للنفس الطمأنينة والسكون، ويريح الأعصاب، ويدل على النمو والاتزان، وكفى أنه لون ثياب أهل الجنة، (ويلبسون ثياباً خضر من سندس وإستبرق)، جعلنا الله وإياكم من أهلها. وبطبيعة الحال هذا الوصف بعيد عن التعصب الحزبي، ففي النهاية قوس قزح لم يمتلك جماله الباهر إلا بتعدد ألوانه، وانسجامها وتكاملها مع بعضها البعض، لتخرج بهذه الظاهرة الطبيعية واللوحة الجمالية بطيفها المتعدد والمتكامل في نفس الوقت. ومَن تجول في أيام العيد في مدينة غزة وجد أن كل هذه المساحات المفتوحة من أرض الكتيبة إلى أرض الميناء التي تحولت من مكب لركام أنقاض الحرب إلى قبلة للمواطنين بعد إنشاء الحديقة الأوروبية، وحتى قبلها بعد التطويرات التي جرت في المكان، فكانت في الصيف وفي رمضان ملاذاً للعائلات، فامتلأت الميناء والكتيبة والمنطقة المقابلة للسرايا، المعروفة بأبو خضرة، (عدنا للألوان، ولكن في هذه الحالة اللون جاهز من البداية)، وقد تم تسوية مبانيها بالأرض في معركة حجارة السجيل، لكنها تحولت أيام العيد إلى مدينة ألعاب للأطفال، وجدوا فيها متنفساً لتفريغ الطاقات الزائدة، ومجالاً للترويح عن الكبار قبل الصغار. وبالتأكيد امتلأت مدينة أصداء وبيسان، وغيرها من أماكن مماثلة من الشمال للجنوب بالزوار، رغم قلتها. فكم شعبنا بحاجة إلى هذه المرافق وإلى هذه الفراغات المفتوحة، ليمتد بصره أكثر من مسافة أربعة أمتار، هي في الغالب أبعاد غرف البيت أو مكان العمل، ليمتد معها خياله وأفقه ومداركه، ولتتفتح معها قريحته وتنفرج أساريره. وهنا كم أتمنى أن يتم تشكيل توجه شعبي لاتخاذ قرار حكومي جريء بأن تبقى هذه المساحات فضاءات مفتوحة، رغم علمي بأن منطقة أبو خضرة موقوفة كمستشفى، ولكن سؤال بسيط: هل ما زلنا بحاجة إلى مستشفيات؟ وتساؤل آخر أليس في هذه الفراغات (السرايا وأبو خضرة) عندما تتحول إلى أماكن للتنزه واللعب وتفريغ الشحنات الزائدة والترويح عن النفس والتعرض للهواء الطلق والشمس الساطعة، فيها شفاء للروح والجسد من كل الأمراض النفسية والبيولوجية؟، (هذا موضوع نتركه لأهل الفتوى، ونأمل أن يجدوا مخرجاً ولن يعجزوا). وليشرح أهل علم النفس والاجتماع مدى تأثير زيادة الفراغات المفتوحة على تقليل معدل الجريمة!. وفي النهاية أوجه همسة عتاب للمواطنين: هذه المرافق في النهاية لكم وملككم، تم إنجازها من أجلكم، فحافظوا عليها واهتموا بنظافتها، حتى تستمر الكتيبة والسرايا وأبو خضرة والميناء وغيرها، وحتى تبقى... خضراء...
الاثنين، 28 أكتوبر 2013
نهضة
مصطلحات عدة نسمعها في السنوات الأخيرة، يرددها العديد، تصدر حولها كتب ومؤلفات، وتعقد حولها دورات وندوات، تسعى لها المجتمعات النامية، ويرفعها آخرون في شعاراتهم لتكون ضمن برنامجهم الانتخابي. من هذه المصطلحات أو الشعارات: الجودة، التنمية، النهضة. وهنا سأتحدث بإيجاز عن النهضة، بذكر بعض نماذجها الناجحة. وأبدأ بسؤال تم توجيهه لمهاتير محمد عن سبب نهضة ماليزيا، فأجاب: (أن تجعل الشعب كله يفكر في المستقبل). وفي تحليل سريع لهذا الجواب، هناك أربع نقاط يمكن ذكرها: توجيه الشعب للصالح العام، وهذا يحتاج إلى دراسة من جهة قيادية حكيمة، وفق خطط رشيدة لإدارة البلاد، فوجود جهة رسمية ترسم المسار، وتحدد خارطة الطريق، يعتبر العامل الأساس في نهضة الشعوب. النقطة الثانية: النهضة لا تكون إلا بكل مكونات الشعب، وليس بفئة دون فئة، فيجب أن تشمل الشعب بكل نسيجه المجتمعي، وشرائحه وطبقاته. وثالث هذه النقاط يتعلق بأهم مسببات النهضة، ألا وهو إعمال العقل والتفكير، بالتالي وضع الخيارات الأنسب، التي بها تتحقق النهضة. والنقطة الرابعة تخص النظرة الثاقبة والواعية، ألا وهي النظرة المستقبلية، فإن فكر الجميع وعمل على تحقيق غد مشرق ومستقبل واعد، فإن تطوير الحاضر يصبح أمراً واقعياً، أو كما يقال تحصيل حاصل. ونترك ماليزيا لنتوجه إلى البلد التي وُعِدنا قبل حوالي عشرين سنة أننا سنصبح مثلها، ألا وهي تلك الجزيرة الصغيرة في المساحة، الكبيرة في التقدم والتطور والنهضة: سنغافورة. بلد كانت من ضمن الدول النامية، حتى جاء صانع نهضتها، لي كوان يو الذي رسم طريق النهضة، وعرف العوامل التي تؤدي لها. اسمعوا له وهو يقول: (الدول تبدأ بالتعليم، وهذا ما بدأت به عندما استلمت الحكم فـي دولة فقيرة جداً، اهتممت بالاقتصاد أكثر من السياسة، وبالتعليم أكثر من نظام الحكم). فتقدمت سنغافورة في كل المجالات، فكانت أول دولة طبقت الحكومة الالكترونية. وسعت للنهضة من خلال الاهتمام بالكرامة البشرية، وباختيار العنصر البشري المناسب في مكانه الصحيح، (اخترنا دائماً الفرد أو العنصر الأفضل لأي مهمة أو واجب، مهما كانت انتماءاته)، والكلام للي كوان يو، الذي اختار اللون الأبيض كزي موحد لأفراد حزبه كدلالة على الشفافية والنظافة. وننتقل معكم إلى بطل الفقراء، وصانع نهضة البرازيل الحديثة لولا داسيلفا، الذي استطاع خلال دورتين رئاسيتين أن ينهض بالبرازيل من هاوية الفقر والاقتصاد الضعيف إلى دولة تملك فائضاً ومخزوناً مالياً كبيراً، وذلك من خلال خطة اعتمدت على النهوض بالاقتصاد، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وتحديث الجيش، وقبلها الاستثمار في التعليم. ودلالة على نهضتها السريعة، استطاعت البرازيل أن تحظى بشرف تنظيم كأس العالم لكرة القدم في العام المقبل، ودورة الألعاب الأوليمبية عام ٢٠١٦. ورغم أن أمثلة الدول التي استطاعت أن تشهد نهضة ملحوظة كثيرة، إلا أنني سأكتفي بالمثال الأخير عن تركيا. تركيا التي لا يتسع المقال لذكر خطواتها النهضوية في ظل حكم حزب العدالة والتنمية لها خلال العشر سنوات الماضية، وعلى رأسها أردوغان. ولا ينكر أحد كيف استطاع هذا الرجل من الصعود بتركيا من طريق الانحدار إلى القمة في كافة القطاعات، لتحجز مكاناً مرموقاً بين الدول اقتصادياً وسياسياً كذلك. وعن سر نهضة تركيا يقول أردوغان: (سياستنا الأفعال لا الأقوال)، وفي جواب آخر يقول: (أنا لا أسرق). فهي إذن سياسة مبنية على الشفافية والنزاهة والعمل المتواصل في كافة المجالات. وهنا نرى أن كل النماذج من أجل تحقيق نهضة شعوبها، ركزت على القطاع الاقتصادي، فالأبدان الجائعة لا يمكن أن تنتج، ولا تستطيع أن تعمل بالاتجاه الصحيح، واهتمت بالقطاع التعليمي فلا تطور ولا تقدم إلا وفق أسس علمية، والشعب الجاهل لا تجدي معه أي سياسة نهضوية، وكذلك القطاع الأمني بمفهومه الواسع من خلال الاستقرار والعدالة والشفافية والنزاهة. وصدق الله تعالى الذي قرن عبادته بأمرين (الذي أطعمهم من جوع، وآمنهم من خوف) وهو عز وجل الذي أنزل القرآن فيه تبيان كل شئ، وأول كلماته كانت (اقرأ). فهل رسمنا خارطة طريق فيها خير البلاد والعباد، ويكون شعارها ونتيجتها... نهضة...
الخميس، 24 أكتوبر 2013
اختلاف
مما لا شك فيه أن حالة التوافق والانسجام والتنسيق التام بين أفراد المؤسسة الواحدة أو حتى المجتمع، لها دور كبير في نجاح هذه المؤسسة، أو تقدم هذا المجتمع. ولكن بالطبيعة البشرية هذه الحالة لا تكون في كل الأوقات، أو في كل المواقف. وهذا أمر فطري، وهذا ما أيدته الآية الكريمة: (وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ). وهذا الاختلاف ينتج عن اختلاف المشارب والبيئة التي نشأ كل واحد فيها، وكذلك التربية التي شب عليها من البيت والشارع والأصدقاء والمدرسة والمسجد والجامعة وغيرها من محاضن متعددة تساهم في تكوين شخصية الفرد، مما ينتج معها تنوع في الطباع وتعدد في الأفكار. ومن المؤكد أن تنوع الآراء حول نقطة معينة وتعددها وبالتالي اختلافها عن بعضها البعض، وبلا أدنى شك، يثري النقاش حول هذه النقطة، ويضع أمام صانع القرار خيارات عدة وبدائل متعددة وحلول متنوعة، قد يأخذ بأحدها، أو يمزج بعضها ببعض ليخرج بالخيار الأفضل والحل الأمثل. بالتالي فإن من مهارات القائد الناجح كيفية إفساح المجال لاختلاف وتنوع الرؤى المقدمة من مساعديه أو موظفيه، حتى يضمن استمرارية نجاحه، بل وتقدمه في مؤسسته. وأود هنا الإشارة والتأكيد على نقطة مهمة، ومبدأ أساس في عمل المؤسسات وفي إدارة المجتمعات، ألا وهو: أن نكون على قلب رجل واحد لا يعني مطلقاً أن نكون على شاكلة أو هيئة رجل واحد، سواء في نمط التفكير، أو طريقة الإدارة، أو حتى في المظهر والسلوكيات الفردية في التعامل مع الآخرين، أو في مختلف المواقف. وهنا الاختلاف، أو إن شئت قل التنوع محمود ومطلوب وضرورة للتقدم. وهذا لسبب بسيط، أنه عندما يكون الجميع نسخة طبق الأصل، أو إذا تم اتباع سياسة النسخ واللصق، أو التقليد، فإنها ستؤدي غالباً إلى نفس النتائج، والتي قد يشوبها النقص، أو الجمود، وحتى لو كانت هذه النتائج إيجابية، فإنها مع تغير البيئة المحيطة بالمواقف، وكذلك مع البعد الزمني فإنها ستتناقص تدريجياً، أو قد تنقلب إلى سلبيات، أو على الأقل فإنها ستولد رتابة مملة، وتكرار يفقد بريقه مع الزمن. والاختلاف المقصود هنا في أمور الدنيا المتروكة للبشر صياغتها وإدارتها والتعامل معها كيف يشاؤون، وليس بطبيعة الحال في أمور الدين المتفق عليها، حينها يصبح الاختلاف مذموماً ومرفوضاً، ومما جاء في أحاديث المصطفى عليه الصلاة والسلام قوله: (وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين)، وهذا لا يتنافى مع المقولة المشهورة: (اختلاف الأئمة رحمة للأمة)، فاختلافهم هنا في اجتهاداتهم وفتاويهم هي التي تأتي ضمن حدود الشرع، وفي الأمور الفرعية، وليس في الأصول. ويندرج ضمن الاختلاف المذموم، ذلك الذي يأتي انتصاراً للنفس، أو اتباعاً للهوى، أو بهدف الشذوذ عن الجماعة.
وأمر آخر نحن بأمس الحاجة إليه طالما أننا أكدنا أن الاختلاف أمر طبيعي ووارد في كل المجتمعات، وخصوصاً ونحن نعيش عصر الانفتاح المعلوماتي، ألا وهو التحلي بآداب الاختلاف، ونشر ثقافة تقبل الرأي الاخر، وقبول التحاور مع الفكر المعاكس، فإذا كانت أهدافنا نبيلة، وغاياتنا سليمة، فلا بد أن نلتقي مهما اختلفت وسائلنا، أو آراؤنا، طالما أنها بعيدة عن نطاق الاختلاف المذموم. ولكن للأسف تجد أن العديد، وخصوصاً من الشباب، يتعصب لرأيه أو لرأي حزبه أو مؤسسته بصورة عمياء، لا يتقبل معها أي رأي يختلف عن الذي تم تلقينه له، أو أي توجه مخالف عن التوجه الذي اقتنع به، وهذا الأمر بكل تأكيد يؤدي إلى تخلف المؤسسة بتحجر عقول أفرادها، أو إلى تراجعها مع الوقت مقارنة بالمؤسسات الأخرى، والتي تمارس سياسة الرأي والرأي الآخر. ومن القواعد الذهبية التي تبعدنا عن حالة التحجر الفكري والتعصب الذاتي، مقولة الإمام الشافعي رحمه الله: (رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب)، هذه هي القاعدة التي يجب أن ينطلق منها الحوار والنقاش بين أفراد المؤسسة الواحدة، وكذلك بين مكونات المجتمع، حينها ستكون العقول مفتوحة لسماع الرأي المخالف، والصدور مشرعة لتقبل التوجه المختلف، فلا تدخل الشحناء والبغضاء والحقد والضغينة بين النفوس، وهذا ما يحدث إذا كانت العقول مغلقة بأقفال التعنت الشخصي، والأهواء الذاتية، ورفض الآخرين لأنهم اختلفوا معنا لسبب أو لآخر. ولذلك فإنه يتبع هذه القاعدة قاعدة عملية أخرى، ألا وهي: (اختلاف الرأي لا يفسد في الود قضية). لكن للأسف هذه العبارة في كثير من الأحيان لا تخرج إلا من الفم، ولو أنها تخرج من القلب لانتشر الحب والوئام ولزاد الود والانسجام، ولما تأثرت المؤسسات لو كان بين أفرادها في الأفكار تطابق أو... اختلاف...
الاثنين، 21 أكتوبر 2013
تقلقش
بداية تقبل الله طاعاتكم وكل عام وأنتم بخير، وعودة ميمونة ومباركة إلى ميادين العمل والإنتاج، أو مشاوير البحث عن العمل، فأعلم أن عدداً لا بأس به من شبابنا يبحثون عن فرصة للعمل، يثبتون من خلالها ذاتهم، ويحققون تطلعاتهم بغد مشرق وسعيد، عساهم يتمكنوا من تكوين أسرة جديدة تضاف إلى هذا المجتمع، وعساهم يحققوا سعادتهم المنشودة في الدنيا والآخرة. ولا أبالغ إن قلت أن مجتمعنا يعيش حالة من التناقضات العجيبة والغريبة، بين العمل والبطالة، الغنى والفقر، الأفراح والأتراح، السعادة والآلام، ولكنه يتعايش معها بصورةٍ عجيبة، حقيقةً تحتاج إلى دراسة، مع يقيني أن الدراسات التحليلية المعتمدة على أرقام ومعادلات البشر، لن تصل إلى حلول أو نتائج مقنعة. وهذا يعود إلى أمر بسيط، وهو أن حسابات رب البشر فوق كل الحسابات، وتتجاوز كل المقاييس والنظريات البشرية، فهو الذي إذا أراد شيئاً فإنما يقول له كن فيكون. شعبنا يرزح منذ زمن تحت نيران الاحتلال، وما زال يعاني من آثاره السلبية هنا وهناك، حصار مطقع في غزة، فلا يريدوا لسكانها الشعور بنعيم الحرية، التي نالها بعد دحر الصهاينة من هذه الأرض الطيبة، ومداهمات متواصلة في الضفة، وما يتبعها من اعتقالات شبه يومية، وفي القدس جرح مفتوح، ونزيف مستمر، في إصرار شديد على تهويدها وتفريغها من أهلها، وفي الشتات حدث ولا حرج، من تهجير إلى تهجير، يصاحبه إراقة دماء، وتنغيص حياة، وحقوق ممنوعة ومسلوبة، ليس لسبب إلا لأنك فلسطيني. وصدق الشاعر يحيى برزق، الذي وصف حال الشعب الفلسطيني فقال: لأني أحمل الإيمان والجرح الفلسطيني... لأن غمائم صهيون لم تخمد براكيني... لأني لم يكن إلا جهاداً دامياً ديني... أُشرد في منافي الأرض أُجلد في الزنازينِ.. هذه الجراح المنكوءة قد تؤثر على البعض لفترات قد تطول أو تقصر، ولكنها لن تفتت من عضد أبناء هذا الشعب الصابر المحتسب. جراح هنا وهناك، وآهات قد لا يسمعها إلا رب البشر، وآلام قد لا يتحملها غيرنا من البشر، ورغم ذلك فلا تسمع إلا في فلسطين: مهرجان شدو الجراح، ولا ترى إلا في هذه الديار: استراحة مسك الجراح، فنعم التناقضات هي. وقد استوقفتني بعض التعليقات على مقالي السابق (فرحة)، والتي تستغرب دعوتي للجميع أن يفرح ويدخل السعادة على أهل بيته وأبنائه في هذه الأيام المباركة أيام العيد، بل في كل الأيام، استوقفتني وهي تستعرض المآسي وما أعظمها، والتي قد تنوء منها الجبال، ورغم ذلك كان ردي: برغم الجراح سنفرح، برغم الألم سنفرح، برغم ما يدور بنا من أحداث سنفرح، فهذه سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم. هذه السعادة والفرحة والسكينة لا يعرفها وهو يواجه خضم الحياة ومتاعبها إلا من غمر وعمر الإيمان قلبه، فاسمعوا إلى هذه الزوجة الصالحة كيف ترد على زوجها وهو يقول أنه سيحرمها من السعادة، تقول له بثقة تامة: لو كانت السعادة في راتب لقطعته عني، أو في زينة من الحلي لحرمتني منها، ولكنها في شيء لا تملكه أنت ولا الناس أجمعون! وأكملت قولها: إني أجد سعادتي في إيماني، وإيماني في قلبي، وقلبي لا سلطان لأحد عليه غير ربي. وهذا الذي يفسر أن الحياة في غزة تستمر وتتواصل رغم الصعاب، ورغم حرمان البعض من مقومات الحياة، تجد محلات تأجير الكراسي تنقلها من بيت عزاء هنا إلى سهرة لفرح في مكان قريب، وشاب يحمل شهادات عليا وحزمة من الدورات التدريبية ومعطل عن العمل يودع آخر سيسافر للالتحاق بأحد برامج الدراسات العليا، وأطفال أثرياء ينظرون بشغف إلى آخرين يلعبون فوق ركام بيوتهم. هذه هي فلسطين، وهذه هي طبيعة الحياة فيها، وطبيعة أبنائها الذين لا يعرفون المستحيل، ولا الصعاب، في أحلك الظروف يبتسمون، في أصعب المواقف يبدعون، منعوا عنهم الوقود فأوجدوا البدائل، منعوا دخول البضائع من المعابر فشقوا الأرض أنفاقا، هدموا بيوتهم فاستخدموا الركام في تعبيد الشوارع، وفي تدعيم سور اللسان البحري في ميناء الصيادين. لم يعجز ولن يعجز هذا الشعب في تخطي الصعاب والأزمات المتتالية، وربما أصعب الهموم حالياً هو هم توفير فرص العمل، وهو هم موجود في كل دول العالم حتى المتقدمة منها، وهنا يزيد، فمعظم الشعب من الشباب، وأملنا بالله كبير وثقتنا به عظيمة، أن هذا الهم إلى زوال، طالما هناك من يجتهد في إيجاد الحلول لذلك. والأهم طالما هناك عقول متدبرة، ونفوس سوية، وقلوب مطمئنة، وعيون ساهرة، وأيادي متوضأة، وأرجل ساعية للفلاح، ولذلك كله فأمام هذه المشاكل والأزمات، وأمام كل المخاوف البشرية فلن تجد من أبناء هذا الشعب المرابط إلا رداً واحداً، وهو الكلمة السحرية: ما... تقلقش...
السبت، 19 أكتوبر 2013
خطاب هنية
يرى العديد من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي أن #خطاب_هنية لم يحمل مفاجأة كانوا يتوقعوها أو ينتظروها، وخصوصا فيما يتعلق بالمصالحة وإنهاء الانقسام، ورغم ذلك عن إيجابيات الخطاب أقول:
* مناسبة الخطاب: فلقد جاء الخطاب في مناسبة عزيزة على الشعب الفلسطيني، ألا وهي ذكرى صفقة وفاء الأحرار وما تحمله من مؤشرات، وأهمها: واجب تحرير الأسرى والاهتمام بهذه القضية الوطنية، وكذلك سيلة التحرير الأنجع والتي يفهمها المحتل ألا وهي المقاومة، بالإضافة إلى كيفية المفاوضات مع الصهاينة.
* توقيت الخطاب: وخصوصاً في هذا الوقت التي بدأت تتأزم فيه الأمور داخليا وخارجيا، وكذلك سير المفاوضات المجهول والذي قد يصل الى تنازلات جديدة، فجاء الخطاب ليؤكد على الثوابت الفلسطينية والتمسك بها، والهجمة الإعلامية الشرسة ضد الشعب الفلسطيني، ووضع فلسطيني الشتات وخصوصاً في سوريا وبعد غرق سفينة اللاجئين الأخيرة والأهم مخطط تهويد القدس من الصهاينة الذي يستغل حالة البلبلة وعدم الاستقرار في العالم العربي للاستمرار في أعماله التخريبية.
* لغة الخطاب: فكانت لغة واثقة بالله وبنصره وتمكينه لعباده مهما اشتدت الأزمات، بها بدأ الخطاب ويها انتهى، وكذلك كانت لغة توافقية تدعو للتعاضد والتعاون والتنسيق التام في القضايا الوطنية وعلى رأسها القدس والأسرى واللاجئين، ولغة شاملة لجميع مكونات الشعب من فصائل وتوجهات مع التأكيد على هوية الحركة وتوجهات الحكومة، ولغة تحفيزية من الإشادة بالمقاومة وبطولاتها، بالشعب وصموده، وبالامة ونصرتها لفلسطين، وبأحرار العالم ومواقفهم الانسانية، وبالشباب وبمبادراتهم الفعالة.
* محاور الخطاب: فلقد شمل الخطاب جميع المحاور المتعلقة بالقضية الفلسطينية وخصوصا الثوابت الوطنية ومن كافة الجوانب السياسية والاقتصادية والإعلامية والقانونية وكذلك الأكاديمية وسبل دعم فلسطين وشعبها. وكذلك البعد العربي والإقليمي والدولي في العلاقات والسند والدعم والتعاون والتأكيد على نصاعة اليد الفلسطينية من أي بلبلة تحدث هنا أو هناك، والأهم الشأن الداخلي والتأكيد المستمر على مد يد الوحدة من جديد ليبقى بإذن الله الشعب موحدا بحكومة واحدة وتشريعي واحد ورئيس واحد وليستمر الشعب في تسخير مجهوداته نحو التحرير الكامل للبلاد والعباد وعسى ذلك أن يكون قريباً.
الأحد، 13 أكتوبر 2013
فرحة
يهل علينا غداً بإذن الله تعالى عيد الأضحى المبارك، ويهل معه الخير الكثير، حيث قارب الحجيج من الانتهاء من مناسك الحج، بعدما اجتمعوا من كافة بقاع المعمورة، ليوحدوا الله ويكبروه ويشكروه على نعمائه، وليشهدوا كذلك منافع لهم، في جو مليء بالإيمانيات، تصفو فيه القلوب، وترتاح فيه النفوس، وتغسل فيه الدموع التي تتساقط من العيون بدون إذن صاحبها، لتطهره من داخله، وتشاركها مياه زمزم الطيبة مما يشربه أو يسكبه منها على رأسه بعد الانتهاء من الطواف، فيرجع كما ولدته أمه خالياً من كل سوء ودرن وضغينة ومتاعب وهموم بإذن الله. ويتسابق الحجيج على إرضاء الله تعالى في هذه الأيام المعلومات، يعظمون حرماته فهم يعلمون علم اليقين أن في ذلك خيرهم في الدنيا والآخرة، ويعظمون شعائره عز وجل، فهم يريدون أن يصلوا إلى مرحلة تقوى القلوب. جاءوا من كل فج عميق، هدفهم واحد، ومقصدهم واحد، ومناسكهم واحدة، وحتى لباسهم واحد، لا فرق بين غني أو فقير، أو بين أمير أو غفير، أو بين أبيض أو أسود، أو بين عربي أو أعجمي، كلهم سواسية لا يتمايزون عن بعضهم في هذه الأيام المباركة إلا بقدر جهدهم واجتهادهم في الطاعات والعبادات والذكر والصلاة. حقيقة هنيئاً لمن قدر الله أن يطوف بالبيت العتيق في هذه الأيام، نعمة ما بعدها نعمة، نعمة يعرف قدرها وعظيم شأنها من جربها وذاق طعم الإيمان بعدها، وشعر بعظمة الإسلام، والأهم استشعر بمعية الله ورحمته بعبيده. يستشعر ذلك وهو يطوف حول الحجر الأسعد، ويزاحم من أجل تقبيله مقتدياً بالمصطفى عليه السلام، يستشعره وهو يسعى بين الصفا والمروة متذكراً معنى التوكل على الله، واللطف الإلهي، وعدم اليأس، وأهمية الأخذ بالأسباب، يستشعره وهو يقف بعرفة يتعارف فيها على أمة محمد صلى الله عليه وسلم، التي جاءت من أصقاع الأرض ليعلنوها من بداية المناسك: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك)، ويبيت بمنى ويرمي الجمرات، ليعلن رفضه للرق والعبودية، ولفظ الشيطان واتباعه وأعمالهم الشيطانية. ويستشعر ذلك وهو ينحر، ليؤكد معه أهمية الامتثال لأوامر الله، والثقة واليقين بأن الله لا يريد لعباده إلا الخير، ولكن عليهم الطاعة وتنفيذ ما يطلبه منا دون التطرق إلى أسباب ذلك، فهو الأرحم بعبيده. وبعدما يتموا الحج يشدون الرحال إلى مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام، حيث السكون والهدوء والراحة والطمأنينة، حيث قبر الرسول ومنبره وبيته وما بينهما من روضة من رياض الجنة، وحيث البقيع ومسجد قباء ومسجد القبلتين، وحيث أحد جبال الجنة. ويعود بعدها إلى دياره مغفور الذنب مقبول التوب، تغمره الأمنيات بالعودة من جديد، فقد شعر بفرحة ما بعدها فرحة، لا يفوقها إلا فرحة مصاحبة المصطفى عند الكوثر وفي الفردوس الأعلى، وأعلى فرحة النظر إلى وجهه الكريم جل في علاه.
وأما من لم يُقَدر له تأدية هذه الفريضة، فهو كذلك في نعمة كبيرة، نعمة حصاد الحسنات بالعمل الصالح فيها بطاعة الله وذكره، هذه الأيام ولياليها العشر وصف المصطفى العمل فيها بأعظم من الجهاد. فيها يتقرب المسلمون بصيام أيامها التسعة، وخصوصاً يوم عرفة، والذي فيه يقول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: (صيام يوم عرفه أحتسب على الله أنه يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده)، فهنيئاً لمن قدر الله صيام هذا اليوم، بل هذه الأيام. ويأتي يوم العيد، ويأتي معه إحياء سننه من التكبير، والذي يمتد حتى عصر رابع أيامه، والصلاة في العراء، والنحر، وصلة الرحم. يأتي العيد، ويجب أن يأتي معه التصالح والتصافح والتسامح والتزاور. وهنا لا بد من التنويه أن العيد هو عيد الأحياء وليس عيد الأموات، والحمد لله بدأت البدع المقرونة بالوفاة تقل في مجتمعنا، فتقريباً اندثرت زيارة المقابر والمكوث فيها طوال يوم العيد، وبقي عند البعض وللأسف الجلوس في البيت لاستقبال المعزين في أول عيد للمتوفى، ولكنها ستنتهي فالوعي بفضل الله بين أبناء شعبنا بازدياد. وأيام العيد أيام يقول عنها رسول الله عليه الصلاة والسلام: (إنها أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل)، فهي أيام غذاء للروح وللجسد، وأيام شكر لله على نعمائه. وهي أيام للترويح عن النفس، فهي أيام فرح ولهو ولعب وسرور ومتعة بنعم الله، في حدود الأدب والمعقول. وعلى الجميع أن يجتهد أن يدخل البهجة والسرور في نفس عائلته وخصوصاً الأطفال منهم. فرحبوا بالعيد، وغنوا له ما طاب لكم من الكلام، فالعيد فرحة، وأجمل... فرحة...
الخميس، 10 أكتوبر 2013
اجتماع
تعتبر الاجتماعات وسيلة من وسائل إدارة المٍؤسسات مهما كان نوعها، حكومية أو خاصة. ولا يجب أن يختلف الهدف الأساس منها في جميع الحالات، ألا وهو تقدم العمل بهذه المؤسسة. ويتم وضع تصور متكامل للوصول لهذا الهدف (نظرياً) من خلال هذه الإجتماعات. ويكون ذلك إما من خلال التشاور بين المجتمعين لوضع خطة عمل المؤسسة، أو متابعة تنفيذ بنود هذه الخطة في محاورها المتعددة، أو من خلال مناقشة سير العمل في المؤسسة. وكذلك قد يكون الهدف من الاجتماع هو التواصل بين الجهة العليا في المؤسسة وبين الجهة التنفيذية فيها، أو بين الجهة العليا مع بعضها البعض، أي أن الاجتماع يكون على المستوى الرأسي أو الأفقي للمؤسسة، أو قد يكون مع جمهور المؤسسة من جمعيات أو أفراد أو مؤسسات أخرى تتقاطع في عملها معها، أو تستفيد من خدماتها. وفي جميع الأحوال لا يجب أن يكون هذا الاجتماع هدفاً بحد ذاته، لأنه في هذه الحالة سيكون قليل الجدوى، وهذا لا يعني أن الالتقاء بين أفراد المؤسسة بين بعضها أو مع جمهورها أمر غير محبوب، بل بالعكس هو مطلوب لزيادة العلاقات الأخوية، وجلاء الصدور لما قد يكون حل فيها، بسبب اختلاف الأراء الطبيعي في العمل، وما يتبعه من إشكالات بسيطة، ولكن هذا لا يعتبر اجتماعاً وإنما لقاءً اجتماعياً أو احتفالاً أو علاقات عامة، بالتالي المقصود هنا هو الاجتماع الرسمي الذي قد ينتج عنه قرارات أو توجهات مستقبلية تخص المؤسسة وقطاع عملها. وهنا أضع بين أيديكم بعض النقاط الأساسية حتى يكون الاجتماع مثمراً وفعالاً وذا فائدة، وبهدف الاستفادة من الوقت المخصص له بأكبر قدر ممكن، فالوقت من ذهب كما يقولون. علماً أن إدارة الاجتماعات وأدبياتها أصبحت فناً وعلماً، يحرص المتميزون على إتقانه والإبداع فيه، وذلك لأنهم يحرصون على حصد الثمار بأقل جهد ووقت ممكن. وفيما يلي بعض هذا النقاط، وهي تتعلق بما قبل أوأ ثناء أو بعد الاجتماع، ولديكم المزيد:
-وضع هدف للاجتماع، والتفكير به جيداً مع من تثق بقدرتهم وكفاءتهم وأمانتهم، وبناءً عليه يتم تحديد المشاركين في الاجتماع.
- عدم الإكثار من عدد المدعوين، لإن ذلك قد يؤدي إلى صعوبة إدارة الاجتماع، واستهلاك وقت أكبر في مدته، وخصوصاً إذا ما أراد الجميع الإدلاء بدلوهم في كل بند من بنود الاجتماع.
- اختيار الزمان والمكان المناسبين لعقد الاجتماع، لتوفير بيئة عمل مريحة، تساعد على الإنتاجية.
- وضع جدول أعمال، وجدولة زمنية لكل بند، وإلا فستكون نتيجة الاجتماع مجرد دردشات.
- توزيع جدول الاعمال مفصلاً قدر الإمكان بوقت كافٍ حتى يستطيع الاعضاء تدارسه قبل الاجتماع.
- تجهيز مكان الاجتماع بكل ما هو مطلوب من أوراق ومستندات وخدمات لوجستية قبل الاجتماع.
- احترام وقت الجميع، والبدء فور اكتمال النصاب القانوني، وذلك عندما يحين الوقت المحدد للاجتماع.
- الترحيب بالحضور، والحرص على إضفاء جو ودي، دون الإخلال برسمية الاجتماع، أو التقليل من احترام المكان أو الحضور.
-التقليل من بند ما يستجد قدر الإمكان، ففي الغالب أي قرار يلزمه التحضير المسبق فيما يتعلق بكل جوانبه وتبعاته: الإدارية والفنية والمهنية والمالية والقانونية.
- تقليل عدد مرات تخديم الضيافة أثناء الاجتماع، لأن كثرتها قد يسبب بلبلة، وفي المقابل عدمها قد يسبب الملل.
- العمل على إشراك وتفاعل أكبر عدد ممكن من الحضور.
- ترك المتكلم يدلي برأيه، ولكن بدون إسهاب، وبدون مقاطعة، واللباقة بعدم السماح بتكرار ما تم قوله من الآخرين.
- عدم السماح بالكلام الجانبي، وإلا سيفقد الاجتماع أهميته، وعدم السماح برفع الاصوات مهما كان السبب.
- الاستعانة بالوسائل التوضيحية الحديثة من برامج عرض قدر الإمكان.
- الخروج بقرارات واضحة غير قابلة للتأويل.
- توضيح المطلوب من كل عضو، بحيث يخرج كل واحد من الحضور وهو على معرفة تامة بالمهام التي وكل بها.
-العمل على طباعة محضر الاجتماع مفصلاً، وتوزيع التوصيات والقرارات على الحضور.
-جدولة تنفيذ التوصيات والقرارات، ومتابعة تنفيذها في المواعيد المحددة لها.
هذه بعض النقاط، وغيرها كثير، من المناسب الأخذ بها إذا أردت أن يكون كل اجتماع تديره هو أفضل وأنجح... اجتماع...
الاثنين، 7 أكتوبر 2013
إتقان
تتقدم الدول وتحجز مكانها ضمن الدول العظمى لعدة مسببات، وقد يكون مكانها على قدر قوتها الاقتصادية والإنتاجية. وهذا القدر وهذه المكانة لم تتحقق لها إلا بعد أن سخرت كل طاقاتها وإمكاناتها ليكون جميع أفرادها منتجين ومبدعين في عملهم، وليس فقط في توفير فرص عمل لهم، فهم يعلمون أن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة. هذا العلم ترجمه أفراد هذه المجتمعات إلى واقع، فتراهم يتسابقون نحو التميز، والذي لا يتحقق لهم إلا لأنهم أدوا أعمالهم بقدر كبير وعالٍ من الحب والانتماء والمهنية، فتحقق لهم السبب الأساس وراء التميز ألا وهو: إتقان العمل. وهذا الأمر ليس ببعيد عن مفاهيمنا ومعتقداتنا ومبادئ وتعاليم ديننا الحنيف، فكلنا يحفظ الآية الكريمة التي يأمرنا فيها الله سبحانه وتعالى بالعمل، ويعقب لنا بعدها مباشرة أن هذا العمل مراقب ومتابع وسيراه الجميع، وأولهم الله جل في علاه، فبالتالي يجب أن يكون على أحسن وجه: (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون). وكلنا يحفظ كذلك حديث المصطفى عليه الصلاة والسلام: (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه). وفي هذا الجانب، وعن مدى احتياجنا ليس للعاملين بل للمتقنين أعمالهم، يقول المرشد السابق لجماعة الإخوان المسلمين في إحدى رسائله: (والمجتمعات الإسلامية، ومصر منها، في تعطُّش وظمأ لهذا النوع من العمال والموظفين المخلصين المتقنين لأعمالهم؛ لكي تنهض من كبوتها وتتقدَّم من تخلُّفها، وتصير كما كانت في سالف عهدها خير أمة). حقيقة كم نحن بحاجة إلى هذا النوع من العمال والموظفين مهما كانت طبيعة عملهم، ومهما كانت درجتهم الوظيفية. وقد يستطيع العاملون أن يقنعوا مسؤوليهم بأنهم يعملون بإتقان، ولكنهم نسوا (فسيرى الله...) فعين المسؤول قد تغفل عنك، ولكن عين الله تراقبك، وستحاسبك يوم لا ينفعك بعد رحمة الله إلا صالح أعمالك. فالمراقبة الذاتية هي أول عوامل تحقيق إتقان العمل. وثاني هذه العوامل هو حب هذا العمل مهما كان، فأنت عندما تحب عملك ستنجح فيه، وستؤديه على أحسن وجه، بل وستكون مميزاً فيه، ومخرجات هذا العمل المتقن ستكون واضحة للعيان، وستتحدث عن نفسها. وعلى النقيض، تجد من يذهب لعمله وهو كاره له، يشعر بحمل ثقيل على كاهله، ويصدق فيه الوصف القرآني: (كأنهم يساقون إلى الموت). وكم تكون سعادتي عندما أذهب إلى إحدى المؤسسات التي عملت فيها، وأرى مراسلها، والذي بالفعل على بساطة عمله إلا أنه أحبه فكان مميزاً فيه، ويؤديه بأريحية تامة وبابتسامة تزين كل ما يقوم به من أعمال. أمر ثالث يساهم في إتقان العمل القناعة بالواقع الوظيفي والمردود المالي لهذا العمل الذي تقوم به. فقد انتشرت وللأسف في الفترة الأخيرة بين بعض الموظفين جملة (على قدر ما بيعطوني بأعطيهم)، أو (أنا محبط لأن درجتي الوظيفية لم تتغير) فتراه يؤدي عمله على عجل، فلا يتم إنجازه بالصورة المطلوبة، أو على استرخاء شديد، فيعذب الآخرين معه ويعطل مصالحهم، ونسي أن الله سيحاسبه على ذلك. وهنا فإنه غَلَّب وللأسف مكافأة البشر على محبة رب البشر، بل قد يكون نسي: (وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئُكم بما كُنْتُمْ تعملون). وبكل تأكيد أهم عوامل إتقان العمل المهنية والمتابعة الدائمة لآخر التطورات في مجال العمل، وكذلك تطوير الذات والقدرات، وإن لم يكن من خلال المؤسسة التي تعمل بها، فليكن بصورة ذاتية. هذه هي بعض الأمور التي تساعد على إتقان العمل لتساهم في نهضة الأمة وتقدمها ورقيها، ولكن يبقى قبل كل هذا وبعده أمر هام، ألا وهو استحضار النية وعقدها بأن يكون إتقانك لعملك تقرباً لله عز وجل، حتى تحصل على الأجر والأُجرة بإذنه تعالى.
واسمعوا إلى أمير الشعراء في خطابه للعمال: أيها العمال أفـنوا العمر كداً واكـتساباً
وأعمروا الأرض فلولا سعيكم أمـست يباباً
أتقنوا يحببكم الله ويرفعكم جـنابا
إن للمـتقن عند الله والناس الثوابا
فهي إذن دعوة مفتوحة للجميع: لا تنظروا الشكر والثناء وقبول العمل إلا من رب العالمين، ولأنه تعالى الذي أتقن كل شئ فأدوا عملكم بمهنية و...إتقان...
الأربعاء، 2 أكتوبر 2013
لوامة
يعيش الإنسان في حياته بين تجاذبات الخير والشر، الحق والباطل، الهدى والضلال. الصح والخطأ، وهو في هذا المشوار يميل إلى هذا الجانب أو ذاك حسب ما تقوده نفسه وتسول له، وحسب ما تبرره له من إيجابيات أو سلبيات هنا وهناك. وفي نفس الوقت حسب ما يوجهها هو إلى الفجور أو إلى التقوى، (ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها)، وحسب ما يقرره هو بسلوك طريق الفلاح، والوسيلة واضحة: (قد أفلح من زكاها)، أو أن يتخذ طريق الخيبة، ونفس الأمر هنا فالطريق جلية: (وقد خاب من دساها). ولقد تطرق القرآن الكريم إلى تصنيف النفس، فكانت على الوجه الأساس تنقسم إلى ثلاثة أنواع: الأمارة بالسوء، والمطمئنة، واللوامة. فأما النفس الأمارة بالسوء، فهي نزعة غالبة على البشر، إلا من رحم الله، وجعله يتغلب على هواه. وهنا يظهر الفرق بين شخص وآخر، بين الذي ينتصر على نفسه، ويقودها هو إلى الخير والرشاد والفلاح، وبين من تقوده هي إلى الشر والضلال والكساد، فيصبح كالأنعام التي يقودها الراعي حيث يشاء، بل أضل سبيلاً، (وما أبرئ نفسي، إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي). ولأن النفس جبلت على حب الشهوات والملذات والمغريات الدنيوية وما أكثرها، لذا فإن مجابهتها ومجاهدتها بالبعد عن هذا الطريق المغري ليس بالأمر السهل ولا بالهين. وعلى قدر الانتصار على النفس يكون مستوى الإيمان، وهذا الانتصار يكون بتعويدها على فعل الخيرات بشتى أنواعها، والاستمرار على نهج إصلاح الذات وتقييمها أولاً بأول، حتى لا تحيد عن السراط المستقيم. لذا من الضروري إرغام النفس على الخير، فهي إن لم تعودها على الخير دعتك إلى الشر وزينته لك، وإن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل، وإن لم تأمرها بالطاعة جرتك إلى المعصية، وإن لم تقدها إلى المعروف أبعدتك عنه. وأما النوع الثاني من النفس فهي في عباد الله في الدنيا، وفي جنته في الآخرة. هي النفس المؤمنة بالله وبقضائه وقدره، لذا دخلت السكينة فيها، وحل الوقار عليها، واتصفت بالهدوء والاطمئنان، فهي راضية بحكم الله وبحالها وبما هي عليه، لا تسعى إلا للخير وبالخير، فحق لها أن تكون مرضية عند رب العالمين. وعلى النقيض من النفس الأمارة بالسوء النفس اللوامة، التي تذكر صاحبها بيوم القيامة، الأولى تقول أيان يوم القيامة؟، أما هذه فموصولة بيوم القيامة، وحساب يوم القيامة، (لا أقسم بيوم القيامة، ولا أقسم بالنفس اللوامة). ارتباط جعل من صفات النفس اللوامة أنها في صراع دائم مع ذاتها في كافة المجالات وخصوصا في قضايا الثواب والعقاب، وواقع الدنيا والآخرة. وتتضح طبيعة هذه النفس ويتضح معها صدق نواياها عندما يكون هناك تضارب بين المصلحة الخاصة والعامة، وبين فعل الخير وفعل الشر. فهي دائمة التذكير لصاحبها بزجره عن هواه، وبثنيه عن طريق الضلال، لا تقبل أن يحيد قيد أنملة عن الجادة، بل تطلق له صافرة الإنذار عند أي هفوة بسيطة، أو عند ارتكابه أي خطأ، صغيراً كان أو كبيراً، وسواء كان مقصوداً أو غير مقصود. وهنا من باب التذكير أود التنويه إلى أن نفوساً عديدة حملت أرواحها بين أيديها في زمن التحديات والصعاب، ولكن بعضها تراجع قليلاً إلى دنياه، عندما بدأت قلة تنزل عن الجبل لتحصد غنائم محدودة وموقوتة، ونسيت أن راحتها وقوتها وعزتها وكرامتها كانت عندما باعت الدنيا بما فيها رخيصة في سبيل الله. هذه النفوس هي نفوس لوامة، لا صعوبة بتاتاً أن تعود إلى أصلها بقليل من الجهود المخلصة، وبتقديم القدوة العملية ممن هم أهل القدوة، والمجتمعات على أديان أسيادها، وأسياد هذا الزمان والمكان باعوها لله، فهل ستعود هذه النفوس إلى التجارة الرابحة، وهل سترجع إلى ربها راضية مرضية!؟ عسى أن يكون ذلك قريباً قريبا. وهذا السؤال وهذه الأمنية من باب عدم القبول بأي مرتبة أدنى من المثالية، فالمبتغى رضوان الله. ومن باب زجر النفس والبعد عن الإعجاب بالذات، فهذا من المُهلكات، التي يحددها المصطفى عليه الصلاة والسلام في حديثه: (ثلاث مهلكات شح مطاع وهوى متبع وإعجاب المرء بنفسه). لذا فيا فوز من انتصر على نفسه وهواها، فأصبحت مطمئنة راضية مرضية أو ...لوامة...
الاثنين، 30 سبتمبر 2013
تواضع
يعيش الإنسان في حياته باذلا ً كل جهده كي يرتقي من مكانة لمكانة، وينتقل من درجة إلى درجة في السلم الوظيفي أو المجتمعي. ومع هذا الانتقال والارتقاء تزداد مسؤولياته، ويزداد حجم العمل المطلوب منه، ويزداد معها حجم الأمانة الملقاة على كاهله. هذا الارتقاء وهذه المسميات الجديدة للمسؤولين لا يجب أن تزيدهم إلا يقيناً بأن ما أصابهم من نعمة فهو بتوفيق الله وبتيسيره عز وجل، وبالتالي يجب أن يزداد عطاؤهم، وأن تزداد أخلاقهم رفعة وسمواً. وقمة الأخلاق في هذا المجال هو التواضع، عملاً بالقاعدة الكونية: (من تواضع لله رفعه). إذن التواضع لله مع الموظفين ومع المراجعين، حتى تستمر النعمة التي هو فيها، بل تزيد وتنمو. والتواضع بكل تأكيد يشيع جواً من الحب والاحترام والتفاهم والتسامح كذلك. ولكن وللأسف في بعض الأحيان، تجد أن الواقع عكس ذلك، فما أن يتم تكليف البعض (وخصوصاً أصحاب النفوس الضعيفة) بمسؤولية جديدة، إلا وتجد أن طريقة معاملته مع الآخرين بدأت تتغير، فيبدأ بإلقاء الأوامر هنا وهناك، وبنبرة فيها نوع من التعالي، ويبدأ برفض مقابلة هذا أو ذاك، من باب التنويه أنه أصبح رجلا ً مهماً، أو يجعل مرؤوسيه أو المراجعين ينتظرون على بابه، حتى يبدو لهم أنه مشغول بحل قضايا الأمة، ونسي أنه بالأمس القريب كان ينتقد مثل هذه التصرفات. هذه التصرفات التي تخرج صاحبها من التواضع، وتضعه في فئة المتكبرين، لذا فاسمعوا ماذا ينتظرهم بناءً على قول رسولنا محمد عليه الصلاة والسلام: (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر). وعلى النقيض فإن المتواضعين لهم مكانة عالية عند رب العالمين، يقول جعفر الصادق: (أحب الخلق إلى الله المتواضعين)، وفي الآخرة ليس لهم مكان إلا الجنة. وما أجمله من تشبيه للمتواضعين وللمتكبرين بالسنبلة، كلما كانت فارغة كلما كانت منتصبة، ويزداد انحناؤها كلما زاد الخير فيها والمنفعة، أي كلما كبرت ونضجت حبات القمح فيها. وجاء في كتاب الروح لابن القيم تعريف جميل للتواضع، حيث يقول: (هو انكسار القلب لله، وخفض جناح الذل والرحمة بعباده، فلا يرى له على أحدٍ فضلاً، ولا يرى له عند أحدٍ حقاً، بل يرى الفضل للناس عليه، والحقوق لهم قِبَلَه، وهذا خلُق إنما يعطيه الله عز وجل من يحبُّه، ويكرمه، ويقربه.) وهذه الكلمات لوحدها تجعلنا نحرص على هذه الصفة، صفة الأنبياء والصالحين والأتقياء. وعلينا جميعاً وخصوصاً المسؤولين، مراجعة ذاتية لتصرفاتنا وأفعالنا وأقوالنا، وأن نحرص على زيادة هذه الصفة في نفوسنا حتى تصبح ركيزة في حياتنا، وهذا يكون بالاستماع إلى الآخرين مهما كانت درجتهم، والجلوس مع الجميع دون التقيد بالرسميات والأمور الشكلية، وكذلك التواصل مع كافة الفئات دون تمييز، ومشاركتهم مناسباتهم قدر الإمكان، وأمور أخرى تساهم في محو الكبر والكبرياء والتكبر من النفس بصورة كاملة. ورحم الله الشيخ الشعراوي الذي أراد أن يؤدب نفسه، ويعيدها إلى تواضعها المحمود، بعدما تم تكريمه من الطلاب في إحدى الجامعات المصرية، ولما شعر أن نوعاً من الغرور أو الكبر دخل في نفسه، أوقف مركبته أمام مسجد الحسين لينظف حماماته بيده، ليمحو ما أصابها من مرض عارض، وليذكرها بحقيقتها، فتعود إلى تواضعها المنشود. ومع هذا كله فإن التواضع يصبح مذموماً وغير مقبول في بعض الأحيان، وخصوصاً مع الأعداء، بل إن المحمود حينها هو الخيلاء والتبختر، وفي ساحات القتال على وجه الخصوص. وكذلك فإن التواضع مع المسؤول الظالم غير مقبول، حيث أن ذلك يعتبر مداهنة، وسنداً له في تماديه بظلمه. وكذلك لا يجب أن يظهر المتواضع بمظهر الضعيف، فحينها تنقلب الإيجابيات إلى سلبيات. وأخيراً هي كثيرة الفوائد المرجوة من هذه الصفة الحميدة، ليس بأقلها أنه لا رفعة ولا تميز في الدنيا والآخرة بلا ... تواضع...
الخميس، 26 سبتمبر 2013
إخوان
بداية لا أقصد بعنوان المقال الحديث عن جماعة الإخوان المسلمين، وإن كان محتواه سيتطرق بكلماته المتواضعة إلى أحد ركائز هذه الجماعة، وأحد أركان بيعتها العشرة، التي يلتزم بها أبناؤها، بناءً على دعوة مؤسس الجماعة الإمام حسن البنا رحمه الله، والتي يبايعون الله على الوفاء بها، وتطبيقها في حياتهم، لينالوا خير الدنيا والآخرة. وإنما أريد من هذا العنوان الصفة التي يجب أن يتصف بها أبناء المجتمع، والحالة التي يجب أن يكونوا عليها، من تآخي يؤدي إلى شيوع حالة التعاضد والتكافل والتسامح والتكامل، حتى يكون مجتمعاً متراصاً قوياً منتجاً، وليس مجتمعاً متناحراً متناخراً ومتفكك الأوصال والروابط، تتداعى عليه الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها. وكلنا يعلم أن أول عمل قام به المصطفى عليه الصلاة والسلام في المدينة هو المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، فهو أول تشريع أقره ونفذه عليه الصلاة والسلام، ليكون أول دعائم وركائز الدولة الفتية، وليؤكد من خلاله أن قوة المجتمع تكون بالاندماج التام والشامل بين أفراد المجتمع، اندماج لا يعرف فرقاً بين قوي وضعيف، أو أبيض وأسود، أو غني وفقير. وما أعظمه من اندماج قائم على تطبيق هذا المبدأ الأساس في رفعة الأمة وتقدمها وقوتها، ألا وهو مبدأ الأخوة. وهنا أود التنويه إلى نقطة هامة، ألا وهي أن الشيطان وأعوان الشيطان يحاولون أن يدسوها بين أبناء الشعب الفلسطيني الواحد، فكل فترة وأخرى تظهر في الميدان نعرة (ضفاوي وغزاوي)، أو الأدهى من ذلك (مواطن ولاجئ)، وهذا باب من أبواب التفرقة بين أبناء الشعب الواحد والمجتمع الواحد، والذي يتنافى مع مبدأ الأخوة، بل مع مبدأ وصفة الإيمان، وذلك تأكيداً لما جاء في قوله تعالى: (إنما المؤمنون أخوة). هذه هي العلاقة الوطيدة والرابطة المتينة التي يجب أن تكون بين أفراد المجتمع، ليس أخوة النسب، ولا أخوة العشيرة، أو القرابة، بل أخوة الدين المبنية على المودة والرحمة، والقائمة على أسس الإيمان. وعودة إلى الفكر الإخواني القائم على الشريعة السمحاء، يقول الإمام البنا في رسالة التعاليم عن ركن الأخوة: (وأريد بالأخوة: أن ترتبط القلوب والأرواح برباط العقيدة، والعقيدة أوثق الروابط وأغلاها، والأخوة أخت الإيمان، والتفرق أخو الكفر، وأول القوة: قوة الوحدة، ولا وحدة بغير حب، وأقل الحب: سلامة الصدر، وأعلاه: مرتبة الإيثار). وهنا لا بد من الحرص والمحافظة على رابطة الأخوة، فإن تعززت في النفوس تلاشت أمامها كل المشاكل والخلافات، وإن تزعزعت بدأت الفرقة تدخل بين النفوس، وبدأ انهيار المجتمع وبنيانه. والمجتمع المتآخي كالبنيان المرصوص، المتكامل الأركان، بل إن أفراده يصبحون كالجسد الواحد، يحمل بعضهم بعضاً، ويؤازرون بعضهم في السراء والضراء. ويعيشون بنعمة الله سبحانه وتعالى (فأصبحتم بنعمته إخوانا)، بل ويدعون لبعضهم بالخير والمغفرة (ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان)، فإن تحققت فيهم هذه المعاني والقيم فجزاؤهم عند ربهم في جناته (إخواناً على سرر متقابلين). وعن الأخوة الحقة يقول الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه؛
إن أخاك الحق من كان معك...ومن يضر نفسه لينفعك...ومن إذا ريب الزمان صدعك...شتت فيه شمله ليجمعك. هذه هي الأخوة التي تظهر واضحة في وقت الأزمات والشدائد، فهي التي تكشف لك عن حقيقة إخوانك، الذين يزدادوا قرباً منك في وقت الضيق، ولا يتركوك لوحدك تواجه الأزمات. وحتى لو لم يقدموا لك حلولاً لما تمر به من مشاكل، فإنهم بوقوفهم بجانبك يرفعون من معنوياتك، لتستشعر حينها قيمة ومعنى الأخوة. لكل ما سبق فإن دعوتي إلى جميع أبناء فلسطين المرابطين، بل لكل البشرية، ليتحقق لهم خير الدنيا والآخرة، هي تطبيق وصية رسولنا المصطفى عليه الصلاة والسلام: كونوا عباد الله... إخوانا...
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)